الطبيعة والعلوم البيئية > ورقو الأخضر شهر أيلول
الأبنية الخضراء الاستدامة في صناعة البناء
يحظى مفهوم الاستدامة في وقتنا الحالي باهتمام معظم التَّخصصات، لا سيما مع تزايد آثار التَّغير المناخي على كلّ بقعةٍ في الأرض؛ مترافقًا مع استنزاف البشر للموارد الطبيعيّة المحدودة؛ الأمر الذي يستدعي تغييرًا عاجلًا في سلوك البشر وممارساتهم ليتجهوا نحو احترام الطَّبيعة التي تحتضنهم وتقدير مواردها الثمينة حق قدرها.
وفي مجال العمارة والبناء ظهر مفهوم العمارة الخضراء التي تُعرَف أيضًا بالعمارة صديقة البيئة eco-friendly architecture أو العمارة المستدامة Sustainable architectures، والتي تهدف إلى الحصول على فوائد بيئيَّة واجتماعيَّة واقتصاديَّة. (1)
وتُعرّف العمارة الخضراء بأنّها: أسلوب بناء يهدف تقليل الآثار السَّلبية في صحة شاغلي البناء وفي بيئتهم المحيطة، فتكون مهمة المصمم أو المعماري من خلال تصميمه الأخضر محاولة حماية كلٍّ من الهواء والماء والأرض عبر اختيار مواد وطرائق بناء صديقة للبيئة. (1)
أمَّا عن فوائد العمارة الخضراء؛ فيمكن أن نجملها بالآتي: (2)
بيئيًّا: لا تتمثل الفوائد البيئيَّة فقط في تقليل الآثار السلبيَّة للبناء من خلال تخفيض الموارد المستهلكة إن كانت ماء وطاقة أو حتى مصادر طبيعيَّة؛ بل إنّ لها أثرًا إيجابيًّا في البيئة المحيطة على مستوى البناء والمدينة؛ وذلك لأنَّ الأبنية الخضراء توّلد طاقتها اللازمة ذاتيًّا وتسهم في زيادة التَّنوع الحيوي.
الفوائد البيئيَّة على المستوى العالمي:
- يعدُّ قطاع البناء المساهم الأكبر في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري مقارنةً بالمصادر الأخرى؛ وبالتالي فهو المساهم الأكبر في التَّقليل من هذه الانبعاثات.
- تقدَّر كمية الانبعاثات التي يُمكن التَّخلص منها بـ 84 غيغا طن من غاز Co2 حتى عام 2050، ويتعلق ذلك باتخاذ تدابير مباشرة في المباني تتمثل في كفاءة استهلاك الطَّاقة، والاعتماد على وقود صديق للبيئة واستعمال مصادر الطَّاقة المتجددة.
- حفظ 50% وأكثر من الطَّاقة المستهلكة في الأبنية، الأمر الذي يسهم في تقليل معدّل ارتفاع درجات الحرارة إلى أقل من درجتين مقارنةً بعصر النهضة الصِّناعيَّة.
الفوائد البيئيَّة على مستوى البناء مقارنةً بالأبنية التَّقليديَّة :
- أظهرت الأبنية الحاصلة على شهادة النجمة الخضراء Green Star في استراليا أنّ انبعاثات الاحتباس الحراري الناتجة عن هذه الأبنية أقل من نظيرتها التَّقليديَّة بمقدار 62%، كما أنّ استهلاكها لمياه الشرب أقل بـ 51%.
- توّفر الأبنية الخضراء المعتمدة من قبل مجلس البناء الأخضر الهندي the Indian Green Building Council (IGBC) ما مقداره 40-50% من الطاقة، و20-30% من المياه المستهلكة.
- تخفض الأبنية الخضراء الحاصلة على شهادة النجمة الخضراء Green Star في جنوب أفريقيا كلّ من استهلاك الطاقة وانبعاثات غاز CO2 بمقدار 30-40%، و20-30% بالنسبة لمياه الشرب، وذلك بمعدلٍ سنوي.
- كما تستهلك الأبنية الحاصلة على شهادة LEED في كلٍّ من الولايات المتحدة وبلدان أخرى طاقةً أقل بـ 25%، ومياه شرب أقل من 11% مقارنةً بالأبنية التَّقليديَّة.
اقتصاديًّا: توّفر الأبنية الخضراء مزايا اقتصاديَّة عديدة تتعلق بتحقيق توفيرٍ في فواتير المياه واستهلاك الطّاقة الكهربائيَّة، وأيضًا في انخفاض تكلفة البناء، وارتفاع قيمة العقار، إضافةً إلى خلق فرص عمل.
عالميًّا يُمكن للتَّدابير المتخذة بشأن كفاءة استهلاك الطّاقة في هذه الأبنية أن تحقق توفيرًا بمئات المليارات من الإنفاق على قطاع الطاقة، أمَّا على مستوى البلدان فقد وفرت صناعة البناء الأخضر مئات آلاف الوظائف بدوام كامل مثل: كندا والولايات المتحدة.
اجتماعيًّا: تدور المزايا الاجتماعيَّة للأبنية الخضراء حول صحة شاغلي هذه الأبنية وراحة عيشهم، فمثلًا يبدي العاملون في مكاتب تقع ضمن مبانٍ خضراء ومزودة بتهويةٍ جيدة، زيادةً في قدراتهم الإدراكيَّة والمعرفيَّة، كما أنّ جودة الهواء داخل هذه الأبنية (ذو تركيز منخفض لغاز CO2 وباقي الملوثات) يُمكن أن يسهم في رفع الأداء لشاغلي البناء بنسبةٍ تصل إلى 8%.
صناعة الأبنية الخضراء المستدامة في الشرق الأوسط: (3)
تسعى بلدان الشرق الأوسط لتصبح صناعة الأبنية فيها أكثر استدامة ومراعاة للبيئة؛ ويتضح ذلك من خلال سنِّ القوانين المتعلقة بالأبنية الخضراء في بعض دول الشرق الأوسط مثل: الإمارات العربيّة المتحدة وقطر ولبنان.
ويوجد حاليًا في المنطقة أربعة قوانين في مجال الأبنية الخضراء، هي:
- Estidama (استدامة)– مجلس أبوظبي للتَّخطيط العمراني.
- تشريعات الأبنية الخضراء الخاصة ببلدية دبي.
- ARZ- مجلس لبنان للأبنية الخضراء.
- النظام العالمي للتَّقييم المستدام GORD's GSAS- قطر.
مثل هذه القوانين والتَّشريعات المتخذة من قبل الحكومات والمنظمات توّضح الجهود المبذولة لنشر مفهوم الاستدامة في مجال صناعة البناء وتعزيزها.
وفيما إذا كان هذا سيطبق على الأبنية الموجودة أو تلك التي سَتُبنى فإنَّ مثل هذه الأنظمة والقوانين تضع إطارًا كليًّا شاملًا يوّجه المعماريين والمصممين وغيرهم للتَّخفيف من استهلاك الموارد مثل: الطاقة والمياه وغيرها من المصادر الطَّبيعيَّة، ويسهم في المحصلة في تقليل التَّلوث البيئي.
إلا أنَّ الجهود المبذولة في هذا السياق تصطدم بتحديات وعوائق لا بدَّ من مواجهتها؛ لا سيما ما يتعلق بعدم كفاية المصادر المائيَّة، ونقص الوعي بمفهوم الاستدامة والقضايا البيئيَّة (رغم مستوى التَّعليم العالي)، ناهيك عن العوائق التي تواجه تطبيق مفهوم الاستدامة وتطبيقات العمارة الخضراء على الأبنية التَّقليديَّة القائمة.
مصادر المقال: