علم النفس > الصحة النفسية
الاكتئاب: إضاءةُ زواياه المظلمة(كيف نفهم أفكارنا ونتحكم بها؟)
قد يبدو الاكتئاب للمصاب به كغرفة مظلمة دون مخرج، ولكنّ الحقيقة حتى أشد حالات الاكتئاب يمكن علاجها.
تحدثنا في جزء سابق من سلسلتنا هذه عن أساليب التفكير الضارة التي قد تدخل المصابين بالاكتئاب تلك الغُرف الخيالية المُظلمة، عندما تغمرك هذه الأساليب الضارة من التفكير فإنّ من المهم لك أن تتذكر أنها قد تكون عَرضًا للاكتئاب، وأن هذه المواقف المتشائمة اللاعقلانية -التي تُسمى التشوهات المعرفيّة- ليست حقيقية، فعندما تُعاين يظهر أنها لا تَمتُّ إلى الحقيقة بصلة، وعلى الرغم من ذلك قد يكون من الصعب التخلي عنها، فعادةً من الصعب الخروج من هذا الإطار الذهني المتشائم عن طريق ترديد العبارة "فقط فكّر إيجابيًّا"؛ إذ إنها غالبًا ما تكون جزءًا من نمط تفكير امتد طوال الحياة إلى أن أصبح عملية تلقائية غير واعية. (شُرحت ما الأفكار التلقائية في مقال سابق من السلسلة هنا)
لفهم الاكتئاب السريري من المهم لنا أن نفهم أن الأشخاص لا يفكرون عميقًا في الواقع (ما يحدث حولهم من أحداث وأقوال الآخرين).
قد يمتلك الحدث ذاته معنيَين مختلفَين تمامًا بالنسبة إلى شخصين مختلفَين حتى ولو كانت ظروفهم متماثلة.
ما يُبقي الاكتئاب حيًّا هو تفسيراتنا للواقع و"الغزل (spin): الذي تضيفه عقولنا على الواقع الذي نلاحظه، والمعرفة عن كيفية حدوث كل هذا قد تكون قادرة على قلب حياتنا!
باستطاعة الاكتئاب أن يحوّر الأمور الجيدة إلى سيئة عن طريق وضعه للمعنى الذي يؤذينا، فعلى سبيل المثال: إذا تركت رسالة لصديق ما، ومن ثمَّ لم يعاود الاتصال بك، قد تخبر نفسك أن السبب ربما هو:
- قد يكون بعيدًا.
- ربما لم تصله رسالتي بعد أو لم يرَها.
- أو: "لم يعاود الاتصال بي لأنّه لا يريد التحدث إلي لأنه لا يحبني!"
يعدّ الشك شيئًا مزعجًا يبغضه البشر عمومًا، وعندما تكون مكتئبًا أو قلقًا، فإنه سوف يسبب لك إزعاجًا أكبر، والمصابون بالاكتئاب غالبًا يشكّون بأنفسهم بجميع الطرائق، ولكنْ نادرًا ما يشكّون في تفسيرهم للأشياء.
ولكنّ النقطة المهمة هنا هي أن تحمّل الشك (عدم اليقين) يعدّ مهارة، ولذا يمكن تعلمه.
كلما كنت قادرًا على وضع تفسيرات محتملة أكثر، وكلما بذلت جهدًا أكبر بذلك كان من الأصعب أن يتحدد معنى فوريًّا محددًا للحدث، وبذلك ستكون باحتمال أقل لتجربة ردة فعل عاطفية سلبية.
على أي حال هذا لا يعني أن يكون الجواب هو "التفكير الإيجابي"؛ إذ عليك أن تبحث في طرائق تكون أكثر واقعية.
ماذا يمكننا أن نفعل؟
لحسن الحظ، الكثير!
هناك كثير من الأمور التي تستطيع تأديتها للوصول بنفسك إلى شعور أفضل.
عندما تقود أفكارٌ ضارةٌ إلى شعور محزن، عندئذ نستطيع القول إن أفضل ما يمكننا فعله هو استبدال تلك الأفكار الضارة بأفكار مفيدة!
حسنًا، كيف نستطيع فعل ذلك؟
أولًا؛ عرّف كيف تشعر أو بماذا؟ ثم اسأل نفسك: "بماذا أفكر؟ ما النتائج التي أصل إليها؟"، لتعرف كيف تشعر بالحزن ولماذا؟ ابحث عن الدليل الذي يدعم أو أفكارك ومعتقداتك أو يدحضها، إليك بعض الأسئلة المفيدة:
- ما الدليل (أو الإثبات) على أن فكرتي هذه صحيحة؟
- هل هناك دليل يدحض فكرتي أو اعتقادي؟
- كيف أعلم بأن فكرتي هذه صحيحة؟
- هل هناك حقائق أتجاهلها أو أتغاضى عنها؟
- ما التفسيرات الأخرى المحتملة؟
الخطوة التي تليها هي أن تتحدى تفكيرك عن طريق اكتشاف تفسيرات محتملة أخرى والنظر إلى الموقف من وجهات نظر أخرى، اطرح أسئلة تتحدى أفكارك ومعتقداتك وتفسيراتك لتختبرها فيما إذا كانت صحيحة أم خاطئة، هل تساعدك أم تعيقك؟
الأسئلة المفيدة قد تكون مثل:
- ما الطرائق الأخرى لرؤية هذا الموقف؟
- كيف قد يرى شخص آخر هذا الموقف؟
- واقعياَ، ما احتمال أن هذه الفكرة صحيحة؟
- هل من المفيد لي أن أفكر بهذه الطريقة؟
عندما تنتهي من هذا "الاستجواب الدقيق" لأفكارك، قد تكون متفاجئًا بمدى سرعة تفتتها وانهيارها!
عن طريق تأدية هذه العملية فإنها سوف تساعدك لتطوير وجهات نظر أكثر اتزانًا مما يساعدك للتخفيف من الاكتئاب.
إنها "مجرد أفكار"، ما المهم إلى هذه الدرجة؟
المواقف والمشاعر السلبية مثل اليأس والعجز قد تؤدي إلى اضطراب توازن هرمونات الجسم وتخفض المواد الكيميائية في الدماغ المسؤولة عن مشاعر السعادة والارتياح.
بعض أنواع التدريب العقلي مثل التمرن على تفكير أكثر إيجابية قد تؤثر في رؤيتنا للعالم وتجعلنا نشعر بهدوء ومرونة أكثر وبذلك سعادة أكبر.
في العلاج النفسي، أظهرت كثير من الأبحاث أن تغيير المعنى المتعلق بشيء ما أو بشخص ما هو التدخل الأكثر فعالية الذي يمكنك تأديته، وتدعى هذه الطريقة: "إعادة الصياغة" (reframing)؛ إذ تضع هذه التقنية صياغة جديدة من المعلومات حول حدث ما.
هل لديك أيّ أفكار سلبية الآن؟
أحيانًا قد يكون حتى من الصعب معرفة ذلك.
فكّر لدقيقة، واستمع لأفكارك، واكتشف ما تحمله في ذهنك.
إن كنت تخبر نفسك بشيء ما يجعلك تشعر بالسوء، تذكر: أنت مسؤول عمّا تخبر نفسك به، إذًا لماذا لا تخبرها شيئًا أكثر تشجيعًا؟
المصادر:
1- هنا
2- هنا
3- هنا
4- هنا
5- هنا
6- هنا