الفلسفة وعلم الاجتماع > علم المنطق والأبستمولوجيا
علم المنطق: الحدود والقضايا (الجزء الأول)
يتخذ علم المنطق* من القضية "الجملة" أساسًا للتحليل والكشف عمَّا تحتوي من بناء منطقي وعقلاني يربط بينها وبين قضايا أُخرى، فإذا طرَحنا القضيَّتَين:
- كوكب الأرض ليس مركز الكون.
- نظرية التطوّر مصنَّفة من بين العلوم الزائفة.
تكونُ القضية في المثال الأول صادقة، في حين أنَّ القضية في المثال الثاني كاذبة، لأنَّ نظرية التطوّر مُصنَّفة من بين العلوم الحقيقية.
وينطلق علم المنطق من الوحدات الأساسية التي تتكوّن منها الألفاظ ذات المعنى التي تُستخدم للتحليل والاستنتاج ثمَّ البرهنة، وتُسمَّى هذه الوحدات بالحدود المنطقية** (Terms) التي تكوّن مع غيرها من الحدود معنىً للقياس المنطقي الصادق ويطلق عليه في لغة المنطقيّين "الماصدَق"***. وتتألّف القضية المنطقية من ثلاثة حدود: حدّ الموضوع، وحدّ المحمول، وحدّ الرابطة؛ التي سنتعرّف عليها في الجزء الثاني من هذا المقال. ولكن بدايةً سوفَ نقسِّم شرح المنطق الصوري إلى أربعة أقسام رئيسية، ابتداءً بتعريف الألفاظ وانتهاءً بمكونات القضية.
1- الألفاظ:
لا بدَّ لنا في التعليم والتعلُّم من الألفاظ؛ فإنّنا نقول أنَّ اللفظ إمَّا منفرد أو مركَّب أو لفظ أداة.[3]
اللفظ المنفرد:
- الذي لا يدلُّ هو في ذاته أو جزء منه على معنى جزء آخر أو معنىً كُلّي للقضية، ويُطلق المنطقيّون لفظ "القضية" على الجملة المتكوّنة من مجموعة ألفاظ لها معنىً ودلالةٌ وعُمقٌ في النفس البشرية، فكل جملة ذات معنىً يُعبَّر عنها بمجموعة ألفاظ مفردة هي قضية، ويحتكم اللفظ المفرد إلى الدلالة من إرادة اللافظ له، إذ إنَّ اللفظ المفرد في ذاته لا يدلّ البتة على لفظ آخر أو معنىً واحد وإلَّا كان لكل لفظ معنىً حقّ في ذاته دون غيره، ولكن إن قُلنا "عين الشمس" فإننا ندلُّ على ظهور أو قوّة الشمس، ولكن إن قُلنا "عين الصواب" فإننا ندلُّ على الإشارة للحقّ، وبهذا يكون لفظ "عين" قد دلَّ على شيئين مختلفين. ومنها ما هو اسم، مثل "حسن، مدرسة، كوكب" ومنها ما هو فعل، مثل "كتبَ، نجحَ".[4]
اللفظ المركب:
- هو الذي قد يوجد له جزء يدلّ على معنىً لجزء آخر؛ أي تركيبُ أكثر من جزء لتنفيذ الدلالة المقصودة من اللافظ، مثلًا "الإنسان حيّ" فإنَّ كلمة "الإنسان" وحدَها لا تُشير إلى أنه على قيد الحياة، ولكنَّ "حيّ" بيَّنت دلالة حالة الإنسان وأصبح لدينا لفظ مُركَّب من أكثر من عنصر ليكوّن القضية. ومنها ما هو مركب من اسم وفعل "ذهبَ عمر".[4]
اللفظ الأداة:
- وهو لفظ لا يدل بحدّ ذاته على أيّ معنى، وإنما يربط بين الألفاظ المختلفة لتوضيح العلاقة القائمة بينها بهدف صياغة القضية، ولا يصلح أن يكون حدًّا منطقيًّا في القضية لأنَّ الأصل في الحدود أن تقبلَ الإخبار بها أو عنها، مثال: إن كان التحليل منطقيًّا فالاستنتاج صحيح (حرف الفاء). وهي ما تسمَّى: الروابط المنطقية القضوية، إذ إنَّها تُستخدَم في ربط قضايا بسيطة لتكوين قضايا منطقية مركبة وأكثرَ تعقيدًا.
2- الحدود المنطقية:
يُطلق عند المنطقيّين في باب التعريفات على اللفظ الدال على ماهية الشيء، وينقسم إلى حدٍّ تام وحدّ ناقص:
- الحد التام: هو ما يتركب من الجنس والفصل القريبين، كتعريفِ الإنسان بالحيوان الناطق، ومن شرط الحد التام أن يكون جامعًا مانعًا؛ أي يجمع الحدود ويمنع غيره من الدخول فيه. "5 صـ 447"
- الحد الناقص: هو ما يكون بالفصل القريب وحده أو به، وبالجسم البعيد، كتعريف الإنسان بالجسم الناطق.
و تنقسم الحدود المنطقية من حيث الكم Quantity؛ أي عدد مدلولات اللفظ، وهي كل شيء يمكن قياسه أو عدُّه، إلى:
- حدود جزئية "Particular Term" كالأسماء والأعلام، وهي التي تطلق على فرد أو شيء واحد فقط ولا يمكن أن يطلق على غيره أو يدل على أي صفة من صفاته، مثل: "مصطفى، دمشق، نهر الفرات، أنطون مقدسي"
- حدود كلية "Universal Term" يشترك في الحد الواحد منها أكثر من فرد يشتركون في ذات المعنى، مثل "بحر، إنسان، فيلسوف، نهر" ونُلاحظ هنا أنَّنا قلنا فقط "نهر" بوصفه تمثيلًا لحدّ كُلِّي، ولكنّنا في المثال الأول لتمثيل للحدّ الجزئي قلنا "نهر الفرات" ومنه نوضِّح الفرق بينهم بأنَّ الحد الكلي "نهر" قابل للانقسام ويمكن أن يطلق على أكثر من فرد، بينما الحدّ الجزئي "نهر الفرات" غير قابل للانقسام، بل محدَّدٌ بدلالته ويمكن أن يطلق على فرد واحد فقط.
- الحد الكلِّي الجمعي: مثل: قبيلة، جيش، أُمَّة، رجال؛ أيّ إنَّ أكثرَ من فردٍ يشتركون في صفات معينة، مثلًا تُطلقُ لفظة "السوريّون" على مجموعة أفراد يحملون صفات مشتركة وهي الجنسية السورية ومسقط رأس مشترك، وإن قُلنا "الباحثون السوريون" ندلّ على أفراد يحملون صفات مشتركة وهي الانضمام إلى منظمة الباحثون السوريون.
وتنقسم الحدود من حيث الكيف Quality "الإثبات والنفي" إلى حدود موجبة وحدود سالبة:
- وهي الهيئة التي يوجد عليها الشيء؛ أي ما يعبِّر مدلوله عن وجود شيء أو صفة، مثل حصان: يُعبِّر عن وجود شيء. ذكيّ: يُعبِّر عن وجود صفة. وحدود سالبة هي نفي لدلالات الحدود الموجبة، مثل: لا حصان؛ يُعبِّر عن غياب الحصان. لا ذكاء؛ يعبِّر عن غياب صفة الذكاء.
ويفرَّق بين الحد والتعريف[2] بأنَّ الحدّ تعريف الشيء بذاته كتعريف الإنسان بأنَّه حيوان ناطق، لكنَّ التعريف لا يُقصَد به إلّا تحصيل صورة الشيء في الذهن أو توضيحها، وكل حدّ هو تعريف ولكن ليس كلُّ تعريف حدًّا تامًّا، بل قد يكون حدًّا ناقصًا.
الهوامش:
*للاطلاع على مفهوم علم المنطق؛ زوروا الرابط الآتي: هنا
**للاطلاع على مفهوم الحد المنطقي؛ زوروا الرابط الآتي: هنا
***للاطلاع على مفهوم الماصدَق؛ زوروا الرابط الآتي: هنا
المصادر:
1- سعيد، جلال الدين. (2004). معجم المصطلحات والشواهد الفلسفية. (د.ط). فلسطين، تونس: دار الجنوب للنشر. صـ 445.
2- الحنفي، عبد المنعم. (2000). المعجم الشامل لمصطلحات الفلسفة. (ط.3). القاهرة: مكتبة مدبولي. صـ 280-282.
3- بن سينا، أبو علي الحسين. (2008). كتاب المنطق. حققه وعلق عليه: محمد عثمان. (ط.1). مكتبة الثقافة الدينية. صـ 9.
4- الفارابي، أبو نصر. (1968). الألفاظ المستعملة في المنطق. (ط.2). بيروت: دار المشرق.
5- جورج، صليبا. (1994). المعجم الفلسفي. (ط.1). (ج.1). بيروت: دار الكتاب اللبناني، مكتبة المدرسة. صـ 311-447.