الفلسفة وعلم الاجتماع > علم المنطق والأبستمولوجيا
مغالطة رجل القش Straw Man Fallacy
أوصى أرسطو بالأمانة والإخلاص في تمثيل آراء الآخرين على حقيقتها، وعدّها شرطًا للجدل الحقيقي، وحذَّر من الاكتفاء بأخذ مظهر الآراء الأخرى دون جوهرها، واصفًا ذلك بالسفسطة. ويدل هذا على إدراك أرسطو مغالطةَ (رجل القش Straw man fallacy) وتمييزها، على الرغم من أنه لم يدرجها في قائمة المغالطات أو يسبغ عليها اسمًا.
وتبدأ هذه المغالطة عندما يُكَوِّنُ المُحاوِر حُجَّة هَشَّة -غير حجة الخصم الحقيقية- وينسبها إلى الخصم، ومن ثمَّ يحاول تفنيدها؛ أي مهاجمة نظرية أخرى غير حصينة بدلًا من نظرية الخصم الحقيقية، والتصوير المشوه لرأي الخصم بغرض إفحامه.
مثال:
أ- لقد كان الامتحان أصعب من المُتَوِقَّع؛ لذا علينا منح الطلاب -الذين تجاوزوه- علامات إضافية.
ب- هذا مرفوض قطعًا، نحن لا يمكننا إعطاء الجميع علامات كاملة دون سبب.
شوّه الشخص الثاني قضية الأول ونسَبَ إليه رأيًا ضعيفًا لم يَقُلْه، وذلك في ثلاث نقاط:
- (الجميع): قصد المُحاوِر الأولُ الطلابَ الناجحين فقط.
- (علامات كاملة): والصحيح علامات إضافية.
- (دون سبب): بل كان هناك سبب وهو صعوبة الامتحان.
1- تُقَدِّم حُجَّةَ الخصمِ في صورة مبسَّطة أو مضعَّفة، أو تشوهها وتسيء تمثيلها.
2- تختلق شخصًا وهميًّا تُنسِبُ إليه أقوالٌ وأفعالٌ وتَدَّعِي أنَّه يُمثِّل الفئةَ التي ينتمي إليها الخصم.
3- تتناول جزءًا صغيرًا هامشيًّا من قضية الخصم وتعممه وكأنه ممثلٌ لموقفه الكُلِّي، في حين هو لا يُمثِّل شيئًا ذا قيمة.
4- تُصنِّف الخصمَ تصنيفًا خاطئًا عن طريق إسباغه بصفات الفئة التي ينتمي إليها، في حين يكون للخصم أفكارٌ تُحيد كثيرًا عن تلك الفئة.
5- ترمي الخصم بالتطرف وهو معتدل؛ إذ إنَّ المواقف المتطرفة أسهل في التفنيد لأنها لا تسمح باستثناءات ولا يلزم لتقويضها إلا مثال واحد مضاد.
اعتاد المفكرون طوال التاريخ على مهاجمة النقاط الضعيفة في دعاوي الخصوم إلى أن جاء (كارل بوبر Karl Popper) مُقدِّمًا مَنهجه بأن يواجه نظرية الخصم من زاويتها القوية ليجعل من خصمه جديرًا بالمواجهة، فمهاجمة القضية من جوانبها الأضعف لن يؤدي إلا إلى إحراج الخصم وخسارته الجدال وقد يتخلى عن النقاط الضعيفة في قضيته، لكنّه لن يتنازل عن آرائه ما دامت النقاط القوية في مسألته قائمة.
وأخيرًا؛ فإن مهاجمة خصم من القش بدلًا من الحقيقي هي نوع من الغش، وخروج عن الموضوع، ومحاولة بائسة لإحراز انتصار وهمي، فهي تُعدُّ أسلوبًا بلاغيًّا خبيثًا إذا كانت ممارسة عمدًا، ولكن أحيانًا أخرى قد تكون تهرّبًا من بذل جهد فكري والتدقيق في أقوال الخصم، أو قد تقود الثقة الزائدة في الرأي إلى معاملة الآراء الأخرى كأهداف سهلة في حين هي أكثر تعقيدًا ولا تؤثر فيها الهجمات البسيطة.
المصادر:
1- مصطفى، عادل. المغالطات المنطقية (فصول في المنطق غير الصوري)، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، ط1، 2007. ص163 إلى ص171
2- واربرتون، نايجل. التفكير من الألف إلى الياء، ترجمة: هالة عباس وأسامة عباس، مركز نماء للبحوث والدراسات، بيروت، ط1، 2018. ص171 + ص172