الطب > مقالات طبية
الرجفان الأذيني
الرجفان الأذيني هو أشيع اللانظميات القلبية؛ ينتج عن فعالية كهربائية غير طبيعية في الأذينة، وهو من أنواع اللانظميات السريعة.
تتزايد نسبة حدوثه مع التقدم في العمر، ويُلاحظ كثيرًا عند الذكور وعند ذوي البشرة البيضاء.
يُقسم الرجفان الأذيني إلى: النوبة المشخصة أول مرة، والرجفان الأذيني المعاود؛ وهو الذي تتكرر فيه النوبات لدى المريض، وتُقسم النوبة ذاتها إلى أنواع تبعًا لمدتها:
1- Paroxysmal في حال عودة النظم إلى طبيعته دون تداخل، وعادة يكون ذلك في أقل من أسبوع.
2- Persistent إذا تطلب الرجفان التداخل العلاجي لإيقافه.
3- Permanent هو الرجفان المعند على العلاج، وهو الذي يستمر أكثر من عام.
في حال القلب الطبيعي تصدر العقدة الجيبية الأذينية النبضاتِ الكهربائية التي تنتقل عبر الأذينة إلى العقدة الأذينية البطينية مسببة التقلص الأذيني، وبالتنسيق بين عمل العقدتين تنتج وظيفة القلب الطبيعية. أما بوجود خلل تشريحي أو وظيفي فقد تنتج نبضات غير طبيعية تؤدي إلى الفوضى وعدم التناسق في عمل الأذينة، وهو الذي ينتج عنه الرجفان الأذيني، ثم إن الدلائل الحديثة تشير إلى أن أغلب هذه النبضات غير الطبيعية تأتي من الطبقة العضلية الممتدة من الأذينة اليسرى وحتى القسم القريب من الأوردة الرئوية، ولكن هنالك أماكن أخرى لهذه النبضات غير الطبيعية كالطبقة العضلية للقسم القريب من الوريد الأجوف العلوي ورباط مارشال**.
يتولد العديد من هذه النبضات الكهربائية غير الطبيعية في الوقت ذاته، وينتشر عبر الأذينة محاولًا عبور العقدة الأذينية البطينية، ويكون عددها بين 300-600 في الدقيقة، تقلل العقدةُ النبضاتِ المارة منها، ولكن ما يتمكن من العبور يُحدِث تقلصات سريعة وغير منتظمة في البطينَين مؤثرة في وظيفة القلب.
ولكن؛ ما الأسباب المؤدية إلى هذا الرجفان الأذيني؟
للرجفان العديد من الأسباب نذكر منها: قصور القلب، واعتلال العضلة القلبية، وأمراض الرئة المزمنة، وارتفاع الضغط الشرياني، وفرط نشاط الغدة الدرقية، وأمراض القلب الولادية، واعتلال الصمامات، وأمراض الشرايين الإكليلية، وتقريبًا فإنّ 10% من المرضى لا يوجد لديهم سبب قلبي للرجفان، ولكن يوجد أسباب أخرى مثل اضطرابات الشوارد، أو تناول الكحول أو الكافيين المفرط، إضافة إلى بعض الأدوية والعوامل الوراثية، وتبقى مع ذلك بعض الحالات مجهولة السبب.
قد يكون الرجفان الأذيني غير عرضي، أما أعراضه فتتمثَّل بالخفقان، والدوار، وضيق النفس، والإحساس بضغط في الصدر، إضافة إلى التعب.
ويصنف الرجفان -وفقًا لجمعية نظم القلب الأوربية European heart rhythm association EHRA، ووفقًا لشدة الأعراض- إلى درجات:
1- EHRA I: لا أعراض.
2- EHRA IIa: أعراض خفيفة لا تؤثر في حياة المريض ونشاطاته اليومية، ولا تزعجه.
3- EHRA IIb: أعراض خفيفة لا تؤثر في حياة المريض ونشاطاته اليومية، ولكنها تزعجه.
4- EHRA III: الأعراض تؤثر في حياة المريض وأنشطته اليومية.
5- EHRA IV: المريض غير قادر على أداء أنشطته اليومية.
بفعل الرجفان تكون وظيفة الأذينة غير منتظمة؛ إذ تنبض بسرعة وعلى نحو غير منتظم، وهذا يؤدي إلى بطء جريان الدم الذي بدوره يؤدي إلى تشكل جلطات تخرج من القلب وتذهب إلى بقية الأعضاء مسببة مشكلات عدة تُعدّ السكتةُ الدماغية أهمَّها؛ إذ يُصاب مرضى الرجفان الأذيني بالسكتة أكثر بـ 5-7 مرات من بقية الناس، وأيضًا ينقص الرجفان من قدرة القلب التقلصية وفاعليته مؤديًا إلى حدوث قصور القلب.
يُشخَّص الرجفان عن طريق تخطيط القلب الكهربائي الذي لا يمكنه كشف الرجفان دومًا كما في حالة paroxysmal AF مما يتطلب مراقبة طويلة الأمد في البيت عن طريق أجهزة خاصة تسجل تخطيطًا للقلب مدة 24 ساعة، وهناك أجهزة أخرى تسجل مدة 7-30 يوم.
تتضمن الإجراءات التخطيطية الأخرى -إضافة إلى القصة المرضية، والفحص السريري الشامل- فحوصَ الدم المخبرية مثل تعداد الدم، والشوارد، ووظائف الغدة الدرقية والكلية والكبد، كذلك يجب إجراء صورة شعاعية للصدر وإيكو القلب، وعند الحاجة قد يتطلب الوضع إجراء اختبارات أخرى كإيكو القلب بالجهد والقثطرة القلبية.
ونظرًا إلى أهمية الرجفان وانتشاره إضافة إلى خطورته؛ فيجب علينا معرفة علاجه:
يعتمد العلاج على قلب النظم، أو تنظيم النبض (إنقاصه)، وفي كلا الحالتين فإن الهدف هو إنقاص حدوث السكتة الدماغية، ومن المفضل عند غالبية المرضى إنقاص النبض.
من المهم عند البَدء بالتدبير تقييم حالة المريض، فعند المرضى غير المستقرين حيويًّا يجب إجراء قلب للنظم فورًا Cardioversion وذلك بعد إجراء إيكو عبر المري TEE لنفي وجود خثرات.
يعتمد التدبير الدوائي للرجفان الأذيني على 3 نقاط أساسية: تنظيم النبض، والمحافظة على النظم الطبيعي، وتمييع الدم.
يُعد تنظيم النبض مهمًّا جدًّا في تدبير الرجفان؛ فهو يقلل من حاجة العضلة القلبية للأكسجين، ويحسن التروية الإكليلية والوظيفة الميكانيكية ومعظم مرضى الرجفان يُعالَجون بأدوية مثل حاصرات بيتا وحاصرات قنوات الكالسيوم، ويُحدَّد الدواء بناء على حالة المريض وسوابقه المرضية مثل وجود مرض قلبي.
يُعمَلُ على قلب النظم إما كهربائيًّا عن طريق إعطاء صدمات كهربائية أو دوائيًّا، وفي كلا الحالتين يجب التأكد من حدوث التمييع الكافي للدم قبل إجراء المحاولة، أما دوائيًّا فُتستخدم أدوية مثل الفليكاينيد أو الأميودارون في قلب النظم أو المحافظة على النظم الطبيعي بعد الوصول إليه بالصدمة الكهربائية.
تُعَد المميعات جزءًا مهمًّا من تدبير الرجفان؛ إذ إنها تقلل من حدوث السكتة الدماغية، ولكنها في الوقت ذاته تزيد من خطر النزف، لذلك يجب مقاربة كل مريض وتدبيره بالشكل الأمثل، ويستخدم لهذا الغرض مقياس CHA2DS2 VASc؛ إذ ينصح باستعمال مضادات التخثر الفموية لدى المرضى الذين يسجلون نقطتين أو أكثر على المقياس، وتستعمل لهذا الغرض أدوية عدة أهمها: مضادات الفيتامين ك كالوارفارين ومضادات التخثر الفموية الجديدة NOAC وتتميز هذه الأخيرة بمفعولها السريع والقدرة الأكبر على وصف الجرعة المناسبة مقارنة بالوارفارين.
تتضمن المعالجات الأخرى المتاحة استئصال مراكز توليد النبضات غير الطبيعية في الأذينة، أو عزل زائدة الأذينة اليسرى جراحيًّا أو عبر الجلد.
من هنا تتضح لنا أهمية الرجفان الأذيني في الحياة الطبيعية اليومية، والواجب على الأطباء معرفة طرائق تشخيصه وتدبيره.
** رباط مارشال: يقع على النخاب بين زائدة الأذينة اليسرى والأوردة الرئوية اليسرى.
صورة توضيحية لتخطيط القلب
المصادر:
1- هنا
2- هنا
3- هنا
4- هنا
5- هنا
6- هنا
7- هنا
8- هنا
9- هنا