إعادة هيكلة الجدول الدوري للعناصر الكيميائية باستخدام الرياضيات

يعدُّ الجدول الدوري طريقة مريحة لفهرسة الكون من حولنا، وذلك عن طريق تقسيم كل شيء حولنا إلى عناصر كيميائية. يُصنَّف كل عنصر كيميائي حسب كونه "فلز/غير فلز"، "غازا/صلبا"، أو حتى "نشطا/خاملا". كل هذه التصنيفات تشكل مُجتمعة شكلًا بديعًا. ولكن الحقيقة أن الوضع الحالي لتصنيف العناصر فى الجدول الدوري ليس هو الطريق الوحيد لتصنيف العناصر، بل وأحيانًا يمكن أن توجد طرائق تصنيف أكثر ملاءمة. وقد حاول كثيرون سابقًا وضع تصنيفات جديدة (وأحيانًا غريبة) للعناصر الكيميائية، منها أشكال لولبية/شرائط مضفرة (مثل الـ DNA) أو حتى أشكال ثلاثية الأبعاد.    

وقد قدَّم علماء رياضيات من معهد ماكس بلانك طريقة رياضية مفصلة لتصنيف العناصر الكيميائية. وتعتمد هذه الطريقة على إنشاء "رسومات بيانية هجينة ومعقدة*"(Complex Hypergraph) (وسنطلق عليها: "هايبرجراف") كبديل عن الشكل التقليدي الحالي والمستخدم في تصنيف العناصر الكيميائية. 

وبالاعتماد على طريقة الهايبرجراف يمكن ترتيب العناصر الكيميائية بأشكال متعددة استنادًا إلى علاقات سابقة. وهذه العلاقات متعددة ويمكن استخدامها لعمل عدة تنسيقات من العناصر. تنسيقات مختلفة وجميعها صحيحة. 

ويمكن رؤية نتيجة استخدام الهايبرجراف على الجدول الدوري في الرسم المرفق أدناه.

وقد بُني التخطيط الجديد للجدول الدوري استنادًا إلى الجدول الدوري الذي أنشأه العالم الروسي "ديمتري مندليف – Dmitri Mendeleev" في عام 1869م. وقد رتب "مندليف" الـ 63 عنصرًا كيميائيًّا المعروفة وقتها استنادًا إلى الوزن الذري. 

ولكن حديثًا تُرتَّب العناصر بناءً على رقمها الذري. والرقم الذري هو عدد البروتونات الموجودة في نواة الذرة، إذ يمتلك عنصر الهيدروجين بروتونًا واحدًا صعودًا إلى عنصر الأوجانسيون (Oganesson) الذي يمتلك 118 بروتونًا. 

الجدول الدوري الحالي، يضع كل عنصر في مربع. وإضافة إلى الرقم الذري للعنصر، يشمل المربع على المعلومات الآتية: الوزن الذري والرمز الكيميائي ولون محدد. هذا اللون يمثل مجموعة من الصفات الكيميائية والفيزيائية للعنصر، وكل العناصر التي تشترك في خواص كيميائية وفيزيائية معينة تُلَوَّن باللون نفسه، كما أن العناصر التي توجد في عمود واحد تمتلك عدد الإلكترونات نفسه في المدار الخارجي للذرة. 

وحقيقةً؛ الترتيب الحالي يجعل الترتيب النهائي جميلًا ومتناسقًا. والواقع أن هناك عناصر مثل اللانثيوم (Lanthanum) والأكتينيوم (Actinium) لا يتفق العلماء على تصنيف موحد لهما. 

وهنا تأتي أهمية الهايبرجراف الذي يعطي مرونة في ترتيب العناصر كانت غير موجودة سابقًا، إذ يمكن ترتيب العناصر (بجانب الرقم الذري) حسب مدى قابلية العنصر للذوبان في المياه، أو حتى حسب التركيبة الجيولوجية التي يوجد فيها العنصر طبيعيًّا. 

ويقول عالم الرياضيات "جاليرمو ريستريبو – Guillermo Restrepo": "إن طريقة الهايبرجراف لترتيب العناصر يمكن تشبيهها بتمثال مجسم،كلما غيرت زاوية الإضاءة يظهر ظل مختلف". بمعنى أن الهايبرجراف يسمح بوضع عدد لانهائي من العلاقات بين العناصر. وحسب طريقة النظر إلى العلاقة يتغير ترتيب العناصر وينشأ جدول دوري جديد.

إن هذا النظام الجديد مرن، ويمكن تطويعه بالشكل الذي يناسب المستخدم. كما يمكن تطبيقه على مجالات أخرى غير الكيمياء مثال: المجالات الهندسية والعلوم البيئية وعلم المياه/الهيدرولوجيا.   

كمثال للتوضيح: الشكل الآتي هو الجدول الدوري التقليدي، حيث الترتيب حسب الرقم الذري.

فى حين يمكن إعادة ترتيب بعض العناصر بناءً على تطابقها وباستخدام النظرية الجديدة، كما في الشكل الآتي:

إذ يمثل الشكل (a) ثلاث مجموعات من العناصر، كل مجموعة متماثلة لها لون. والشكل (b) عبارة عن المجموعات نفسها ولكن مرتبة. ولكن لوجود تشابه كيميائي وفيزيائي بين (Ti - Titanium) والـ (Mn - Manganese) وهذا لا يمكن إظهاره إلا باستخدام الهايبرجراف. 

* رسومات بيانية هجينة (الهايبرجراف) هو مفهوم رياضي أعم وأشمل من الرسومات البيانية التقليدية؛ إذ إن الرسم البياني التقليدي يوضح الارتباط بين المتغيرات، ولكن لا يوضح العلاقة بينها. ولكن الهايبرجراف يوضح الارتباط بين المتغيرات.

المصادر:

1- هنا

2- Wilmer Leal, Guillermo Restrepo, “Formal structure of periodic system of elements”, Proceedings of Royal Society, 25 Feb 2019.