علم النفس > المنوعات وعلم النفس الحديث
التلوث الهوائي والقلق
لم يعُدْ يقتصر التأثير السلبي للتلوّث الهوائي على الأمراض الجسدية فحسب، كأمراض القلب والأوعية الدموية والرئتين، أو على البيئة أو المناخ، بل اتّسعت دائرة هذا التأثير لتشمل جوانبَ لم نفكّر بها؛ كالأمراض والاضطرابات العقلية والنفسية.
درست جامعة سينسيناتي مؤخّراً العلاقةَ بين القلق والتلوّث الهوائي عند الأطفال من خلال النظر في تغيّر الكيمياء العصبية بواسطة التصوير العصبي. شملت هذه الدراسة 125 طفلٍ ممن يبلغ متوسط أعمارهم 12 سنة، وحُدّدت مستويات هرمون ميو إينوزيتول الموجود في المخ، ويُعدُّ هذا الهرمون مستقلباً طبيعياً يوجد في الخلايا الدبقية في المخ، ووظيفته الحفاظُ على حجم الخلية وتوازن السوائل في الدماغ، إضافةً إلى ذلك فإن له دوراً في تنظيم هرمونات الجسم ولا سيّما الإنسولين.
وفقاً لذلك، وُجدَ أن الأطفال الذين تعرّضوا مؤخّراً لنسبٍ أعلى من الهواء الملوّث كانت لديهم زيادةٌ كبيرةٌ في هرمون ميو إينوزيتول في المخ، بالتزامن مع ظهور بعض أعراض القلق، وبلغت هذه الزيادة نسبة 12 بالمائة.
يؤثّر هرمون ميو إينوزيتول في النقل العصبي فيغدو مضطرباً، إضافةً إلى أنه يزيد من الاستجابات الالتهابية الدبقية مسبباً ارتفاع مستويات القلق لدى المصاب.
لاحظ البروفيسور المساعد كيلي بروست في قسم صحّة البيئة في كلّية الطب أن الزيادة الملحوظة في أعراض القلق لدى الأطفال في عمر 12 عاماً المُعرَّضين للهواء الملوث تكون عادةً صغيرةً نسبياً، ولا تكفي لوضع تشخيصٍ سريريٍّ باضطراب القلق.
وفي سياق دراسةٍ أخرى تبحث في العلاقة بين مشاكل الصحة العقلية وتلوّث الهواء بمركّب ثنائي أوكسيد النتروجين NO2 والجسيمات الدقيقة PM2.5، قُيّمت أعراضُ الاكتئاب والقلق واضطراب السلوك وفرط النشاط الناتج عن نقص الانتباه عند 284 طفلاً ممن تتراوح أعمارُهم بين 12 و 18 عاماً في مدينة لندن.
بيّنت هذه الدراسة التأثير السلبي في الأطفال في عمر 18 سنة، وشُخّصت بذلك حالتهم النفسية، في حين لم تظهر أيةُ اضطراباتٍ عقليةٍ متزامنةٍ لدى الأطفال في عمر 12 سنة، ولكنّ تقديرات التلوث زادت من احتمالية إصابة هؤلاء الأطفال بالاكتئاب الشديد مع ازدياد العمر، حتى عند السعي للسيطرة على عوامل الخطر.
يوماً بعد يوم يكتشف العلم مخاطرَ جديدةً ناتجةً عن التلوّث بشتّى أنواعه، وإذا لم يكن لدينا القدرة على الحدّ من هذا التلوّث، فإن علينا على الأقلِّ الابتعادُ عن مصادره وأماكن وقوعه لحماية أنفسنا.
المصادر:
1- هنا
2- هنا
3- Roberts, Susanna et al. “Exploration of NO2 and PM2.5 air pollution and mental health problems using high-resolution data in London-based children from a UK longitudinal cohort study.” Psychiatry research vol. 272 (2019): 8-17. doi:10.1016/j.psychres.2018.12.050.