الموسيقا > موسيقا
Edith Piaf .. La vie en rose - إديث بياف .. الحياة باللون الوردي
باريس - في أمسية :
- إديث هيا بسرعة إنهم يتنظرون
-عزيزتي سيمون صلّ من أجلي أرجوك
تسلط الأضواء على المسرح، يسمع تصفيق حاد و تظهر "العصفورة الصغيرة" بثوبها الأسود، فتبدأ الموسيقى :
"حتى لو انهارت السماء الزرقاء و انشقت الأرض ... فلا شيء يهم ما دمت تحبني
سأعبر إلى نهاية العالم ... وأحضر القمر إلى هنا
سأتخلى عن وطني ... و عن أصدقائي
إذا سألتني ... سأفعل أي شيء ... إذا سألتني فحسب"...
-من أغنية " L'Hymne à l'Amour"
عندما يفكر المرء بإديث بياف، فهو يفكر في الحب، الحزن والموسيقى، وهل هناك حياة بلا حب؟ بلا حزن ولا موسيقى؟ ، لقد أهدت بياف للعالم حياة بأكملها.
كأيقونة عظيمة ورمز جليل لا تزال تبجل حتى اليوم كسيدة للأغنية الفرنسية، لم تكن روعتها في نقاء صوتها أو في تقنيتها العالية، بل في عاطفتها الشديدة، في طريقتها الميلودرامية، وخصوصاً في ذلك التهدّج السريع الواسع في صوتها والذي ينتزع كل تعبير وكل قطرة عاطفة مسكوبة في الكلمة واللحن.
لطالما فضلت إديث المواد الحزينة فغنت لأوجاع القلب، للحب المستحيل، للفقراء، وعن الحياة القاسية في الأزقة الباريسية، في الواقع استندت معظم أغانيها على تجاربها الحياتية نفسها، فقد كانت حياتها مادة فنية أسطورية ألهمت العديد من شعراء الأغنية الفرنسية.
حياتها:
ولدت إديث جيوفانا جاسيون في 19 كانون الأول عام 1915 ، في مينيلمونتان ، واحدة من أكثر الأحياء فقراً في باريس.
أصل بياف المتواضع لا يمكن إنكاره، فوالدها لويس جاسيون كان يؤدي في الشوارع كبهلوان متجول، أما والدتها أنيتا مايار فقد كانت عاهرة مدمنة على الكحول تغني في المقاهي تحت اسم "لين مارسا"، وقد حرمت إديث الصغيرة من حنان الأم وربما لم تجد بعض العطف والعناية إلا عند جدتها التي كانت تدير بيتاً صغيراً للدعارة في مدينة نورماندي، وهناك لقيت الصغيرة من العاهرات ما لم تجده عند أمها من حب واهتمام.
عاد والد إديث عام 1922 من الحرب العالمية الأولى، وبدلاً من إرسالها إلى المدرسة أحضرها معه إلى باريس لتساعده في عروضه، وهنا حصلت بياف على أول فرصة للغناء، لقد جالت جميع أنحاء فرنسا مع والدها حتى عام 1930، وبدأت تطور من أداءها و أسلوبها، وشكلت فريقاً ثنائياً مع صديقتها الأبدية المخلصة سيمون بيرتوت.
أصبح الغناء بالنسبة لإديث وسيلتها الوحيدة في البقاء على قيد الحياة، فغنت في الشوارع والساحات و في المقاهي مقابل بقشيش زهيد، عاشت في فنادق رخيصة قذرة، متنقلة بين أوساط المجرمين والمنحلين أخلاقياً، وفي عام 1932 وقعت في حب "لويس دوبون" وأنجبت منه ابنة، إلا أن علاقتهما لم تستمر طويلاً، أما الفتاة فقد أهملتها إديث لإنشغالها في عملها وماتت بعد عدة شهور إثر إصابتها بالتهاب السحايا، وكان صديق إديث الجديد يعمل قواداً وكان يأخذ منها نقوداً مقابل أن لا يجبرها على ممارسة الدعارة.
في الواقع كانت حياة إديث المليئة بالمخاطر تسير بمنحى سيء للغاية وتتجه نحو الهاوية المحتومة، لولا ذلك التدخل الإلهي الذي غير مجرى حياتها بالكامل، ففي أحد الأيام وأثناء غنائها على إحدى النواصي سمعها " لويس ليبليه " مالك لأحد الملاهي وقد صدم بقوة صوتها مقارنة بحجمها الصغير فضمها إليه وبدأ يقوم برعايتها وتحسين أدائها لتصبح نجمة الملهى الأولى، كان لويس هو من أطلق لقب " العصفورة الصغيرة " "La Môme Piaf" على إديث، وأخذ على عاتقه تعليمها أصول وقواعد الغناء والظهور المسرحي، كما اختار لها الثوب الأسود ليكون علامتها المميزة مدى الحياة، قام ليبليه بشن حملة ترويجية هائلة لصالح بياف فأخذ نجمها يسطع في الأوساط الراقية وتعرفت على عدد من المشاهير منهم "موريس شوفالييه"، كان نجاحها ساحقاً وباهراً، وفي عام 1936 سجلت أول أغانيها "Les Momes de la Cloche" و "L'Étranger".
حصلت المأساة في نيسان عام 1936، عندما عثر على ليبليه مقتولاً في شقته، حيث اشتبهت الشرطة في البداية بإديث وهددت الضجة التي أثارتها وسائل الإعلام بعرقلة وتدمير مسيرة بياف الفنية حتى بعد إثبات براءتها، فأمضت إديث ذلك الصيف متجولة في المحافظات الفرنسية بعيدة عن باريس، لقد أدركت أنها بحاجة إلى إعادة تأهيل حياتها المهنية وإلى تلميع صورتها، فعادت إلى باريس وتعرفت على "ريمون أسو "، الشاعر والملحن و رجل الأعمال، كان معجباً بإديث وشغوفاً بها فنصب نفسه مديراً لأعمالها، وأعاد لاسمها بريقه وسمعته حاجباً إياها عن معارفها ذوي السمعة السيئة، وشكل مع الملحنة مارغريت مونو ثنائياً حدد لإديث ملامح مسيرتها الفنية.
في كانون الثاني عام 1937 سجلت بياف أغنيتها "Mon Légionnaire" محققة نجاحاً كبيراً، كما أثمرت شراكة أسو/مونو عن عدد من الأغنيات الناجحة مثل "Le Fanion de la Légion"، "C'est Lui Que Mon Coeur a Choisi"، "Le Petit Monsieur Triste"، "Elle Frequentait la Rue Pigalle"، "Je N'en Connais Pas la Fin" ، " وأغانٍ عديدة أخرى، بعدها بعام ظهرت بياف على مسرح ABC مشاركة بالعرض الذي افتتحه تشارلز ترينت، حيث كان العرض ناجحاً للغاية وأعلن عن "إديث بياف" النجمة الجديدة للمشهد الموسيقي في باريس .
في خريف عام 1939 استدعي أسو للخدمة العسكرية أثناء الحرب العالمية الثانية، فاضطرت إديث إلى العمل مع الممثل والمغني بول موريس خلال تلك الفترة إلى أن تدهورت العلاقة بينهما، وقبل نهاية الحرب أقامت بياف شراكة جديدة مع الصحفي هينري كونتيت وأقنعته بأن يساهم مع مارغريت مونو في كتابة الأغاني لها، فكانت تلك أنجح شراكة لها منذ أيام أسو فسجلت بياف العديد من الأغاني الناجحة منها Coup de Grisou"، "Monsieur Saint-Pierre"، "Le Brun et le Blond" "Histoire du Coeur"، "Y'a Pas D'Printemps، وعلى الرغم من أن تعامل بياف مع كونتيت لم يدم إلا فترة قصيرة، إلا أنه استمر بكتابة بعض الأغاني لها، أثناء ذلك نشأت علاقة جديدة بين بياف والمغني الشاب الساحر إيف مونتان، لقد دعمته إديث و وضعته تحت وصايتها واهتمامها الشديدين حتى أصبح خلال عام واحد واحداً من أهم مغنيي البوب الفرنسيين، لكنها قطعت تلك العلاقة عندما أحست بأن شعبية مونتان بدأت تنافس شعبيتها، أما شريكها الجديد فقد كان "Les Compagnons de la Chanson " و هي فرقة من تسعة أعضاء شاركتهم إديث في تسجيل عدد من الأعمال، وفي عام 1946 سجلت أغنية "Les Trois Cloches" محققة نجاحاً كبيراً، لاحقاً وفي نفس العام غنت إديث بياف واحدة من أروع وأجمل أغانيها "La Vie en Rose" وكان نجاحها منقطع النظير وأصبحت هذه الأغنية الرائعة مرتبطة باسمها إلى الأبد.
شرعت بياف في أول جولة لها في أمريكا أواخر عام 1947، التقت خلالها بالملاكم الفرنسي مارسيل سيردان، وعلى الرغم من كونه متزوجاً إلا أنها أحبته بشكل جنوني وبدأ الاثنان علاقة عاطفية انتهت بفاجعة، ففي أكتوبر عام 1949 وعندما كان سيردان متوجهاً إلى نيويورك لزيارة بياف تحطمت طائرته في جزر الأزور، فمات سيردان مدمراً حياة إديث بياف التي قتلها الذنب والحزن والحب، فغرقت في تعاطي المخدارت والكحول، وسجلت في عام 1950 أغنيتها الشهيرة "L'Hymne à l'Amour" مكرسة إياها لحبها الوحيد الذي لن تتوقف عن حبه أبداً، لقد كتبتها هي بالمشاركة مع مونو وكانت من أصدق أغانيها و أكثرها عاطفة.
