التعليم واللغات > اللغويات
السكتة الدماغية وثنائيو اللغة
عندما يعاني الشخص سكتةً دماغية، يُعاق تدفق الدم إلى مناطق معينة إما بسبب نزيف وعاء دموي وإما بسبب انسداده، وإذا كانت السكتة الدماغية تؤثرُ في مناطق الدماغ المُهمة للُّغة، يمكن أن تتعطل وظائف اللغة جزئيًّا أو كليًّا، وتسمى هذه الحالة "فقدان القدرة على الكلام" أو "الحُبسة"، لكن التعافي من هذه الحالة ممكن في بعض الأحيان -إلى حد ما على الأقل- مع مرور الوقت وبواسطة العلاج وإعادة التأهيل.
من المعروف أن ثنائيي اللغة، أي الذين يتحدثون أكثر من لغة، يتعافون من فقدان القدرة على الكلام بعدة طرائق مختلفة، والحالة الأكثر شيوعًا هي عندما يستعيد مريضٌ ثنائي اللغة اللغتين على نحوٍ متساوٍ وذلك في حالة "التعافي المتوازي من فقدان القدرة على الكلام"، ولكن في بعض الحالات، تكون حالة استرجاع اللغتين غير متناسبة وذلك باستعادة إحدى اللغتين فقط، ويطلق على هذا النوع "التعافي الانتقائي من فقدان القدرة على الكلام".
وجعلت هذه الحالة الباحثين يعتقدون في البداية أنَّ كل لغة يتحدثها شخص ثنائي اللغة لا بد أنها موجودة في منطقة مختلفة في الدماغ، وذلك بالنظر إلى أن لغة واحدة تتعافى أفضل من اللغة الأخرى بعد السكتة الدماغية، ومع ذلك وبمساعدة عمليات تصوير الدماغ، نعرف الآن أنَّ هذه الفكرة غير صحيحة، بل على العكس من ذلك، عندما يتحدث الشخص لغات عديدة فإن هذه اللغات جميعها تُنشِّط شبكة مشتركة من مناطق الدماغ، وفي حين أنَّ الصورة الكاملة لكيفية توليد الدماغ للُغات متعددة لا تزال غير واضحة جزئيًّا، فإنَّنا نعرف عددًا من العوامل التي يبدو أنها تؤثر في قدرة المريض ثنائي اللغة على التعافي بعد السكتة الدماغية، فإذا كان الشخص أقلَّ كفاءة في إحدى اللغتين، فمن الممكن ألَّا تتعافى هذه اللغة بجودة اللغة الأكثر كفاءة نفسها؛ هذا يعني أنه كلما كانت المهارة أفضل كانت استعادتها أسهل، في حين أنَّ ما يتطلب بذل جهدٍ أكبر هو اللغة التي نادرًا ما يتحدث بها الشخص؛ إذ يكون من الصعب استعادتها. إنَّ العوامل الاجتماعية والعاطفية مهمة أيضًا إذا أردنا فهم اللغة التي ستتعافى بعد حدوث السكتة الدماغية، كعدد المرات التي تُستخدم فيها لغة معينة أو ما العواطف المرتبطة بها، ومع ذلك لا يزال من غير الواضح كيف تتفاعل تلك العوامل وتتنبأ بتعافي اللغة المعنية بنجاح.
تُشير إحدى النظريات الحالية -عن السبب وراء احتمال أن يؤدي نسيان اللغة لدى مريض ثنائيِّ اللغة إلى استعادة إحدى اللغتين أفضل من الأخرى- إلى أنَّ هذا يحدث عندما تدمِّر السكتة الدماغية آلياتِ تحكم معينة في الدماغ؛ فعندما يتقن شخص ما لغتين معًا، يجب عليه إيقاف إحدى اللغتين في أثناء استخدام الأخرى، وفي حالة تلف الآليات التي تتحكم بهذا التبديل نتيجة السكتة الدماغية فقد لا يتمكن المريض الذي يعاني فقدان القدرة على الكلام من استرداد اللغتين كلتيهما بطريقة مماثلة، وذلك لأن المريض فقد القدرة على التحكم باللغة، وفي هذه الحالة قد يبدو أن الشخص فقد إحدى اللغتين تمامًا، ولكن المشكلة في الواقع هي مشكلة التحكم.
وقد وجد الباحثون مؤخرًا أن آليات التحكم أضعفُ لدى ثنائيي اللغة الذين يعانون فقدان الكلام ويستعيدون لغة واحدة فقط (التعافي الانتقائي)، من المرضى ثنائيي اللغة الذين فقدوا القدرة على الكلام في اللغتين واستعادوا اللغتين معًا (التعافي المتوازي).
ومن المثير للاهتمام أنه عندما تتعافى اللغات بعد السكتة الدماغية تتأسس الروابط بين مناطق اللغة والتحكم في الدماغ من جديد، وفي حين أن هذا الاكتشاف المثير للاهتمام يدعم النظرية التي تربط التعافي الانتقائي بآليات التحكم الضعيفة، هي فقط واحدة من عدة نظريات، ويحاول الباحثون حاليًا التوصل إلى فهمٍ أفضل للأسباب الأخرى التي قد تكمن وراء أنماط التعافي المفاجئة التي يمكن حدوثها في حالات فقدان القدرة على الكلام لدى ثنائيي اللغة.
المصدر: