الطب > مقالات طبية
البكاءُ بلا دموع ومتلازمة triple A
إنَّ بكاءَ الطفل دون ترافقِ ذلك بإفرازٍ للدّمعِ قد لا يكون مجرّدَ أمرٍ عابر، أو تمثيلٍ متقنٍ منه ليحصلَ على غايةٍ أو لعبةٍ يريدها، ففي حالاتٍ معيّنة -وإن كانت نادرةً- قد يخفي وراءَهُ مرضًا كامنًا يمكنُ أن يكون مهدِّدًا لحياته، فقد يشكِّلُ ذلكَ جزءًا من متلازمة "triple A"، فلنتعرَّف أكثر إلى هذه المتلازمة:
متلازمةُ "triple A" التي يُطلَقُ عليها أيضًا "Allgrove" نسبةً إلى الطَّبيب (Jeremy Allgrove) الذي وصَّفها مع زملائِهِ بعد ملاحظتهِ زوجين من الأشقّاءِ لا تربطُهما قرابة، يعانون نقصًا معزولًا في الهرمون القشرانيّ السكريّ وأكالازيا (Achalasia) تعذر ارتخاء المصرة المريئية السفلية، وذلكَ عام 1978.
ويمكن عدّها اضطرابًا متعدِّدَ الأجهزة الذي قد يكونُ مهدِّدًا للحياة في حال تأخُّر التشخيص.
وتتظاهر سريريًّا بالثلاثيّة الآتية التي اشتُقَّ منها اسمُها:
١-(Alacrima): انعدام الدمع الذي غالبًا ما يظهر منذ الولادة، ويعدُّ العلامةَ السريريَّةَ الأكثرَ ثباتًا لهذه المتلازمة.
٢-(Achalasia) الأكالازيا: وهي حالة يحدث فيها فشل في ارتخاء المعصرة المريئية السفلية استجابةً لحركات البلع مع توسُّع في المريء نتيجةً لذلك، وتتظاهر سريريًّا بعسرة بلع وارتجاع أطعمة غير مهضومة مع ألم صدريّ وخسارةٍ في الوزن.
٣-( Adrenal insufficiency ) قصور الكظر.
وإضافة إلى ذلك يمكن أن توجد لدى عددٍ من المرضى خصائصُ عصبيّةٌ مرافقة تشملُ الجهازَ العصبيَّ المركزيّ والمحيطيَّ والذّاتيّ؛ ممّا دفع أحدَ المؤلّفين حتّى إلى اقتراح الاسم (4A) فيما بعد؛ إذ يشير حرف (A) الرابع إلى الاضطرابات الذاتيّة المرافقة "Autonomic abnormalities"، ومنها: المنعكسات الحدقيّة غير الطبيعيّة، وتفاوت في حجم الحدقتين، وهبوط الضغطِ الانتصابيّ.
فمعدَّل الوقوع الفعليّ صعبُ التحديد بسبب الصّورة السريريّة المتنوِّعة، وقد تتراوح من حدوث وفيّاتٍ غير مُفَسَّرة في سنِّ الطفولة بسبب الأزمة الكظريَّة إلى الحالات الخفيفةُ من المرض والتي لا تظهر حتّى مرحلةِ البلوغ.
إنّ احتمال معاودة ظهور المتلازمة في الحمول المستقبليّة من أبوين لديهما طفلٌ مصابٌ بالمتلازمة هو 25%، في حين لا يوجد دليل يقترحُ تأثيرَ العمر أو الجنس في تواتر الحدوث.
ويختلفُ العمر عند بَدءِ ظهور الأعراض، فلا يظهر نقصُ الهرمونات القشرانيّة السّكَّريَّة منذ الولادة بل يتطوَّر في أوّل عقدين من العمر، في حينِ أنَّ انعدامَ الدّمع يظهر نموذجيًٍّا منذُ الطّفولةِ الباكرة، في حين أن أعراضُ الأكالازيا -التي هي حالةٌ غيرُ اعتياديّةٍ لدى الأطفال- تختلف في توقيت ظهورها الذي قد يكون مبكّرًا منذُ سنّ الرّضاعة، أو متأخِّرًا حتى فترة البلوغ.
وتعدُّ متلازمة "Allgrove" اضطرابًا نادرًا بوراثةٍ جسديّةٍ متنحّية مع تنوُّعٍ في الصورة السريريّة، وتحدث الغالبيّةُ العظمى من الحالات بسبب طفراتٍ في مورّثة (AAAS) المتوضّعة على الصبغي (12q13)، التي تُرمِّز بروتينًا مكوَّنًا من (546) حمضًا أمينيًّا يدعى: "ALADIN" اختصارًا لـ ( ALacrima-Achalasia-aDrenal Insufficiency-Neurologic disorders): الذي هو بروتين من بروتينات الثقوب النوويَّة غير معروف الوظيفة على نحو دقيقٍ حتّى الآن، ولكنْ يُعتقَدُ بأنَّ له دورًا مهمًا في نقل الـ (RNA) و/أو البروتين بين النواةِ والسيتوبلاسما، أمّا بروتيناتُ (ALADIN) الطافرة فإنَّ معظمَها يوجدُ في السيتوبلاسما على نحو خاطئ ولا توجدُ في الثقوبِ النّوويّةِ على الإطلاق.
وفي دراسةٍ لشقيقينِ يعانيانِ علاماتٍ ظاهرية مختلفةٍ من المتلازمة متضمنة خللًا وظيفيًّا عصبيًّا وبأعمارٍ مختلفة، أظهرَ التحليل المورِّثيُّ أنَّ كلا المريضينِ يملكان الطفراتِ المركَّبة امتغايرةِ اللواقح نفسها ( heterozygous) في مورِّثةِ (AAAS)، وتتألَّفُ من طفرةٍ جديدةٍ وأخرى وُصِّفت مُسبقًا، وإضافة إلى ذلك بيّنتْ هذه الدراسة التنوُّعَ في النّمطِ المورّثيّ والظاهري لهذا المرض، وأهميّةَ التمييزِ المبكِّرِ للاضطراباتِ العصبيّة، ما ينتجُ عنه تدخلٌ مبكر وربّما نتائجُ أفضل.
فالخصائص العصبيّة المرافقة للمتلازمة متنوَّعةٌ؛ إذ كانت موضوعًا لعديدٍ من تقاريرِ الحالة والمراجعات، وأكثرُها مشاهدةً بالفحص العصبيّ هي اشتدادُ المنعكسات، ورتّة (عسر التلفّظ)، وخنّةٌ أنفيَّة، وقصورٌ حنكيٌّ بلعوميّ ورَنَح، والبالغونَ من المرضى قد يُبدون تنكُّسًا عصبيًَّا مترقِّيًا أو تدهورًا عقليًَّا، وقد يطوّر بعضهم ملامح باركنسونيّة.
أمّا لدى قصور الكظر، فإنَّ نوبات شديدةً وحتى مُميتة من نقص السكَّر ذُكرت على نحو متكرِّرٍ بوصفها علامة مبكّرة للمتلازمة، ولكنَّ قصورَ الكظرِ يمكنُ أن يبرزَ على نحو مهم في الطّفولةِ المتأخِّرةِ أو البلوغ، ولذلكَ فإنَّ التشخيصَ المبكِّرَ للمتلازمةِ ضروريٌّ للمتابعةِ بالاستقصاءاتِ الغديّة اللاحقةِ والاستشاراتِ الرّئيسة لمنعِ نوب نقصِ السكّر العرضيّةِ والمُميتة.
بالعودةِ إلى انعدامِ الدمع، وخاصّةً عند ظهورِهِ مبكِّرًا، ينبغي التّأكيدُ لأهمّيّةِ هذا العَرَضِ في توجيهِ التّفكيرِ نحوَ هذه المتلازمة ومحاولةِ تدبيرِهِ قبلَ تدهورِ الحالة، مع الأخذِ بالحسبان التّشاخيصَ التّفريقيّةَ الأخرى لانعدامِ الدمع الذي يمكن مشاهدتُه بوصفه علامة سريريّة في عددٍ محدودٍ فقط من الاضطراباتِ الخِلقيَّة، فعلى سبيلِ المثال:
-خللُ الوظائفِ المستقلّةِ (الذاتيّةِ) العائليُّ (الاعتلالُ العصبيّ الحسّي والذّاتيّ نمط III).
-خللُ التنسُّجِ الأديميّ الظاهرِ المصحوب بندرة التّعرُّق.
-متلازمةُ جوغرن.
-الاضطرابُ الخلقيُّ في عمليّةِ نزعِ الغلوكوز.
-ومتلازمةُ triple A.
ولكنْ قبل وضعِ التشخيص، يجب أخذُ الأمراض التي قد تتشابه مع هذه المتلازمة في بعضِ ملامحِها السريريَّةِ بالحسبان، ومنها: نقصُ تنسُّجِ الكظر، ونقصُ القشرانيّات السكريّةِ العائليُّ، وقصورُ الكظرِ عندَ الأطفالِ (داءُ أديسون).
وفي النهاية، يجبُ التّأكيدُ على أن تُؤخَذَ شكوى الأهلِ بأنَّ أطفالهم "يبكونَ من غيرِ دموعٍ" على محملِ الجِدِّ والمتابعةِ بأخذِ القصّةِ الدقيقةِ وإجراء الفحوص السريريّةِ والمخبريّةِ المناسبة، فانعدامُ الدمعِ علامةٌ مهمة وتُعدّ رايةً حمراءَ عندَ الأطفالِ، ويجبُ أن توضعَ متلازمةُ "triple A" بعينِ النظر في حالِ ظهورِ خصائصَ سريريّةٍ إضافيّة، وإضافة إلى ذلك ينبغي أخذُ الاختبارِ المورِّثيِّ بالحسبان حتّى في حالِ عدمِ وجود جميع العلاماتِ السريريَّةِ التّقليديَّة.
المصادر: