الاقتصاد والعلوم الإدارية > اقتصاد
أي البلدان أفضل لتبدأ مشروعك؟
تخيل أن بإمكانك بدء عملك التجاري في أي مكان في العالم، فأين تختار أن يبدأ مشروعك؟
لكن وقبل أن تقرر، ينبغي أن تضع في حسبانك هذه الحقائق:
- لم تحقق مجموعة "بريكس" المأمول منها مقارنةً مع إمكاناتها، فقد خسر سوق شانغهاي للأوراق المالية وحده 30% من قيمته حتى حزيران (يونيو) من عام 2015.
- نَمَتْ معظم الاقتصادات المتقدمة البالغ عددها 36 في العام ذاته أقل مما كانت عليه في عام 2007، باستثناء الولايات المتحدة والمكسيك والإمارات العربية المتحدة.
- زيادة عدد السندات الحكومية المصدرة بمعدلات فائدة سالبة إذ بلغت نسبته 25% من إجمالي السندات المصدرة في الوقت الحالي، إضافة إلى تلاعب البنوك المركزية في كل مكان بسوق العملات وهو أمر لا يمكن تحمله على المدى الطويل.
فأين يجب على رواد الأعمال البدء بإنشاء أعمالهم؟
الجواب باختصار: في البلدان ذات الاقتصادات التنافسية؛ إذ لا يمكن تحديد البلدان التنافسية عن طريق النمو على المدى القصير أو عن طريق مستوى الرفاهية في هذه البلدان أو حتى عن طريق المنافسة السوقية، إنما يمكن بقدرة البلد على توليد قيمة مستدامة طويلة الأجل.فمن وجهة نظر رائد الأعمال؛ إن البلد الذي يُحسِن قدرته التنافسية سيشهد تحسنًا لاحقًا في مؤشرات الأداء عن طريق نمو الناتج المحلي الإجمالي وسوق الأوراق المالية، وهذا يدل على أن القدرة التنافسية هي محرك الاقتصاد الرئيسي وليس النمو الاقتصادي البسيط؛ إذ إن النمو الاقتصادي المحقق في الماضي ليس إلا مؤشرًا، ولا يؤدي بالضرورة إلى عائدات مستقبلية في سوق الأوراق المالية.
إدارة محركات الاقتصاد بدلًا من مؤشراته
ترتبط القدرة التنافسية بمدى نجاح البلد بإدارة الموارد والكفاءات (محركات الاقتصاد) الخاصة به لتهيئة بيئة تمكن الشركات من خلق قيمة مستدامة؛ إذ إن تأدية ذلك يتطلب أن يكون لدى هذا البلد المحركات المناسبة في اقتصاده وإدارتها إدارة فعالة عوضًا عن إدارة مؤشرات الأداء المختلفة.فمثلًا؛ تركز المكسيك على زيادة قدرتها التنافسية عن طريق تحسين نظم الرعاية الصحية والتعليمية (الكفاءات) وخصخصة القطاع العام (إدارة الموارد إدارة فعالة)، وفي تشيلي كان الإصلاح التعليمي الهائل يهدف إلى ضمان حصول الجميع على التعليم، فعلى الرغم من أن تطبيق هذا البرنامج يستنزف كثيرًا من الموارد الضرورية لتطوير البنية التحتية؛ لكن التعليم أداة مهمة للحد من عدم المساواة في الدخل فهو محرك القدرة التنافسية.
الحكومة الجيدة تخلق البيئة المناسبة
إن سباق التنافسية العالمي يبدأ بالحكومة، فعلى الرغم من أن القطاع الخاص يوفر الوظائف إلا أن الحكومات تحتاج إلى تطوير بيئة ملائمة للشركات لتكون قادرة على توليد هذه الوظائف وذلك عن طريق تعزيز الشفافية (عدم الفساد) والتنظيم الجيد والتركيز على الناس. وُتَعُّد بلدان -مثل سنغافورة والإمارات العربية المتحدة- مثالَين جيدين على النماذج الحكومية التي عززت مثل هذه البيئة.أما البلدان التي تفشل في توفير هذا تكون أقل جاذبية للمستثمرين، فعديد من البلدان النامية -بما في ذلك معظم دول "بريكس"- لديها بنية تحتية ضعيفة إضافة إلى أمور أخرى، ما يمنع عديدًا من المنظمات ممارسة نشاطها في تلك البلدان، لذا يُعَدُّ التنظيم الجيد والبنية التحتية عنصران أساسيان لنمو الاستثمارات.
ولعل النموذج السويسري أبرز مثال على ذلك، فعن طريق تطوير القطاع الخاص والتنظيم الجيد عززت الحكومة روح المبادرة لدى الشركات ما سمح بجذب رؤوس الأموال وخلق فرص عمل جديدة.
قادة سياسيين برؤية مستقبلية
تُعَدُّ القيادة إحدى الخصائص المهمة في البلدان التنافسية، ويُعَدُّ رئيس منغوليا تسكياجين البيدجور (Tsakhiagiin ElbegdoIji) أحد الأمثلة الواعدة.فقد اكتُشِف في منغوليا -مؤخرًا- أكبر احتياطي نحاس في العالم، الأمر الذي يُعَدُّ اكتشافًا رائعًا لمثل هذه الدولة الفقيرة. وقال في معرض حديثه عن هذا الاكتشاف: "من المهم للغاية ضمان أن الثروة المتولدة عن هذا الاكتشاف ستصب في تحسين حياة سكان هذا البلد الفقير". وبناء على ذلك يمكن القول عن هذا الرئيس أنه قيادي وصاحب رؤية.
استراتيجية طويلة الأجل وقصيرة الأجل
إنَّ الاستراتيجية الواضحة جانب مهم في البلدان التنافسية، فكر في الاستراتيجيات التي طبقتها الدول للخروج من الأزمة في أوروبا، بدأت اسبانيا بالفعل بشق طريقها خارج الأزمة، لكن ما هي بالضبط استراتيجيتها الاقتصادية؟من الصعب في كثير من الأحيان شرح السياسة الاقتصادية للبلد، ولكن المكسيك مثال على البلدان التي لديها استراتيجية واضحة، فقد قال رئيسها: "المكسيك بحاجة ماسة إلى سلسلة من الإصلاحات الهيكلية التي من شأنها أن تزيد من الرفاهية العامة".
لا ينبغي أن توفر الاستراتيجية إجابات لمشكلات قصيرة الأجل فقط، بل يجب أن تركز على القضايا طويلة الأجل أيضًا، لأن أحد المحركات الرئيسة للقدرة التنافسية هو توجه طويل الأجل. وعلى الرغم من ذلك نجد أن معظم الأنظمة السياسية لا تملك رؤية طويلة الأجل؛ ذلك لأن القادة يميلون إلى التركيز على النجاحات سريعة في محاولة منهم للفوز في الانتخابات المقبلة.
لا تقلد تجارب الآخرين
يجب على كل بلد أن يطور إطار عمل واستراتيجية خاصة تتناسب مع مميزاته واحتياجاته، فالتعلم من تجارب الآخرين ونجاحاتهم يعدُ أمر جيدًا، لكن استنساخ أنموذج بلد آخر ليس فكرة جيدة؛ لأنه لا يوجد بلدان لهما السياق نفسه؛ فكل بلد لديه ما يميزه ويعزز قدرته التنافسية ولديه ما يؤثر سلبًا فيها.وكما قال ستيفان غارلي (Stéphane Garelli) -المدير السابق لمركز IMD للتنافسية العالمية-: "لا يهم البلد الذي تذهب إليه، فالخلطة (المميزات والمعوقات) ستكون دائمًا مختلفة، وهذا لا يعني أنها ستكون أفضل إنما مختلفة تمامًا".
وبالعودة إلى سؤالنا الأصلي: أين يجب أن تبدأ عملك الجديد؟
يجب عليك اختيار بلد لديه قدرة تنافسية، أي بلد يملك قيادة ذات رؤية طويلة الأجل واستراتيجية واضحة وفريدة ولديه تنظيم جيد يساعد الشركات الخاصة والمنظمات في إدارة أعمالها وتحقيق نجاحها وريادتها.
المصدر: هنا