في 1951، التقت بياف بالمغني الشاب تشرلز أزنافور، العملاق المستقبلي للأغنية الفرنسية، شاملة إياه برعايتها واهتمامها ونشأت بينهما صداقة متينة فأخذته معها في إحدى جولاتها وساعدته في تسجيل عدد من أولى أغانيه كـ "Plus Bleu Que Tes Yeux" و " "Jézébel، إلا أن صداقتهما كادت تنتهي نهاية مبكرة عندما تعرضا معاً لحادث سيارة، فتعرضت بياف لكسرين في الأضلاع وفي يدها، وكان للمورفين الذي وصفه لها الطبيب أثراً كبيراً في زيادة إدمانها على الأدوية والكحول.
تزوجت في عام 1952 من المغني جاك بيل الذي كتب لها بمشاركة من جيلبرت بيكو أغنية "Je T'ai Dans la Peau" ، (بيكو نفسه أصبح واحداً من أهم نجوم البوب الفرنسي بدعم ومساندة من إديث بياف)، وسرعان ما اكتشف جاك بيل خطورة إدمان بياف على تعاطي المخدارت فأجبرها على المداومة في عيادة التخلص من السموم في ثلاث مناسبات منفصلة، ومع ذلك فقد واصلت بياف الغناء بنجاح كبير، وفي عام 1955 انفصلت عن زوجها جاك بيل ، وتعرضت لاحقاً إلى نوبة من الهذيان الارتعاشي ألزمها دخول المستشفى.
على الرغم من كل مشاكلها الصحية فإن منتصف الخمسينات كانت فترة الذروة بالنسبة لبياف، لقد حققت جولاتها الدولية نجاحات هائلة، وسجلت عدداً كبيراً من الأغاني التي حققت نجاحاً منقطع النظير كان أهمها أغنيتها الأسطورية "La Foule"، إلا أن سنوات من تعاطي المخدرات والكحول كانت قد زعزعت صحتها بشكل خطير للغاية.
في أواخر عام 1958 التقت الشاعر والملحن جورج موستاكي الذي ساهم مع مارغريت مونو في كتابة أغنية "Milord" ، كانت ضربة هائلة النجاح احتلت المراكز الأولى في جميع البلاد الأوروبية، وللمرة الثانية تعرضت بياف إلى حادث سير عام 1959 أصاب وجهها بجرح كبير، وفي بداية عام 1960 أثناء غنائها على مسرح في نيويورك انهارت إديث بياف وبدأت تتقيأ دماً، نقلت بعدها إلى المستشفى وخضعت لعملية جراحية في المعدة.
لم تتأخر بياف وعادت لتسجل أغنيتها الكلاسيكية الخالدة "Non، Je Ne Regrette Rien" التي كتبها الأسطوري شارل دومون لتصبح هذه الأغنية من الكلاسيكيات التي حققت نجاحاً دولياً ضخماً عام 1960، "Mon Dieu،" "Les Flons-Flons du Bal،" و " "Les Mots D'Amour كانت أيضاً من ضمن الأغاني الشهيرة التي غنتها بياف وكتبها دومون.
التقت في عام 1961 أثناء حضورها للأولمبياد بالمغني اليوناني الشاب ثيو سارابو الذي أصبح زوجها الثاني بالرغم من أنه بنصف سنها، فهاجمته الصحافة الفرنسية مدعية أنه طامع في الثروة نظراً لصحة إديث المتدهورة، قاما معاً بأداء أغنية " À Quoi Ça Sert l'Amour".
لم يمض وقت طويل حتى دخلت إديث بياف في غيبوبة ناجمة عن السرطان الذي كان قد أصابها وأمضت آخر أيام حياتها في فيلا مطلة على الريفيرا الفرنسية، فقدت الوعي أكثر من مرة قبل أن تفارق الحياة في أكتوبر عام 1963، ونقل جسدها في نفس اليوم إلى باريس بشكل سري حتى يظل اعتقاد محبيها أنها ماتت في مدينتها الأم باريس. لقد صعق خبر وفاتها الأمة الفرنسية وتكدس عشرات الآلاف من عشاقها في شوارع باريس وتوفقت حركة المرور أثناء عبور موكب جنازتها، لم تتراجع مكانتها البارزة مع مرور السنين ولا يزال قبرها في بير لاشيه يستقبل مئات الزوار سنوياً، ولا تزال أغانيها تسمع وتغنى من جديد في كل مكان في العالم.
اخترنا لكم مجموعة من أجمل أغانيها، نرجو لكم الاستمتاع.
La Foule :
_L'Hymne à l'amour
_La vie en rose
4_Non، Je ne regrette rien
المصدر: