الطبيعة والعلوم البيئية > علم البيئة
التخلص من ثاني أكسيد الكربون يمكن أن يجعل الأشجار تثمر مالاً!
تمتصُّ النباتات الكربون وتعزله من الجو لتختزنه بعد تحويله -بواسطة التركيب الضوئي- إلى كربوهيدرات تستفيد منها في بناء كتلتها الحيوية. ولكن قطع الأشجار المستمرّ بهدف سدِّ الحاجات المتزايدة للأخشاب يُؤدِّي إلى التقليص من مساحة المسطحات الخضراء، وبهذا تفاقم مشكلة الاحتباس الحراري الناتج عن زيادة تركيز غاز ثاني أكسيد الكربون في الجو.
أثبتت تجربة فريدة في إحدى الغابات المطيرة في غويانا أنَّ الحفاظ على البيئة وتقليل تراكيز الكربون في الجو إضافة إلى الاستفادة من الأخشاب هو أمرٌ ممكن.
وقد أُجريت التجربة بدعم من أحد البرامج الهادفة لخفض الانبعاثات الناجمة عن إزالة الغابات وتدهورها في غابة مكتظَّة بالأشجار القديمة المُغطَّاة بالنباتات المُتسلِّقة؛ إذ صُنِّفت الأنواع الفريدة والغريبة الموجودة فيها مع الاهتمام بكيفية تأثير قطع الأشجار في الحياة البرية فيها على وجه الدقة.
وبواسطة تطبيق أسلوب خاص في قطع الأشجار يعتمد على الانتقائية في القطع؛ فقد كانت هذه التجربة كأداة لحماية الغابات والتنوع الحيوي؛ ما يُساعد دولة غويانا على الاستفادة من مواردها الطبيعية وتعزيز اقتصادها في آن معاً.
وفي إيووكراما (والتي تعني الملجأ بلغة هنود ماكوشي القديمة)؛ أنشأ المشرفون خرائط لتحديد موقع كل شجرة يعتزمون على قطعها؛ إذ يستهدفون الأشجار التي لا يقلُّ قطرها عن 35 سم، وتفصل بينها مسافة ما يُقارب 7.5م، ثم إنهم يُحدِّدون أفضل اتجاه لسقوط هذه الأشجار إضافة إلى وضع خطط دقيقة للمسار الذي سوف يُستخدم لجرِّها خارج الغابة، فإذا نُفِّذت هذه الإجراءات كانت النتيجة التقليلَ من الخسائر في الأنواع الأخرى وترك مساحات فارغة قليلة في الغطاء النباتي؛ الأمر الذي يسمح بدخول الكمِّ الكافي من الضوء داخل الغابة؛ ما يُشجِّع على نمو البادرات وبهذا تُنفى حاجة إعادة الزراعة.
وخلافاً لقطع الأشجار المُستدام؛ فإن الطرائق التقليدية تترك فراغات كبيرة في الغطاء النباتي؛ ما يسمح بدخول كمية كبيرة من الضوء إلى الغابة، وبهذا جفاف النباتات المُحبَّة للظل والرطوبة وموتها بسبب تغير شروط نموها إضافة إلى الأثر في بعض الحيوانات وهجرتها.
ولمعرفة أثر هذه التقنية في التنوع الحيوي؛ أُجري عام 2008 استطلاع قياسي عن الحياة البرية عن طريق مراقبة الأنواع في ستة مواقع: ثلاثة منها مُدرجة في برنامج الدراسة، وثلاثة غير مُدرجة، وكان موقعان منها مُجاورين غابة إيووكراما. وكانت النتائج مبشرة؛ إذ كان لهذه الطريقة المبتكرة أثر ضئيل من الضرر في الحياة البرية يكاد أن يكون معدوماً، فضلاً عن تعزيز نمو الأشجار الأخرى وتشجيع نمو أشجار جديدة وبهذا زيادة امتصاص الكربون وتخزينه.
وتمتصُّ الغابات كلَّ عام ما يُقارب 40% من ثاني أكسيد الكربون الناتج عن انبعاثات الوقود الأحفوري، ولكن تُؤدِّي إزالة الغابات إلى زيادة كميات هذا الغاز في الغلاف الجوي والناتج عن حرق الأشجار وتحلُّلها.
أزيلت مساحات كبيرة من الغابات المطيرة في البرازيل بهدف إقامة طرق للماشية أو تحويل جزء كبير منها إلى مزارع أو بهدف الاتّجار بالأخشاب؛ وذلك على عكس غويانا التي لا تزال تُحافظ على الغابات وتنوعها الحيوي على الرغم من وضعها الاقتصادي السيء؛ إذ تُصنَّف على أنها من أكثر دول فقراً في نصف الكرة الأرضية الغربي. وفي عام 2009؛ عُقدت اتفاقية بين غويانا والنرويج من أجل تحقيق التوازن بين النمو والحفاظ على الغابات، وقد وافقت على تقديم 250 مليون دولار في أثناء خمس سنوات في حال تمكَّنت غويانا من المحافظة على هذه الغابات والتقليل من نسبة إزالتها، وكانت هذه المرة الأولى التي تُقدِّم فيها إحدى الدول المتقدمة والواعية بأثر انبعاثات ثاني أكسيد الكربون مساعداتٍ ماليةً للدول النامية بهدف الحفاظ على الأشجار في أراضيها. وفي إطار هذه المبادرة التي تدعمها الأمم المتحدة؛ فإن غويانا تستطيع أن تقطع الأشجار وتستفيد منها ما دام التنوع الحيوي فيها محمياً.
ويمكن عن طريق إجراء بعض التعديلات على هذه الطريقة أن تُنتَج خرائط عالمية للحفاظ على المحميات وحماية الأنواع الحيوية فيها؛ فقد بدأت هذه المقاربة البسيطة بالانتشار في عدد من الدول النامية التي تسعى إلى تقليل معدلات إزالة الغابات والحفاظ على تنميتها وتنوعها.
المصدر: