تقييم أداء الحواسيب الكمومية

الحواسيب الكمومية تسعى إلى تطبيق مبادئ ميكانيكا الكم في الحوسبة. تعتمد هذه الحواسيب على التراكب superposition أي يمكن للبت الكمومي qubit أن يأخذ قيمتي الصفر والواحد في الوقت نفسه على عكس البت العادي، ولا تزال هذه الحواسيب ضمن مراكز الأبحاث، ولم يُنتج حاسوب كمومي كامل حتى الآن!

فكيف يمكن تقييم أدائه؟

يلجأ المختصون في علوم الحاسوب إلى أداة قياسية تسمى LINPACK وهي مجموعة من الخوارزميات تحلل وتقيم أداء العمليات الجبرية والخطية على الحواسيب الفائقة supercomputers، وتختبر سرعة الجهاز في حل المشكلات مع أعداد هائلة من المتغيرات.

أما بالنسبة لأجهزة الحاسوب الكمومية فلا وجود- حتى الآن- لمعيار يُقيَّم على أساسه أداء هذه الحواسيب! 

إن من أسباب غياب معيار قياسي لتقييم أداء الحواسيب الكمومية أنها لا تزال في بداياتها، ولا يوجد تصميم موحد لها بين مراكز البحث والشركات العاملة في هذا المجال حتى إن تجسيد البتات الكمومية qubit يمكن أن يحدث بعدة طرائق منها: دوران سلسلة أيونات محصورة في حيز، أو تسريع لطخات patches من معدن فائق الناقلية باستخدام الأمواج الميكروية. (يمكن الاطلاع على المزيد عن أساسيات الحوسبة الكمومية هنا).

أُجريت مقارنة مباشرة بين الحواسيب الكمومية من إنتاج كل من: شركة IBM، وشركة ريجيتي Rigetti، وجامعة ماريلاند University of Maryland.

شغّل الحاسوب الكمومي من إنتاج جامعة Maryland (الذي يعتمد طريقة دوران سلسلة أيونات محصورة في حيز) اثنتي عشرة خوارزمية تجريبية على نحو أكثر دقة من الحواسيب الكمومية الأخرى حسبما أفاد الفريق في الندوة الدولية لبنية الحاسوب International Symposium on Computer Architecture في فينكس Phoenix.

يتوقع كريستوفر مونرو Christopher Monroe- فيزيائي في جامعة ماريلاند ومؤسس شركة IonQ- أن تصبح هذه الاختبارات هي معيار مقارنة الأداء بين الحواسيب الكمومية، لكن تحذر مارجريت مارتونوسي Maregret Martonosi- عالمة حاسوب في جامعة برينستون Princeton University- من إجراء الكثير منها لأن التحليلات تؤكد مدى صعوبة مقارنة أداء الحواسيب الكمومية، مما يترك مجالًا لمصمميها لاختيار اختبارات ومقاييس تناسب نقاط قوة أجهزتهم، وتظهر كفاءتها على حساب بقية الأجهزة.

يعالج الحاسوب التقليدي بتات المعلومات المخزنة في الترانزستورات التي يمكن تشغيلها أو إيقاف تشغيلها لتمثيل الصفر أو الواحد. لكن البت الكمومي qubit مختلف، إذ يمكنه تمثيل الصفر والواحد معًا بفضل التراكب superposition.

يمكن ترميز qubit في أيون يدور للأسفل مقابل الصفر أو للأعلى مقابل الواحد، أو في كلا الاتجاهين في وقت واحد لتمثيل الصفر والواحد معًا، مما يمكن البتات الكمومية من معالجة العديد من المدخلات في وقت واحد بدلًا من مدخل واحد في وقت واحد. لكن القوة الحقيقية للجهاز لا تأتي عن طريق هذا التوازي الهائل، ولكن في المشكلات التي يمكن فيها ترميز الحلول الممكنة في الأمواج الكمومية التي تنتشر بين البتات الكمومية (qubits). يظهر الحل الصحيح من تداخل الأمواج مما يبعد الحلول الخاطئة جانبًا.

يقول المطورون إن أجهزة الحواسيب الكمومية أفضل من أجهزة الحواسيب التقليدية في بعض المهام، وهم يبحثون عن مقاييس لإثبات ذلك.

يعد حل مشكلات لا يمكن للحاسوب العادي حلها من معايير قياس أداء الحواسيب الكمومية، ويدعى بالتفوق الكمومي quantum supremacy.

توجه Google جهودها نحو تحقيق التفوق الكمومي بواسطة حاسوب كمومي مكون من 72 بتًا كموميًّا qubit فائق الناقلية. تبرمج Google هذا الحاسوب على تنفيذ مجموعة عمليات عشوائية على نحو متكرر على البتات الكمومية. يجب أن تنتج الآلة سلاسل محددة من الأصفار والواحدات التي تمثل احتمالًا للحل أكبر من غيرها بدلًا من إنتاج سلاسل أصفار وواحدات متساوية الاحتمالية، كما هو الحال في غياب التداخل الكمومي Quantum Interference.

يتفوق التنبؤ بسلسلة الأصفار والواحدات التي تمثل الحل الأكثر احتمالية في الحواسيب الكمومية على الحواسيب التقليدية عند ارتفاع عدد البتات الكمومية qubits، ومن ثم إذا تمكن باحثو Google من قياس هذا المؤشر (سلسلة الأصفار والواحدات) على حاسوبهم المكون من 72 بتًا كموميًّا qubit؛ فإنهم سيحققون تفوقًا كموميًّا لا يمكن لحاسوب تقليدي تحقيقه.

إن معيار التفوق الكمومي الذي تتبعه Google ليس الوحيد، إذ تتبع شركة Rigetti معيار ميزة الكم Quantum Advantage التي تسعى إلى إظهار إمكانية تأدية الحاسوب الكمومي مهام مفيدة على نحو أسرع وأرخص وأدق من الحواسيب التقليدية.

اعتمدت شركة IBM معيارًا مختلفًا تمامًا، أطلقت عليه اسم حجم الكم Quantum Volume الذي يقيس أداء الحاسوب الكمومي دون مقارنته بحاسوب تقليدي. يتضمن الاختبار استخدام حسابات عشوائية كما تفعل Google، ويعتمد حل هذه الحسابات على عدد البتات الكمومية وعدد دورات الحساب التي يمكن للآلة التعامل معها قبل انحسار الحالات الكمومية.

هناك أيضًا اختلاف بين أداء الحواسيب الكمومية المبنية على دوران الأيونات في حيز وتلك المبنية على تسريع لطخات المعدن فائق الناقلية؛ ففي اختبار آخر تمكنت آلة ذات خمس بتات كمومية qubits مبنية على دوران الأيونات من حل معظم مشكلات الاختبار على نحو صحيح بنسبة 90٪ من الحالات، مقارنة بأخرى ذات خمس بتات كمومية أيضًا، لكنها مبنية على تسريع لطخات معدن فائق الناقلية إذا بلغت نسبتها 50%.

يعكس هذا الاختلاف الحالة الحالية للتقنيات وليس إمكاناتها بحسب الخبراء. على سبيل المثال يتفاعل كل qubit مع جيرانه فقط في الحاسوب الكمومي المبني على تسريع لطخات معدن فائق التوصيل، في حين يتفاعل الأيون مع كل الأيونات الأخرى في الحواسيب الكمومية المبنية على دوران الأيونات، كما هو الحال في حاسوب جامعة ماريلاند، مما يعطي الحواسيب الكمومية المبنية على الأيونات ميزة إضافية. ولكنهم وجدوا أيضًا أن الحواسيب الكمومية الأكبر (أي عدد البتات الكمومية أكبر) لن تتمتع بهذه الميزة حتى لو كانت مبنية على الأيونات.

يبقى التساؤل قائمًا عن مدى فائدة المقاييس الحالية على المدى البعيد، ويبقى التحدي قائمًا لإيجاد تقنية لقياس الأداء عندما تصل الحواسيب الكمومية إلى آلاف البتات الكمومية

المصادر:

هنا