الفنون البصرية > زيارة إلى متحف الفن
تأثير متاحف الفن في تحديد هُوية المجتمع
إن جميع المتاحف لديها تاريخٌ لتخبره، فهي أكثر من مجرد مكان يحتوي على القطع الفنية؛ بل إنها انعكاسات معقدة للثقافات التي نشأت فيها، متضمنة السياسات والأنظمة الفكرية والاجتماعية.
فيمكن تعريف الثقافة بأنها الممارسات الاجتماعية التي يكون هدفها الرئيس التعبير عن المراد -ويختلف باختلاف المجتمع والأشخاص-، وهي مستوى اجتماعي يرتقي إليه المجتمع فتُنتج صور تُعبِّر عن الواقع.
إن الفرضية الأساسية لنقّاد ما بعد الحداثة* أننا نُبنى في قوانين ثقافتنا ولغاتها، فلا تبدو القوانين مصطنعة لنا، بل تبدو طبيعية بالكامل؛ وسبب ذلك هو قوة تأثير الثقافة في تعريفنا الأمور ونظرتنا تجاه العالم، فالثقافة تُجَنِّس القوانين باختلاف الجنسية، وننسى أن الطريقة التي نعرِّف فيها أنفسنا -وغيرها من الأمور- تعتمد على الخيارات التي نتخذها فتجعلنا بدلًا من ذلك نتخيل أن الأمور كانت دائمًا بهذه الطريقة.
يتيحُ النقد الفني لما بعد الحداثة طريقةً لتحدي تلك الفكرة، عن طريق إظهار كيفية إنشاء تمثيل مرئي للعِرق والطبقة والنوع والجنس وكيف يتغيرون وكيف يشكلون الهُوية.
نشوء المتحف:
إن المؤسسات الثقافية جزءٌ لا يتجزأ من إنشاء الهُوية، فقد ظهرت مؤسسة جديدة مهمة في الثقافة الأوروبية في أواخر القرن الثامن عشر وهي متحف الفن العام.
لقد أدت المتاحف -في إنكلترا مثل المتحف البريطاني والمتحف الوطني للفنون، وفي فرنسا مثل متحف اللوفر، وكذلك في ألمانيا وإيطاليا والولايات المتحدة الأمريكية- أدوارًا مهمة في تحديد الهُوية الوطنية لكل بلدٍ منها.
وعلى الرغم من أهمية المتاحف في تحديد هُوية المجتمع؛ ولكن هناك عدة متاحف في أوروبا وأمريكا الشمالية موجودة في أماكن محددة تفتح أبوابها فقط لفئة معينة من الناس ذوي السلطة والنفوذ، فعلى الرغم من اتساع نطاق زوار المتاحف لكن بقيت هذه المتاحف حصرية للنخبة فقط.
إن المتحف البريطاني -على سبيل المثال- الذي تأسس عام 1730م هديةً للأمة البريطانية من قبل المعالج الفيزيائي هانز سلون Hans Sloane لكي يَزورَه كل من يرغب في مشاهدة الآثار واللوحات الفنية؛ بقي وحتى عام 1810م يُسمح بدخوله فقط لمن قدم طلبًا مسبقًا بالحصول على تذكرةِ دخولٍ مكتوبة بخط اليد.
أعرب العديد من المهتمين بالمتاحف عن أسفهم إزاء الأسلوب المُتَّبع في تلك الفترة؛ فعندما يدخل الشخص العادي إلى المتحف لمشاهدة ما يحتويه، يُعجب بالمعروضات دقائق معدودة وينساها بعد ذلك، فعدم وجود شروحات عن القطع الفنية في ذلك الوقت خلق مشكلة في فهم الناس لمعنى القطع الموجودة.
* نقش بواسطة رادكليف للجناح المصري في المتحف البريطاني، 1844.
ومن المفارقة أنه أُسِّس العديد من المتاحف العامة بهدف رفع مستويات التعليم والثقافة العامة لدى المواطنين.
ففي فرنسا وضع متحف اللوفر رسالةً واضحةً للهُوية الوطنية المرتبطة بالتراث الثقافي ولا يزال حتى يومنا هذا من المتاحف النخبة في العالم.
* صورة لمعرض أبولو في متحف اللوفر.
ومع انطلاقة الثورة الصناعية في القرن الثامن عشر وبسبب التغير الجذري الذي شهده سوق العمل الأوروبي؛ ولد أول معرض تجاري دولي "معرض لندن الكبير" عام 1851، ومن اللافت وقتها أنهم اهتموا بالتصميم وجَذْب الانتباه للمواد المعروضة عن طريق الاهتمام الدقيق بطرائق العرض للجمهور. ومن الجدير بالذكر بأن جمهورهم المستهدف يضمُّ العامة الذين استُبعدوا من المتاحف من ذلك الوقت.
وبسبب ما حقَّقه ذلك المعرض من نجاحٍ؛ تأسس متحف ساوث كنسينغتون South Kensington Museum في لندن عام 1857، وأُعيدت تسميته إلى متحف فكتوريا وألبرت Victoria and Albert Museum عام 1899. كان قد أُنشئ جزء كبير منه من بقايا المعرض وقد عرضوا مقتنياته بعناية كبيرة؛ فقد كان هدفهم من عرضها تحسين الذوق العام بواسطة تزويدهم بنماذج وأيقونات قديمة جيدة الشكل والذوق. وتحقيقًا لهذا الغرض؛ فقد سهلوا الزيارة للمتحف قدر المستطاع عن طريق تحديد أيام للزيارة بالمجان، ونشر موقع الوصول إلى المتحف لتسهيل الوصول إليه، وكذلك إقامة أمسيات في نهاية الأسبوع. كانت مثل هذه التغييرات مبتكرة وجذرية فقد جذبت الكثير من الزوار للمعرض.
أما في وقتنا الحالي؛ فدور المتاحف العالمية آخذ في الاتساع بقدر سرعة تطور العالم. وهنا يدور في خلدنا تساؤل؛ هل ينبغي للمتاحف الفنية أن تستمر بتركيزها على الثقافة الخاصة بالمجتمع المحلي، أم ينبغي أن تُبرِز الاختلافات الثقافية بين بلدان العالم وتُعبِّر عنها بتنوعها؟ وإن كان كذلك؛ فما الذي سيُحدِّد ذلك التنوع ويؤطره؟
* مابعد الحداثة: حركة فلسفية ظهرت في أواخر القرن العشرين، وتميزت بالتشكيك الواسع، والنسبية، وكذلك الشك بالمنطق.
المصادر:
1- هنا
2- هنا
3- هنا
4- هنا