الطب > مقالات طبية
الحالة الثانية عالميًّا لتوءم نصف متطابق
جميعنا مختلفون، ومن الطبيعي أن يكون لنا مزيج من الصفات التي تميزنا بعضنا عن بعض، فكم هي الحياة مضجرة إن تشابهنا وكنا مجرد نسخًا متماثلة !
ولكنّ، من النادر أن نشاهد توءمًا نصف متطابق، فكان شكلًا جديدًا لتصنيف التوائم، وذلك بولادة التوءم الاستثنائي في مدينة بريزبان الأسترالية، فَهُو ثاني توءم نصف متطابق أُبلِغ عنه في العالم، وأول حالة اُكتشِفَت في أثناء الحمل.
فأُبلِغ عن الحالة الأولى لتوءم نصف متطابق بمحض الصدفة في الولايات المتحدة عام 2007 م حين عاين الأطباء أحد الطفلين في مرحلة الطفولة؛ بسبب وجود أعضاء تناسلية غير واضحة، ليكتشف الأطباء فيما بعد أنّ الطفل و الطفلة هما توءم متطابق من ناحية جينوم الأم، في حين اشتركا بنصف الجينوم الأبوي فقط؛ مما مكّن الأطباء من عدّهما توءمًا نصف متطابق.
ولتفسيرِ هذه الحالة من التوءمة علينا بدايةً فهم تصنيف التوءمة..
صنَّفتْ التوائم إلى:
متطابقة (أحادية الزيجوت monozygotic)، ومختلفة/أخوية (ثنائية الزيجوت dizygotic).
فالتوءمةُ أحادية الزيجوت ينتج عنها جنينان متطابقان جينيًّا تمامًا، إذ ينتجان عن تلقيح نطفة ذكرية واحدة لبويضة أنثوية واحدة؛ لتتشكل بيضة ملقحة واحدة؛ إذ تنقسم الخلايا الجنينية المتشكلة لقسمين متطابقين في مرحلة مبكرة جدًّا من الحياة الجنينية، فيشكلان فيما بعد جنينين متطابقين، في حين أن التوءمة ثنائية الزيجوت تَنتُج من تلقيح بويضتين بنطفة واحدة لكل منهما، لينتج عنها جنينان مختلفان جينيًا كاختلاف الإخوة العاديين؛ إذ يتشاركان بـ ٥٠٪ من تسلسل الدنا DNA.
أما التوءمة نصف المتطابقة ( Sesquizygosity) وبعد كشف وجودها على أرض الواقع؛ فتعد نوعًا ثالثًا للتوءمَة.
ما التوءمة نصف المتطابقة؟
إن حالة التوائم نصف المتطابقة semi-identical\Sesquizygotic حالة استثنائية تقع بين التوائم المتطابقة (أحادية الزيجوت)، والمختلفة (ثنائية الزيجوت)؛ إذ تنتج هذه الحالة عن تلقيح بويضة أنثوية واحدة بنطفتين مختلفتين؛ ليتطابق الحمض النووي للجنينين بنسبة تتراوح بين 50 % إلى 100%.
كيف كشف الأطباء حالة هذا التوءم المميز؟ وما القصة؟
في أثناء تصوير الإيكو الروتيني في الأسبوع السادس من الحمل، تبيّن أنَّ التوءمين يتشاركان بمشيمة واحدة، فدفع هذا الأطباء إلى تصنيف التوءم كتوءم مطابق كالمعتاد، ولكن وفي الأسبوع الرابع عشر من الحمل وفي تصوير إيكو روتيني آخر، تبيّن أن جنس الجنينين مختلف!
الأمر الذي يتعارض مع كون التوءم متطابق.
وَجّهت هذه المعطيات الأطباء للتنميط الجيني للسائل الأمنيوسي من الكيسين الأمنيوسيين للجنينين، فكانت النتائج أن للجنينين الجينوم الأمومي ذاته، في حين اشتركا بنسبة ٧٨٪ من الجينوم الأبوي، مما يجعل هذا التوأم الاستثنائي ما بين المتطابق والمختلف (نصف متطابق).
وطرح العلماء تفسيرًا لهذه الحالة؛ الذي يقترح أنّ البويضة الأمومية لُقِّحَت من قِبَل نطفتين..(لمزيد من الفهم انظر إلى الصورة أدناه)
إنّ تلقيح البويضة من قبل نطفتين ينتج عنه ثلاثة مجموعات من الكروموسومات؛ واحدة من الأم، واثنتان من الأب.
ومن المعروف أن وجود ثلاثة كروموسومات في البيضة الملقحة حالة لا تتوافق مع الحياة، ولكن يبدو في هذه الحالة أن المجموعات الثلاث من الكروموسومات وُزِّعَت بالتساوي على مجموعات من الخلايا؛ إذ امتلكت جميع هذه الخلايا كروموسومًا أموميًّا متطابقًا، في حين امتلك بعضها كروموسومًا أبويًّا من النطفة الأولى، والبعض الآخر كروموسومًا أبويًّا من النطفة الثانية والتي انقسمت فيما بعد إلى مجموعتين منفصلتين من الخلايا انتهتا بتشكيل هذا التوءم النصف متطابق.
