علم النفس > القاعدة المعرفية
العلاج بالمعنى -الجزء الأول-
العلاج بالمعنى، الذي يُطلَق عليه اسم logotherapy، جاء من لفظة logo، وهي كلمةٌ يونانيةٌ يُقصَد بها المعنى، ويهدف إلى تشجيع الفرد على التفكير المنطقي وإيجاد معانيه الفردية الخاصّة. وهو أحد أساليب العلاج النفسي الوجودي المُوَجّه، الذي يركّز على جانب الفرد الروحي ومعنى الوجود الإنساني، ويعتمد على الفكرة القائلة بأنه إن كانت المعاناة جزءاً لا يتجزأ من الحياة، فهناك معنىً لها. وعندما تكون معاناة الشخص ذات معنى، فلن تبقى هذه المعاناة مزعجةً للفرد.
يعود نشوء هذا النوع من العلاج إلى ثلاثينيات القرن العشرين، فعلى أساس التحليل النفسي الذي وضعه سيغموند فرويد وعالم النفس الفردي ألفريد أدلر، وضع الطبيب وعالم الأعصاب فيكتور إميل فرانكل أُسسَ هذا العلاج ونشرها أول مرة عام 1938. ويرتكز هذا العلاج على المعنى في العلاج النفسي، ويعُدُّ البحث عن معنىً للحياة القوةَ الأساسية الدافعة للبشر. وكان لكتاب (الإنسان يبحث عن المعنى) أثراً كبيراً في صياغة مبادئ د. فيكتور فرانكل، وكان المثال الحيّ على كيفية التخلّص من اليأس في المواقف القاسية عن طريق خلق الفرد معناه الخاصَّ في كلّ موقف.
المبادئ الأساسية التي يقوم عليها العلاج:
- للحياة معنى في جميع الظروف، بل حتى في أسوئها.
- الدافع الرئيسي للعيش يكمن في إيجاد معنى الحياة الحقيقي.
- نحن نملك الحرية في إيجاد معنىً لكلّ ما نؤديه أو نواجهه، أو على الأقلّ الموقف الذي نتّخذه عندما نكون في موقفٍ من المعاناة غير القابل للتغيير.
يعتمد نهج فرانكل على ثلاثة مفاهيم:
1- حرية الإرادة: وفقاً لهذا المفهوم، لا يخضع الفرد للظروف؛ بل يتمتّع بالحرية والقدرة على اتّخاذ القرار لحياته بكيفية استجابته للظروف جميعاً، سواءً الخارجية منها (البيولوجية، الاجتماعية) أم الداخلية (النفسية). وتُعرّف الحرية هنا بأنها المساحة التي يستطيع بواسطتها الفرد تشكيل حياته في حدود إمكانياتٍ معينة.
2- الإرادة نحو المعنى: الفرد حرٌّ في تحديد المعنى المناسب لحياته، وتحقيق الأهداف والغايات منها، ويُعدُّ إيجاد المعنى الدافع الرئيسي للبشر؛ لأن تعذّر إيجاد معنىً لحياة الفرد يُشعره بانعدام القيمة والفراغ، ما سيفضي إلى العدوان، والاكتئاب، والانتحار، والإدمان، وغيرها من الأمراض والاضطرابات العصبية والنفسية. يساعد هذا النوع من العلاج الفردي على إدراك وإزالة العوائق التي تمنع وصوله إلى أهدافه ذات المعنى من حياته، وهو لا يقدِّم معانٍ محدّدة، بل يعين كلَّ فرد على الوصول واكتشاف معانٍ خاصّةٍ به.
3- معنى الحياة: تقوم على المبدأ القائل بأن المعنى الذي يختاره الفرد لحياته أو لظروفه يُعدُّ حقيقةً موضوعيةً لا وهماً ينشأ داخل الجهاز الحسّي والإدراكي للفرد. وبناءً على ذلك يشجّع الفرد على وضع معنىً لظروفه وحياته وفقاً لما يراه مناسباً لإمكانياته، وهو أمرٌ قد يتغيّر. ولذلك فهذا العلاج لا يضع معانٍ ثابتةً ويقدّمها للأفراد.
يخبرنا فرانكل أن هناك ثلاث طرائقٍ نكتشف من خلالها المعنى في الحياة وهي:
- عند خلق عملٍ أو تنفيذه.
- تجربة شيءٍ ما أو مواجهة شخص.
- الموقف الذي نتَّخذه عند مواجهة ظرفٍ شديد القسوة لا نستطيع تفاديه.
ما الافتراضات التي يُبنى عليها العلاج بالمعنى:
- الكائن البشري كيانٌ يتألف من الجسد والعقل والروح: وفقاً لفرانكل فإن الجسد والعقل هما ما نملك، والروح تعني ما نحن عليه.
- للحياة معنى في جميع الظروف، بل حتى في أسوئها.
- الإنسان يملك الإرادة للمعنى: يقصد به الدافع الرئيسي للعيش؛ إذ إن إيجاد كلِّ فردٍ للمعنى يجعله على استعدادٍ لأي شكلٍ من المعاناة.
- يملك الناس الحرية في تفعيل الإرادة لإيجاد المعنى في كلِّ ظرف، وخاصةً في الظروف غير القابلة للتغيير.
- الفرد فريدٌ من نوعه.
- يجب أن يستجيب الأشخاص للحياة بقراراتٍ ذات معنى: ويُقصَد بها القرارات اللحظية في حياتنا اليومية، ويمكن تحقيقها عن طريق خلق القيم واتِّباعها.
سنكمل في المقال التالي حديثنا عن التقنيات المستخدمة في هذا النوع من العلاج وكيفية سير عملية العلاج إضافة إلى بعض التجارب.
المصادر:
1- هنا
2- هنا
3- هنا
4- هنا