الطب > مقالات طبية
خطواتك المؤلمة قد ترفع إنذارًا بالخطر!
داء الشرايين المحيطي (Peripheral Arterial Disease) أو ما يعرف اختصارًا بـ PAD؛ هو مرض مزمن ينتج عن تضيُّق الشرايين المحيطية -ولا سيما شرايين الأطراف السفلية- مؤديًا إلى نقص وصول الدم إليها، ومن ثم نقص تزويدها بالأكسجين والمغذيات. وتترافق هذه الحالة بظهور عدة أعراض نتيجة هذا النقص، أما سبب هذا التضيق فهو -كما في حالة تضيق الشرايين الإكليلية- العصيدة الشريانية Atherosclerosis.
يوجد قرابة 8 ملايين مصاب في الولايات المتحدة وأكثر من 200 مليون مصاب في أنحاء العالم، ويتراوح انتشاره بين 14% و29% عند كبار السن (أكبر من 70 عامًا)، وهو أشيع حدوثًا لدى الذكور، ويُعدُّ مؤشرًا مهمًّا عن الحالة الصحية للشرايين وتدهورها لدى المرضى، ويجب الانتباه له على نحو خاص؛ إذ تحدث مغالطات كثيرة في تمييز أعراضه وتنسب إلى أمراض أخرى، وقد يفشل الطبيب بوضع التشخيص الصحيح والمبكر؛ مما يؤدي إلى بتر الطرف في نهاية المطاف.
ولدى مقارنة المدخنين بغيرهم؛ نجد أنّ المرض يتطور على نحو أسرع لدى المدخنين، إضافة إلى أنهم يعيشون فترةً أقصر.
ويُعدُّ التصلب العصيدي المسبب في أغلب الحالات، ولكن هناك أسبابٌ أخرى كالتهاب الأوعية الدموية أو تضررها والتعرض الإشعاعي والخلل التشريحي للأربطة والعضلات.
أما عوامل الخطورة فتتضمن الداء السكري، والتدخين، والوزن الزائد، وارتفاع ضغط الدم، وارتفاع الكولسترول، والتقدم في العمر (خصوصًا الأشخاص الذين تجاوزوا الخمسين)، ووجود قصة عائلية للمرض أو أمراض أخرى كالسكتة الدماغية أو القلبية، والمستويات العالية للهوموسستين، والجنس (الذكور أكثر من الإناث)، وقلة الحركة، والعرق الإفريقي، وانخفاض معدل الرشح الكبيبي (GFR< 60ml/min).
يبدأ المرض بتشكُّل اللويحة العصيدية التي تنتج عن تجمع الكولسترول على خلايا باطن الوعاء، وغالبًا ما تتشكل في الشرايين الفخذية أو الحرقفية أو الأبهر، وفي البداية يحاول الشريان التوسع سامحًا للدم بالمرور وذلك حتى درجة معينة؛ إذ يتوقف التوسع. ومع زيادة حجم العصيدة، يتضيق مجرى الوعاء مؤديًّا إلى عدم مرور الكمية الكافية من الدم، وترتبط الأعراض ودرجة تطوّر المرض بدرجة تضيق الوعاء؛ فالتروية الوعائية تستمر عن طريق التفرعات والمفاغرات الثانوية التي تكون كافية مبدئيًّا لتغذية الطرف، ولكن؛ عند الحركة (المشي) تزداد متطلبات العضلات للتغذية والأكسجين وتصبح التروية غير كافية؛ مما يؤدي إلى ألم في العضلات ويُجبَر المريض على التوقف عن الحركة وهو ما يدعى بالعرج المتقطع الوعائي، حتى تصبح التروية كافية من جديد نظرًا إلى نقص الحاجة وبذلك تتراجع الأعراض مؤقتًا، وعند تطور المرض أكثر تصبح التروية الثانوية غير كافية مؤدية إلى ظهور أعراض حتى في حالة الراحة وعدم عمل العضلات.
ولا يشكو العديد من المرضى من أي عرض أو يعانون أعراضًا خفيفة، في حين يعاني آخرون أعراضًا شديدة، وأهم هذه الأعراض هو العرج المتقطع الوعائي الذي يتظاهر بألم في الساقين عند المشي. وتتضمن الأعراض الأخرى ضعفًا أو خدرًا في الطرف، والشعور ببرودة الطرف المصاب مقارنة بالطرف السليم، وصعوبة شفاء القرحات والجروح، وتغير في لون الطرف أو تساقط شعر الطرف، وبطء نمو الأظافر، ولمعان جلد الطرف المصاب، واختفاء النبض أو ضعفه، ومشكلات الانتصاب لدى الذكور، وفي الحالات الشديدة قد يكون الطرف مؤلمًا حتى في الراحة.
أما عند ترك المرض من غير علاج، قد نلاحظ وجود تقرحات في الطرف لا تُشفَى، أو قد نلاحظ إصابات وإنتانات تتطور مؤدية إلى تموُّت الأنسجة وإصابتها بالغنغرينا Gangrene؛ مما يتطلب بتر الطرف.
ويُصنَّف المرض وفق تصنيف Rutherford إلى درجات:
الدرجة صفر: المريض غير عرضي
الدرجة الأولى: عرج متقطع خفيف
الدرجة الثانية: عرج متقطع متوسط الشدة
الدرجة الثالثة: عرج متقطع شديد
الدرجة الرابعة: ألم إقفاري بحالة الراحة
الدرجة الخامسة: وجود خسارة نسيجية صغيرة
الدرجة السادسة: وجود تقرحات أو غنغرينا
يبدأ تشخيص المرض بالقصة المرضية التي تركّز بداية على عرض العرج المتقطع، فمن المهم سؤال المريض عنه تحديدًا عند عدم ذكره، كذلك يجب أخذ عوامل الخطورة بعين النظر كارتفاع الضغط الشرياني، وداء السكري، والتدخين. وبعد الانتهاء من القصة السريرية يجب إجراء الفحص السريري الذي يبدأ بجس النبض (الذي يكون ضعيفًا أو معدومًا كما ذكرنا)، ومن ثم قياس مشعر الكاحل-العضد Ankle – Brachial Index واختصارًا ABI؛ وهو إجراء تشخيصي بسيط ومفيد وغير راض يستخدم لتقييم شدة إصابة الشرايين المحيطية، ويَتوقع خطر حدوث الأمراض الوعائية القلبية مستقبلًا، ويتمتع بحساسية عالية تصل إلى أكثر من 90%، ثم إنه غير مكلف، وللحصول عليه يستخدم مجس دوبلر Doppler probe مع كم قياس الضغط من أجل قياس الضغط الشرياني الانقباضي في شريان ظهر القدم أو الشريان الظنبوبي الخلفي لكلا القدمين، ثم يُقاس الضغط في العضد، وتُعتَمد القيمة الأعلى للقياس، ونحصل على القيمة الخاصة بالمشعر في كل طرف بتقسيم أعلى قيمة ضغط في كل طرف سفلي على أعلى قيمة ضغط في الطرفين العلويين، ولنفي وجود المرض نحتاج إلى نتيجة أكثر من 0.9، أما أقل من ذلك يشير إلى وجود المرض، وكلما كان الرقم أقل؛ كانت شدة المرض أكبر.
ABI > 0.9 طبيعي
ABI 0.8-0.9 إصابة خفيفة
ABI 0.5-0.79 إصابة متوسطة
ABI < 0.5 إصابة شديدة، وعادةً تترافق هذه القيمة مع تموّت النسيج، وظهور آلام حادّة حتى عند الراحة.
وتتضمن الإجراءات التشخيصية الأخرى التصوير الطبقي المحوري، والرنين المغناطيسي، وتصوير الأوعية الظليل، ويعد الأخير هو الإجراء التشخيصي المعياري؛ إلا أن له بعض الاختلاطات كالنزف، والإنتان، وتمزق الشريان، فهو يصنف من الإجراءات الغازية.
وتهدف معالجة المرض إلى تقليل خطر الحوادث الوعائية القلبية، إضافة إلى تحسين الأعراض، فجميع المرضى -حتى غير العرضيين منهم- لديهم خطورة أكبر من غيرهم لحدوث السكتة الدماغية أو إصابة الشرايين الإكليلية، ويؤدي هذا بذلك إلى نقص في معدل أعمار المرضى، ومنه يجب التقليل من عوامل الخطورة؛ وذلك عن طريق الامتناع عن التدخين، والحفاظ على قيمة LDL < 70mg/dl (البروتين الشحمي المنخفض الكثافة الذي يعرف بالكوليسترول الضار)، ومعالجة داء السكري وارتفاع ضغط الدم. أما الخطوة التالية فهي المعالجة بالحركة، وهي التي تعد الخطَّ الأساسي في علاج العرج المتقطع؛ إذ يجري المريض جلسات من المشي تتراوح مدتها بين 30 و45 دقيقة، 3 إلى 4 مرات أسبوعيًّا مدة 12 أسبوعًا، يمشي فيها المريض حتى شعوره بالألم حيث يتوقف، ويعاود المشي بعد زوال الألم.
وتتضمن المعالجة الدوائية مضادات التصاق الصفيحات وأشيعها استخدامًا الأسبرين Aspirin، وأيضًا يستخدم الكلوبيدوغريل Clopidogrel عند بعض المرضى، ويؤدي كلا الدوائين الوظيفة نفسها؛ إذ يسهمان بإنقاص خطر الحوادث الوعائية القلبية، ويعد Pentoxifylline أول دواء وافقت عليه هيئة الغذاء والدواء الأمريكية FDA في المعالجة، ويعمل على تحسين وصول الأكسجين للنسيج من خلال إنقاصه للزوجة الدم وتحسين مرونة الكريات الحمر، أما الدواء الآخر المستخدم فهو Cilostazol الذي يحرض توسع الأوعية، ويُنقص التصاق الصفيحات وتشكل الخثرات الشريانية، ويحسن من تكاثر خلايا العضلات الملس الوعائية، وتصب هذه الآليات المتعددة التي يعمل بها دواء Cilostazol في مصلحة المريض من خلال زيادة مسافة المشي دون حدوث الألم؛ إلا أنه يجب الانتباه لعدم إعطائه للمرضى الذين يعانون قصورَ القلب المزمن.
أما في الحالات المتقدمة التي لا يفيد معها العلاج الدوائي أو التدريبات؛ فيجب اللجوء للتداخل المباشر على الشريان، ويُجرى ذلك بعدة طرائق منها التوسيع بالبالون، أو وضع شبكة، أو حتى إجراء مفاغرة شريانية، وتعتمد الطريقة المتبعة على حالة المريض وقابليته للجراحة.
العلاج المناسب في الوقت الصحيح يقي المريض من المضاعفات؛ ولكن يجب الحذر دائمًا من الحوادث الوعائية القلبية الدماغية وهو ما يتطلب المتابعة مدى الحياة. علمًا أن المرض يمكن تجنّبه من خلال الحفاظ على نمط حياة صحي، وممارسة التمارين الرياضية بانتظام، والسيطرة على عوامل الخطورة التي ذُكرت.
المصادر:
1- هنا
2- هنا
3- هنا
4- هنا60771-4/fulltext
5- هنا
6- هنا
7- هنا
8- هنا