و قد فُسِّرَت هذه الظاهرة بما يدعى بالتوالد البكري parthenogenesis؛ وهي خضوع البويضة قبل تلقيحها لانقسام جينومي استثنائي، مما سمح لنطفتين بتلقيحها بدلًا من نطفة واحدة في الحالة الطبيعية.
ولابد من ذكر أنّ وجود ثلاثة مجموعات من الكروموسومات داخل البيضة الملقحة ينتج نسلًا ثالثًا من الخلايا التي تمتلك كروموسومًا أبويًّا من النطفة الأولى وآخرًا من النطفة الثانية بدون وجود كروموسومات للأم، وأنّ هذا النسل من الخلايا يخضع لتثبيط النمو في آخر الأسبوع الثالث من الحمل؛ أي، قبل تشكل الجسيدات الجنينية وذلك وفقًا للدراسات والتجارب التي أجريت على الفئران.
ترجمة الصورة:
Oocyte:بويضة ، dispermic fertilization: التلقيح ثنائي النطفة ، sperm:نطفة
Zygote: زيجوت\بيضة ملقحة ، maternal pronucleus: طليعة النواة الأمومية ،
paternal pronuleus: طليعة النواة الأبوية ،
cells of biparental lineag: الخلايا ذات الجينومين الأبوين (جينوم كامل من الأم وجيونوم مشكل من نطفتين من الأب)
Cells of uniparental lineage: الخلايا ذات أحد الجينومين الأبويين (كلا الجينومين من الأب)
Androgenetic lineage outcompeted by cells of biparental lineage: تفوق الخلايا ذات الجينومين الأمومي و الأبوي على ذات الجينومين الأبويين(حيث يتثبط نموها)
Twinning of viable cell lines in the chimeric blastocyst: انقسام الخلايا المتلائمة مع الحياة إلى مجموعتين من الخلايا (كل مجموعة تشكل جنين) في مرحلة الكيسة الأرومية الخيمرية.
Placenta:مشيمة ، amniotic sac: الكيس الأمنيوسي ، chorionic sac: الكيس المشيمائي
وأما عن سلامة التوءم بعد الولادة، فقد أُجريَ بتر-تحت الكتف- ليد طفلة في عمر أربعة أسابيع؛ بسبب وجود صمة تناقضية* في الشريان العضدي الأيمن مصدرها الوريد الأجوف السفلي؛ وعلى الرغم من استخدام الإينوكسابارين** في المعالجة لم يتمكن الأطباء من انقاذ الطرف، وفي عمر ثلاث سنوات وفي أثناء الفحوصات الدورية اُكتُشِفَ لدى الطفلة خلل تكوّن مبيضي؛ مما دفع الأطباء إلى استئصال مبيض وقائي، وفيما عدا ذلك فإنّ تطور الطفلين كان طبيعي دون دليل فيزيائي على الموزاييكية الصبغية؛ وهو وجود أكثر من نوع من الخلايا في الشخص ذاته، فقد تحتوي بعض الخلايا في جسدِ الشخص ذي الموزاييكية الصبغية على 46 كروموسومات، في حين أن الخلايا الأخرى تحتوي في جسده على 47 كروموسوم على سبيل المثال.
أخيراً؛ لابد من الإشارة إلى أنّ هذه الحالة وجّهت أنظار الأطباء إلى سؤال وهو؛عمّا إذا كان هنالك حالات مشابهة لم يُكشَف عنها أو ربما صُنِّفت كتوءمٍ مختلفٍ بطريقة خاطئة.
لهذا فحص الأطباء جينات ٩٦٨ توءمًا، إضافةً إلى جينات آبائهم، فلم تُكشَف أي حالة لتوءم نصف متطابق في هذه العينة، مما دلّ على ندرة هذا النوع من التوائم.
الحاشية:
*الصمة التناقضية: صمة انتقلت من الأوردة مكان تشكل الصمات إلى الشرايين والتي قد تؤدي إلى سدِّ أحد الشرايين وحرمان العضو المروى به من التروية، فيؤدي إلى اقفاره وتموته، وتنتقل الصمة من الوريد الى الشريان غالبًا؛ بسبب وجود تحويلة شرياينة وريدية غير طبيعية، أو وجود فتحة سالكة بين حجرات القلب وأسباب أخرى عديدة.
**إينوكسابارين: هو هيبارين منخفض الوزن الجزيئي مضاد لتشكل الصمات.
المصادر:
1- هنا
2- هنا
3- هنا
4- هنا
5- هنا
مصادر الحاشية: