الطبيعة والعلوم البيئية > ورقو الأخضر شهر أيلول
رسالة إلى الكائنات المحبة للشوكولا
يدٌ هلاميّة امتدّت من النافذة إلى طاولتي تضعُ مغلّفًا ورقيًّا مع رنينٍ يوحي بأنّها رسالةُ بريد إلكتروني ثم اختفت.. كنتُ في أوّل نومي فتملّكني الخوف ولم أجرؤ على النهوض من سريري، لكنّني هوّنت الأمر على نفسي، وقلت: "على الأقل لا يمكن أن يكون عملًا آخر يحتاجُ تدقيقًا لغويًّا؛ هناك أمورٌ كثيرةٌ أهون من ضبط النصوص في العالم وربّما يكون هذا أحدها".. فتحت المغلّف ووجدت فيه الرسالة الآتية:
"إلى الباحثون السوريون:
لا يمكن أن أخفي سخطي الشديد من حملتكم الجريئة هذه من أجل بيئتكم وكوكبكم، ومن جميع النشاطات المشابهة لها، فكلّما أمعنتِ الكائناتُ البشرية في تدمير كوكبها الوحيد الصالح لحياتها؛ اندفعَ بعضُها ليحذّر من مخاطر ما تقترفه الأيادي المخرّبة التي أجلُّ وأحترم، بل إنّكم -وبجرأة نادرة- تقدّمون الحلول والمخارج، وتحثُّون الناس على فعلِ أيّ شيء!
رسالتي هذه لكل أبناء نوعكم:
لقد كانت الأمور تسير على ما يرام وأنا أراقب أنانيّتكم العجيبة على مدى العقود الأخيرة وما أنتجته من فوضى عارمة في النظام البيئي والمناخ، ولم أنسَ بعدُ الأخبار السارة عن "أشجار الكاكاو" التي تحتضر وتفنى، فأنتم كائنات تعشق "الشوكولا" ابنته المدللة، التي لم أجد طعمها مستساغًا قَط (إلا إذا اشتراها أصدقائي)، ولا أستبعد أن تنشأ بينكم حروب "الشوكولا" مستقبلًا؛ فأخبار الكاكاو الموثوقة تثلج صدري وتجعلني أرقص على ضربات طبول الاستهلاك التي تُقرع في داخل معظمكم وتستنزف كوكبكم.. وهذه بعضُها لعلَّ اليأس يبتلعكم جميعًا:
"تُسبِّب تقلبات المناخ نوبات جفافٍ شديدة تؤثر سلبًا على الغابات والزراعة عمومًا والكاكاو خصوصًا بوصفه حسّاسًا للجفاف، وتُظهرُ إحدى الداراسات أنَّ الجفاف سبّب ارتفاعًا في مُعدّل موت أشجار الكاكاو بنسبة (15٪)، وانخفاضًا حادًّا في محصول الكاكاو بنسبة (89٪)، وزيادةً في معدل الإصابة بالأمراض الفطريّة."
لم أكمل بعد؛ فهناك خبر أجمل بكثير:
"ينمو الكاكاو في مناطق محدّدة على جانبي خط الاستواء، ولأنَّ هذه المناطق بدأت تشهد تقلُّبات حراريّة كبيرة واختلافًا في المناخ، فسيكون مزارعو الكاكاو على موعدٍ مع انخفاضٍ هائلٍ في الإنتاج بحلول عام 2030."
لا يمكن حقيقةً أن أنتظرَ إلى عام 2030 لأرى مصيبتكم هذه، وأشهدَ نواحَكم على الشوكولا والماء والهواء، وأرى شعراءَكم لا يجدون مكانًا طبيعيًّا يشبّهون به محبوباتهم إلا جبال البلاستيك، يلقون قصائدهم وكماماتهم في أفواههم، وعلماءكم يعملون -كآلاتهم- بلا هوادة لحل مشكلات البيئة دون جدوى، ثم أرى أنَّ تهادي "الشوكولا" و"الورود" بين الأصدقاء والمحبين قد صار جزءًا من التراث..
وأنتم أيّها الباحثون السوريون:
كلُّ ما أحلم به أن تذهب جهودكم وجهود أمثالكم سدىً، ولو أنَّ كثيرًا من متابعكيم خيّب ظنّي وأنا أتابع تفاعلهم البنّاء وحماسهم الذي أثار غيظي؛ خلافًا لِما اعتدت من البشر، فأرجو أن ترتدعوا وتحوّلوا اهتمامكم إلى قضايا مغايرة كالأخبار المزيّفة ومنشورات الطب السحري والعلاجات الوهمية التي تعجّل في القضاء على البشر..
مع لهفتي وأشواقي إليكم:
صديقكم القادم: فناء البشر"
.. أنجزت القراءة وأنا أتصبَّب عرقًا، وضعت يدي على جبيني فصحوت! أدركت أنّه كابوس ثقيل.. لكنّني كنت أعرف أنّه مستمرٌّ بقوة في الواقع..
وبعد قليل وجدت رسالة في بريدي الإلكتروني تحمل ملفًّا للتدقيق اللغوي بعنوان "خطورة وساوس الكتَّاب على المجتمع" (هناك ما هو أسوأ دائمًا!).. فأعددت "الشوكولا الساخنة" كي أقوى على ضبطه..
المصادر: