علم النفس > المنوعات وعلم النفس الحديث
إذا كنت مؤمنًا بنظريات المؤامرة؛ فقد تكون أكثر ميلًا للإيمان بالعلوم الزائفة
هنالك عدد غير محدود من نظريات المؤامرة التي لطالما تبادرت إلى مسامعنا في كل حدث كبير وعالمي يحدث، وهي تعرّف إلى أنها تفسير لحدث ما اعتمادًا على مؤامرة تحيكها مجموعة من الجهات الفاعلة التي تتواطأ سرًا للوصول إلى أهدافها الحاقدة، وكانت الغالبية العظمى من نظريات المؤامرة التي اعتقدها المواطنون عبر التاريخ خاطئة، لكنْ حتى إذا كان من غير المحتمل أن تكون نظريات المؤامرة صحيحة، فهي تؤثر في أبعاد الحياة المهمة كالصحة والعلاقات الشخصية والسلامة، وهذا التأثير متجذر في الواقع الذاتي للاعتقاد، فما يعتقده الناس يؤثر في سلوكهم، لكنْ في حين أن المعتقدات قد تكون ساذجة، فإنها قد تنتج سلوكًا له عواقب حقيقية؛ كالاعتقاد خطأً بتسبُّب اللقاحات بمرض التوحد لدى الأطفال مما جعل كثيرًا من الأهالي يعزفون عن السماح لأطفالهم بأخذ اللقاحات الضرورية التي تقي من كثير من الأمراض الخطرة.
نظريات المؤامرة هذه تحظى باهتمام الكثيرين كما هو الحال عند التحدث عن العلوم الزائفة والظواهر الخارقة وغيرها من الادعاءات التي لا أساس لها من الصحة وللأسف تؤمن نسبة غير قليلة بصحة هذه الادعاءات كالتنجيم (استخدم تعبير "الإيمان" لأن من يعتقد بصحة هكذا اداعاءات فهو حتمًا لم يستند بالدليل لأن لا دليل يثبت صحتها)؛ إذ أفاد عدد من الدراسات الاستقصائية أن الاعتقاد بالظواهر الخارقة والتخيلية واسعة النطاق لدى عامة الناس؛ إذ كشف استطلاع للرأي أجرته شركة ( Ipsos Reid) في كندا عام 2005 أن 47٪ من الكنديين يؤمنون بالأشباح، ووجد استطلاع للرأي أجرته ( Harris) في الولايات المتحدة عام 2014 أن 46 ٪ من المشاركين يؤمنون بالأشباح، ومسح ( YouGov) لعام 2016 في المملكة المتحدة أظهر أن 28 ٪ من المشاركين يؤمنون بالأشباح.
أما وفقًا لبحث جدي نُشر في مجلة علم النفس التطبيقي، فإنّ الأشخاص الذين يؤمنون بنظريات المؤامرة هم أكثر عرضة للإيمان بالعلم الزائف والظواهر الخارقة وأنّ بعض الأشخاص يبدو لديهم ميول للاعتقاد بوجود ادعاءات لا أساس لها من الصحة.
يظهر الناس اختلافًا فرديًّا في الميل إلى تأييد المعتقدات غير المدعمة بالأدلة، ولكنّ هناك بعض الفروق الدقيقة لعمومية الاعتقاد في الادعاءات التي لا أساس لها من الصحة، فكما قال مؤلف الدراسة د. آلان بنسلي (أستاذ علم النفس بجامعة ولاية فروستبورغ): "إن قبول الادعاءات غير المدعمة، مثل تأييد نظريات المؤامرة الخاطئة، والمفاهيم الخاطئة النفسية، والعلوم الزائفة يمثل فشلًا في التفكير النقدي"، مثل الاعتقاد بالأشباح، ونظرية المؤامرة القائلة بأن الهبوط على سطح القمر في عام 1969 كان مجرد خدعة، والمفهوم الخاطئ بأن الشخص العادي يستخدم 10٪ فقط من دماغه، والعلوم الزائفة، والتنجيم، والادعاء أن وضع النجوم والكواكب في لحظة ولادتك يحدد مستقبلك.
استطلع الباحثون 286 من طلاب علم النفس في المرحلة الجامعية حول معتقداتهم الخارقة، وتأييدهم للمؤامرات، والمعرفة الواقعية فيما يتعلق بعلم النفس، وقبول العلوم الزائفة، وأظهرت النتائج أن الأشخاص الذين يميلون إلى قبول نظرية مؤامرة خاطئة أكثر ميلًا لقبول أخرى، وإضافة إلى ذلك، كان المشاركون الذين آمنوا بنظريات المؤامرة المزيفة والملفّقة يميلون أيضًا إلى الإيمان بمزاعم أخرى غير المؤامرة، بما في ذلك العلوم الزائفة والممارسات النفسية غير المدعمة بالدليل والظواهر الخارقة والخرافات.
من أين نشأ الاعتقاد بنظريات المؤامرة؟
اقترح علماء النفس فرضيتين، تنص الفرضية الأولى على أن نظريات المؤامرة ليست إلا نواتج ثانوية للعمليات النفسية التطورية، فقد ميز علماء النفس التطوريون بين التكيفات (adaptations) والمنتجات الثانوية (by-products) كنتائج مختلفة للعمليات التطورية، إذ تُعَدُّ التكيفات حلولًا وظيفية لمشكلات البقاء والتكاثر التي تطورت عن طريق الانتقاء الطبيعي لأنها وفرت فرص بقاء أفضل من الحلول البديلة في بيئات الأسلاف، وفي المقابل، لا تعمل المنتجات الثانوية على حل المشكلات التكيفية وليس لها خصائص وظيفية ولكن تُنفذ جنبًا إلى جنب مع الآليات الأخرى التي لها ميزات تكيفية، فعلى سبيل المثال: يُعد تطور الحبل السري حلًا لمشكلة نقل المواد الغذائية من الأم إلى الجنين، أما صرة البطن فهي نتيجة ثانوية لهذا التكيف ولا تحمل أي وظيفة في حد ذاتها، وبالمثل قد يكون من الممكن أن تكون نظريات المؤامرة مجرد منتجات ثانوية لتطور العمليات النفسية أو الإدراكية.
أما الفرضية الثانية -والأكثر معقولية- تنص على أن الاعتقاد بنظريات المؤامرة يُعَدُّ سمة تكيفية للعقل البشري، فرضها العنف التحالفي -أي العنف الذي يرتكبه المتآمرون داخل الجماعات وفيما بينها- على أجدادنا فأصبحوا أكثر شكًا في احتمال وجود المؤامرات التي تحاك ضدهم، وهو ما سينتج عنه مجموعة من السلوكيات دفاعية كانت أم هجومية بهدف "البقاء".
ولكنْ حتى وإن كانت نظريات المؤامرة نتيجة تكيفية في زمان أجدادنا، فإن الاعتقاد بنظريات المؤامرة تفاقم وأصبح له عديد من العواقب الوخيمة؛ كرفض اللقاحات، والشك في تغير المناخ، والنزاع بين المجموعات، والعدوان والتطرف.
أشار بحث آخر إلى أن الأشخاص ينجذبون إلى نظريات المؤامرة لإرضاء الدوافع النفسية الاجتماعية المهمة التي يمكن وصفها بأنها: ١) معرفية (مثل الرغبة في الفهم واليقين الذاتي)، ٢) وجودية (كالرغبة في السيطرة والأمن)، ٣) اجتماعية (كالرغبة في الحفاظ على صورة إيجابية عن النفس أو المجموعة).
والآن لنفصل في كل واحدة من هذه الدوافع على حدة.
- الدوافع المعرفية:
على نحو عام، تعد التفسيرات المبررة تجريبيًّا والبسيطة أقوى وفقًا للمعايير المعيارية للتفسير السببي (كما في العلوم)، ومع ذلك يبدو أن نظريات المؤامرة توفر تفسيرات واسعة تسمح للناس بالحفاظ على معتقداتهم في مواجهة عدم اليقين والتناقض.
تماشيًّا مع هذا التحليل، تشير الأبحاث إلى أن الإيمان بنظريات المؤامرة يكون أقوى عندما يزداد الدافع لإيجاد معنى للأحداث في البيئة؛ بما في ذلك المؤمنون في الظواهر الخارقة، كما يبدو أيضًا أن الإيمان بهذه النظريات أقوى عندما تكون الأحداث كبيرة على نحو خاص وتترك الناس غير راضين عن التفسيرات البسيطة أو التي تفتقر إلى تفسيرات رسمية واضحة، وتشير الأبحاث أيضًا إلى أن الاعتقاد بالتآمر يكون أقوى عندما يشعر الأشخاص بالضيق نتيجة لعدم اليقين.
- الدوافع الوجودية:
- الدوافع الاجتماعية:
على الرغم من أن الناس ينجذبون بوضوح إلى نظريات المؤامرة عند إحباط دوافعهم الاجتماعية، فإنه ليس من الواضح على الإطلاق أن اعتماد هذه النظريات هو وسيلة مثمرة لتحقيق هذه الدوافع، فمن المعقول أن يكون الاعتقاد بالمؤامرات ليس فقط من أعراض مشاعر العزلة والشذوذ ولكن أيضًا سببًا لها.
المصادر:
1- هنا
2- هنا
3- هنا
4- هنا
5- هنا