الغذاء والتغذية > مدخل إلى علم التغذية
أشياء مفاجئة تضر بكتيريا الأمعاء
الأمعاء موطن لأكثر من 100 تريليون خلية بكتيريَة تعرف بالنبت المعوي أو الفلورا المعوية Gut flora، ويعد وجود هذا النبت الطبيعي أمرًا مهمًّا لضمان الصحة الجيدة. فماذا تعرفون عنها، وما العوامل التي يمكن أن تؤثر فيها؟ نتعرف معًا إجابات هذه الأسئلة فيما يأتي..
ما هي بكتيريا الأمعاء ولماذا هي مهمة؟
توجد في أمعاء كل منا أعداد هائلة من أنواع البكتيريا، بعضها مفيدٌ وبعضها الآخر ضار، تعزز المفيدة منها صحة الجهاز الهضمي والجسم عمومًا، في حين تعمل الضارة على تدمير الأنواع المفيدة وإخلال التوازن في الجسم، ويطلق على حالة الخلل هذه اسم Dysbiosis في إشارة إلى اضطراب الحالة الحيوية في الأمعاء، تسبب العديد من الآثار الجانبية مثل مقاومة الأنسولين وزيادة الوزن والبدانة والالتهابات والسرطانات وخصوصًا سرطان المستقيم والقولون.
وتنتمي معظم البكتيريا الموجودة في الأمعاء إلى واحدة من المجموعات الأربع الآتية:
Firmicutes أو Bacteroidetes أو Actinobacteria أو Proteobacteria.
وتؤدي البكتيريا المفيدة العديد من الأدوار الإيجابية في الصحة، فهي تنتج الفيتامين K وتخمر المواد التي لا نستطيع هضمها منتجةً الأحماض الدهنية قصيرة السلسلة.
وفيما يأتي نستعرض معكم ثمانية عوامل يمكن أن تسبب أضرارًا قد تفاجئكم في توازن بكتيريا الأمعاء:
1. إهمال التنويع في الوجبات الغذائية/عدم تناول مجموعة متنوعة من الأطعمة:
تعد بكتيريا الأمعاء الغنية والمتنوعة أمرًا صحيًا، وأي خلل في ذلك يحد من قدرة الجسم على التعافي من التأثيرات الخارجية الضارة؛ مثل تناول المضادات الحيوية أو الإصابة بالعدوى. ويسهم تناول نظام غذائي متنوعٍ مكونٍ من مجموعةٍ واسعة من الأطعمة الكاملة؛ أي الخضار والفواكه والحبوب الكاملة، في تعزيز التنوع الضروري في الفلورا المعوية. وفي الواقع، يمكن لتغيير النظام الغذائي أن يؤثر في نسبة بكتيريا الأمعاء وعددها وتنوعها في فترة لا تتجاوز بضعة أيام، إذ يوفر الطعام الذي تتناوله العناصر الغذائية التي تساعد على نمو البكتيريا؛ وخصوصًا عند الحرص على تناول الأطعمة الكاملة المذكورة. ومن المثير للاهتمام أن 75% من الغذاء حول العالم يأتي من 12 نباتتا و5 أنواع من المصادر الحيوانية فقط! وهو أمرٌ يمتلك تأثيرًا كبيرًا في تنوع الفلورا المعوية لدى السكان اليوم.
2. نقص البريبيوتيك في النظام الغذائي:
البريبيوتيك Prebiotics؛ أو المعززات الحيوية، هي نوع من الألياف الغذائية غير القابلة للهضم التي تعزز نمو بكتيريا الأمعاء المفيدة ونشاطها، وخصوصًا جنسَي Bifidobacterium وFaecalibacterium، ويمكن لنقصها أن ينعكس سلبًا على صحة الجهاز الهضمي. وتحتوي العديد من الأطعمة طبيعيًا على ألياف البريبيوتيك، ويشمل ذلك الفواكه والخضروات والحبوب الكاملة، ومن أهم الأنواع الغنية بها نذكر العدس والحمص والفاصولياء والشوفان والموز والخرشوف ونبات الهليون والثوم والكراث والبصل والجوز.
3. شرب الكثير من الكحول:
يسبب استهلاك الكحول مشكلاتٍ خطيرة فيما يتعلق ببكتيريا الأمعاء، وقد يكون النبيذ الأحمر المشروب الكحولي الوحيد القادر على تعزيز الفلورا المعوية وزيادة عددها وتنوعها، فضلًا عن تقليل أعداد الجراثيم الضارة مثل Clostridium، ويُتوقع أن تكون هذه التأثيرات ناتجةً عن المحتوى المرتفع للبوليفينولات في النبيذ الأحمر؛ وهي مركبات نباتية تساعد كثيرًا على تقليل ضغط الدم وتحسين الكوليسترول والوقاية من الكثير من الأمراض.
تلك كانت العوامل الغذائية التي تؤثر في الفلورا المعوية، لكن ماذا عن بعض السلوكيات الحياتية الأخرى؟
توجد تأثيراتٌ ضارة للعديد من الأمور التي نمارسها في حياتنا اليومية دون أن نتوقع أنها قد تؤثر في جهازنا الهضمي، ومنها:
استخدام المضادات الحيوية:
وهي أدوية تستخدم لعلاج الالتهابات والأمراض التي تسببها البكتيريا، مثل التهابات المسالك البولية والتهاب الحلق، وتعمل إما عن طريق قتل البكتيريا، أو منعها من التكاثر. لكن واحدًا من أهم عيوب هذه المركبات هو تأثيرها في كلٍّ من البكتيريا الجيدة والسيئة على حد سواء، مؤديةً إلى تغييرات غير صحية في تكوين الفلورا المعوية وتنوعها. وتسبب المضادات الحيوية عادةً انخفاضًا قصير الأمد في أعداد البكتيريا المفيدة، مثل Bifidobacteria وLactobacilli، بل ويمكن لها أن تزيد أعداد البكتيريا الضارة أحيانًا، مثل Clostridium. وتعود معظم أنواع البكتيريا المفيدة لتقطن الجهاز الهضمي ثانيةً بعد مدةٍ تتراوح بين أسبوعين وأربعة، لكن أعدادها لا تعود عادةً إلى مستوياتها السابقة.
قلة النشاط البدني المنتظم:
تشير الدراسات الحديثة إلى أن النشاط البدني يمكن أ، يغير بكتيريا الأمعاء ويحسِّن صحة الأمعاء. وترتبط مستويات اللياقة البدنية العالية بزيادة كبيرة في البكتيريا المنتجة للبيوتيرات Butyrate ومستويات هذا الحمض في الأمعاء؛ وهو حمض دهني قصير السلسلة شديد الأهمية للصحة العامة.
تدخين السجائر:
بينت إحدى الدراسات، أن الإقلاع عن التدخين ساهم في زيادة تنوع بكتيريا الأمعاء، والذي يعد علامة على صحة الأمعاء.
عدم الحصول على قسطٍ كافٍ من النوم:
إن النوم عنصر مهم جدًا في الصحة، فالجسم يمتلك ساعةً تعرف باسم الساعة البيولوجية، وهي أشبه بساعة داخلية تعمل على مدار الـ 24 ساعة يوميًا وتؤثر في الدماغ والجسم والهرمونات. ويبدو أن القناة الهضمية تتبع إيقاعًا مشابهًا أيضًا، ويمكن أن يؤدي تعطيل ساعة الجسم عن طريق تدنِّي ساعات النوم أو الانتقال من العمل أو تناول الطعام في وقت متأخر ليلًا إلى تأثيرات ضارة في بكتيريا الأمعاء وزيادة وفرة البكتيريا المرتبطة بزيادة الوزن والسمنة واستقلاب الدهون ومرض السكري من النمط الثاني. لكنَّ هذا المجال من الأبحاث ما زال يحتاج مزيدًا من الدراسات لتحديد تأثير فقدان النوم وتراجع نوعيته في صحة الأمعاء.
التوتر:
إن الصحة الجيدة لا تتعلق فقط بالنظام الغذائي والنشاط البدني والنوم الكافي، بل يمكن أن تؤثر المستويات المرتفعة من التوتر والضغوطات النفسية في الجسم والأمعاء، إذ يحتمل أن تزداد الحساسية ويقل تدفق الدم وتتغير طبيعة بكتيريا الأمعاء. وقد أجريت بعض التجارب على الفئران وتبين أن الأنواع المختلفة من الإجهاد؛ مثل الوحدة والازدحام والإجهاد الحراري، يمكن أن تقلل تنوع تنوع بكتيريا الأمعاء لديها. وكذلك الأمر، تبين أن معاناة الطلاب من ضغوطات الدراسة قد سبَّبت تغيراتٍ في تكوين بكتيريا الأمعاء لديهم في نهاية الفصل الدراسي مقارنةً مع بدايته في أثناء الاختبارات النهائية؛ أي إن الضغط النفسي العالي المرتبط بالامتحانات النهائية قد تسبب بانخفاض البكتيريا المفيدة في الجسم.
كيفية تحسين صحة الأمعاء؟
إن تنوع بكتيريا الأمعاء أمرٌ صحي وضروري لضمان سلامة الجسم عمومًا، وإليكم بعض النصائح عن كيفية تحسين أعداد بكتيريا الأمعاء وتنوع أجناسها:
-تناول المزيد من الأطعمة التي تحتوي على البريبيوتيك Prebiotic: تناول الكثير من الأطعمة الغنية بألياف البريبيوتيك مثل البقوليات والبصل والهليون والشوفان والموز وغيرها، ويمكنكم معرفة المزيد عنها بقراءة مقالنا هنا.
-استهلاك المزيد من البروبيوتيك Probiotics: يمكن أن يزيد البروبيوتيك وفرة بكتيريا الأمعاء المفيدة، وتعدُّ الأطعمة المتخمرة مثل الللبن (الزبادي) والمخللات والكيمتشي والكيفير والتمبه مصادر ممتازة للبروبيوتيك، إلى جانب مكملات البروبيوتيك المتوفرة في الصيدليات، ويمكنكم قراءة المزيد عنها في مقالاتنا السابقة هنا و هنا
-تخصيص وقتٍ جيد للنوم: يمكن لبعض الممارسات أن تحسِّن نوعية النوم مثل التقليل من شرب المشروبات المنبهة في وقت متأخر من اليوم، وتنظيم ساعات النوم والاستيقاظ والالتزام بها يوميًا.
-تقليل الإجهاد: يمكن أن تساعد التمارين الرياضية المنتظمة والتأمل والتنفس العميق على تقليل مستويات التوتر.
-تناول الأطعمة الغنية بالبوليفينولات: وتوجد مضادات الأكسدة المفيدة هذه في العنب البري والنبيذ الأحمر والشوكولا الداكنة والشاي الأخضر.
المصادر: