الإجهاض...و متى يعتبر الجنين حياً ؟

إنت مع أو ضد الإجهاض؟

هل المهم هو رأيك الشخصي والا رأي دينك أو حكومتك أو تقاليد عائلتك أو.. أو...؟

من أكتر الأسئلة الحرجة اللي عم يواجها موضوع الإجهاض هو إيمتى فينا نعتبر الجنين برحم إمه صار كائن بشري وصار من حقه الحياة كأي انسان عادي، وشو هي المرحلة اللي بيتحول فيها الجنين لإنسان ومن حقها تعيش؟

أولاً ما هو الإجهاض؟

يعرف الإجهاض طبياً أنه انتهاء تلقائي للحمل أو إنهاؤه قبل أن يصبح الجنين قابلاً للحياة مستقلاً عن أمه خارج الرحم، أي قبل تمام 28 أسبوعاً من الحمل (1).

متى يكسب الجنين حقه في الحياة؟

ما بين مؤيد للإجهاض يرى في تطور الجنين مراحل محددة؛ قبلها لا يكون انساناً وبالتالي من الممكن إجهاضه، وآخر معارض يعتبر أنّ الجنين إنسان بدءاً من اللحظة التي يتم الإخصاب فيها.

وبين هذا وذاك، يتأرجح المسؤولون عن سَنّ القوانين المنظِّمة للإجهاض.

أي أن جوهر المشكلة هو السؤال "متى".. متى تبدأ الحياة التي تُسَن القوانين للحفاظ عليها وحمايتها من الموت/القتل العمد؟

فكرة غريبة:

حتى هذه اللحظة، لم يستطع الطب أو الفلسفة أو حتى الدين أن يحدّدوا المرحلة التطورية الأساسية لتحول الجنين إلى كائن بشري يملك حقه في الحياة.

لكن هذا الموضوع ليس مفاجئاً، فوجود لحظة محددة يتحول فيها الطفل إلى أنسان لم تكن موجودة قبل هذه اللحظة تُعدّ فكرة غريبة جداً.

كما أنّ النقاط التي اعتبرها السابقون مراحل تطورية تُكسب الطفل صفته كبشر هي لحظات اعتباطية وغير دقيقة بما فيه الكفاية لنقرّر على أساسها منح الجنين حقّه في الحياة من عدمه.

ومع ذلك، فمن الناحية العملية هنالك عدة قوانين تحدّد مراحل معينة من الحمل يكون بعدها الإجهاض لا قانونياً، وهذه القوانين قد تم اختيارها على أساس "قدرة الجنين على العيش".

ويقال بما أننا لا نعلم الوقت بدقة فعلينا أن نفترض أن المرحلة التي اخترناها هي المرحلة التي ستُحدث الضرر الأقل بالنسبة للجنين وتطوره.

لكن حتى لو اعتبرنا الجنين كائناً ليس بشرياً بعد، فهو لا زال يعتبر شيئاً مميزاً لدى العديد من الأشخاص والمجتمعات، وبالتالي لا يجب معاملته كشيء يتم التخلص منه بسهولة.

مراحل تطور الجنين:

تم تحديد العديد من النقاط التي تقترح أن وصول الجنين لها يكسبه حقه في الحياة، وهنا سنناقش هذه النقاط والنقد الموجه لها ولاختيارها دون غيرها.

1- الحمل Conception:

ينصّ التعليم الشفوي للكنيسة الكاثوليكية على أنّ الجنين هو روح منذ لحظة الإخصاب (fertilization) وتعامَل حياتُه باحترام على هذا الأساس، وهذا ما يفترضه معارضو الإجهاض.

من حيث نقاط القوة:

لحظة الإخصاب هي نقطة منطقية تماماً لتكون بداية للحياة البشرية.

هي واحدة من اللحظات القليلة غير الاعتباطية والحُكم فيها نهائي، فالبيضة إما أن تُلقَّح أو لا.

وبدءاً منها فإنّ هذه البيضة ستبدأ بالتطور لتعطي انساناً مستقلاً ومميزاً.

هي بداية عملية التطور والنضج اللتان لا تتوقفان حتى يموت الشخص طبيعياً أو يُقتل.

نقاط الضعف:

تحتوي البيضة الملقحة على كامل المعلومات الوراثية للإنسان، ولكن كل خلايا الجسم تحتوي الشيفرة الوراثية نفسه، وبالتالي فالمادة الوراثية لن تكون نقطةً للحُكم!

تحدد فقط الحياة البيولوجية للإنسان، وبالتالي المَقدرات الفكرية والعواطف وغيرها تبقى مبهمة في هذا الوقت، ولا تستخدم لصالح الإخصاب من حيث أن بعض الأشخاص يعتقدون أن الحياة البيولوجية للجنين ليست كافية لوحدها أن تمنحه حق الحياة.

2- التعشيش والانغراس Implementation:

وهي اللحظة التي تنغرس فيها البيضة الملقحة ضمن بطانة الرحم، وتحدث عادة بعد أسبوع من الإلقاح.

وهي فترة قابلة للتحديد، هل تم التعشيش أم لم يتم، لكننا لا نستطيع أن نحدد بدقة أن التعشيش سيتم في هذه اللحظة أو هذا اليوم حتماً، وبالتالي فهي اعتباطية لا يمكن الاعتماد عليها.

الإحياء أو الارْتِكاض quickening (يقصد به النشاط والتسارع):

وهي المرحلة التي يتحرك فيها الجنين لأول مرة داخل الرحم، وتحدث في الأسبوع 16 أو 17 بعد الإخصاب.

أتت هذه الفكرة من نظرية دينية المنشأ تم التخلي عنها حالياً، تقول بأنّ الجنين يكتسب روحه في هذه المرحلة، ويتم فيها التفريق بين الجنين الذي سكنته الروح والجنين الذي لم تسكنه الروح ولا زال دون تصنيفه كإنسان.

لكن طبياً، يتأثّر وقت التسارع بعوامل مدروسة وملموسة كعدد الحُمُول السابقة للأم.

نظرية أرسطو:

اقترح أرسطو أن الوقت اللازم لتحول الجنين إلى كائن بشري هو 40 يوماً للذكور، و90 يوماً للإناث.

وهي أوقات اعتباطية دون أي أساس، وحتماً فلا يوجد أي سبب مقنع يمنح حق الحياة للذكور والإناث بأوقات ومراحل مختلفة من التطور!

تفارُق أو انفصال الأنسجة:

وهي المرحلة التي تتمايز فيها أنسجة الجنين إلى أنواع مختلفة من الأنسجة، وهي تأخذ وقتاً طويلاً، لتمنح الجنين في النهاية شكلاً أقرب إلى المظهر البشري، ومن هنا نبدأ لا شعورياً بالتفكير بالجنين كـ كائن بشري مستقل يجب حمايته والحفاظ على حياته.

النشاط الدماغي:

بعض الأشخاص يرى بأنّ حياة الجنين تبدأ عندما تظهر أول علامة لفعالية الدماغ عنده.

وهي نقطة منطقية، حيث أنها تعد مرحلة ضرورية جداً للتعبير عن العديد من الخصائص المعنوية التي يجب أن يمتلكها الفرد من مشاعر وأفكار وغيرها.

لكن في الوقت ذاته، فإن فعالية الدماغ في هذه المرحلة ضعيفة جداً وغير قادرة على التحكم بوعي الجنين أو القيام بالوظائف التي تقوم بها عند الطفل المولود أو الآخذ بالنمو.

قدرة الجنين على الحياة:

هنا يرى مؤيّدو هذه الفكرة أنّ حياة الجنين تبدأ فعلياً- وبالتالي يعامَل كإنسان له الحق في الحياة- عندما يكون قادراً على الحياة خارج الرحم.

وهو المعيار الأكثر استخداماً في سَنّ القوانين المنظّمة للإجهاض.

أما مدى قدرة الجنين على الحياة خارج الرحم فيعتمد على ما يلي:

• درجة تطور العلوم الطبية.

• التسهيلات الطبية المتاحة في المنطقة التي ستتم الولادة فيها.

• كفاءة وجهوزيّة الأم للعناية بالمولود.

• جنس الجنين.

• عِرق الجنين.

ولكن من الخطأ أن يكون حق الجنين بالحياة مبنياً على أساس جنسه أو عرقه أو بناء على الأسباب الأخرى المذكورة فقط!

الولادة:

وهو كما يبدو وقت واضح ودقيق، لكن الخلاف ينشأ هنا من التحديد الدقيق لنقطة الولادة هل هي:

عندما يخرج جزء من الجنين فقط خارج جسم الأم؟

عندما يصبح كامل الجنين خارج جسم الأم؟

أم عندما يتم قطع الحبل السري وعلى الجنين أن يعتمد على مصادره الخاصة للحياة؟

بعض الناس يعتقدون أنه من الغرابة أن يتم التساؤل عن حق الجنين في الحياة بناء على وجوده داخل أو خارج الرحم.

لكنهم ينسون بنفس الوقت أهمية فكرة أن الجنين عند الولادة يبدأ بالاستقلال عن أمه نهائياً*.

كما رأينا فإنه من الصعب جداً تحديد نقطة دقيقة تمنح الجنين الحقّ في العيش، لكن من الملاحظ أنه كلما ازداد نمو وتطور الجنين، ازداد رفض الناس لفكرة الإجهاض، وازداد معه إعطاؤهم وزناً لحقوق الجنين أكثر من حقوق الأم (2).

وهلأ السؤال مرة تانية: إنتو مع الإجهاض أو ضده؟ وليش؟

*(أي أنّ التخلص منه في هذه الحالة لا يقع في خانة الإجهاض غير المشروع كونه لم يعد ضمن الرحم، فإذا اعتمدنا على هذا الرأي فكأنّنا نبيح الإجهاض طوال مدة بقاء الجنين في رحم الأم- توضيح من المدقّق).

المصادر:

1) الأستاذ الدكتور سميح أبو الراغب (2000- 2001)- الطب الشرعي وآداب الطب- كلية الطب، الجامعة الأردنية.

2) هنا

مصدر الصورة: vimeo