علم النفس > القاعدة المعرفية
نظرية الدور الاجتماعي
إننا- بوصفنا أفراداً في مجتمعٍ ما- لا نتوقَّع من الآخرين التصرّفَ عشوائياً، بل نرسم توقُّعاتٍ لسلوك كلِّ فردٍ بناءً على الدور المسؤول عنه، ففي كلِّ موقفٍ يُتوقّع منا أن نتصرّف بطريقةٍ معينة إزاءه؛ مثال ذلك: شخصٌ قد يكون أباً، فيُتوقَّع منه أن يتصرَّف وفق سلوكياتٍ معينةٍ تناسب دورَه الأبوي، وهو نفسه في مواقف أخرى قد يكون معلّماً؛ وهكذا يُتوقّع منه أن يتصرّف بما يتناسب مع هذا الدور. ولذلك فإن وظيفة الأدوار الاجتماعية تكمن في توضيح هذه التوقّعات والمهام والمسؤوليّات المُناطة بالفرد داخل مجتمعٍ ما.
وبذلك يعني الدورُ الاجتماعي الدورَ الذي يؤدّيه الشخصُ ضمن الجماعة في مواقف معينة، ويتصرّف وفق ما هو متوقَّعٌ منه، وهذا الدور مُتغيِّرٌ ومتبدِّل، وتُعدُّ هذه الأدوار قواعدَ أو قوانينَ أو معاييرَ للسلوك غير مكتوبةٍ وإنما مُتّفقٌ عليها.
على سبيل المثال: يُتوقَّع من الطالب أن يحضر في الوقت المناسب وأن يؤدّي واجباته، فالأدوار تُعَدُّ ضروريةً للمجتمع لأنه من الصعب أن نتخيَّل مجتمعاً يتصرّف أفرادُه بعشوائيةٍ خاليةٍ من الأدوار وتوزيعها.
- ما مصدر هذه الأدوار الاجتماعية أو هذه القوالب النمطية؟
تأتي هذه الأدوار من خلال ملاحظة الإنسان لسلوك كلا الجنسين (سواءً المختلف منه أو المتشابه)، وبدايةً مع الاختلافات الجنسية الجسدية للإنسان؛ كالقوّة البدنية والحجم لدى الرجل مقارنةً مع القدرة الإنجابية للمرأة وما يلحق بها من اهتمامٍ ورعاية. وهنا تتدخَّل هذه الملاحظات أو الحقائق في وضع معاييرَ أو قوالبَ ثقافيةٍ لكلا الجنسين بما يتناسب مع ما لُوحِظ من سمات الشخصية والمهارات والقدرات. ويؤدّي الأفرادُ أدوارَهم الاجتماعية عن طريق تبنِّيهم لأدوارهم الجنسية، وتساهم التنشئة الاجتماعية في تعزيز الأدوار الجنسية على نحو يجعل الفرد يعمل على تطوير سمات شخصيته ومهاراته بما يتوافق مع دوره الجنسي.
ومن ثمَّ تصبح المعادلة كالآتي:
ملاحظة حقائق اختلاف الجنسين من النواحي الجسدية والفيزيولوجية + تنشئة اجتماعية بناءً على الأدوار الجنسية المختلفة (التي تتناسب مع الاختلاف الجنسي الجسدي) = مراقبة ذاتية + مراقبة اجتماعية = تفعيل الدور الاجتماعي بما يتناسب مع الدور الجنسي من قِبَل الفرد نفسه.
وبذلك تكون هذه المعادلة تعريفاً لما يُسمّى نظرية الدور الاجتماعي.
وهنا نعرِّف نظريةَ الدور الاجتماعي بأنَّها نظريةٌ نفسيةٌ اجتماعيةٌ تتعلَّق بالاختلافات والتشابهات بين الجنسين، والأدوار المجتمعية التي يحصل عليها كلٌّ منهم بناءً على جنسه، ومن خلالها تُوزَّع المهام والأعمال لكلٍّ من النساء والرجال.
نجمٌ رياضي، قائد مدرسة، طالبٌ لامع، الطالب الأكثر شعبية:
في دراسة أُجريت على طلاب الثانوية؛ وُجد أنَّ عدد الطلاب الذكور الذين رغبوا في أن يُذكَروا على أنَّهم نجم رياضي أكثرُ من الإناث الذي فضَّلوا أن يُذكروا على أنَّهن قائد مدرسة، 9% من الفتيات ذُكرن على أنَّهن نجم رياضي مقابل 39% من الفتيان.
وفي دراسة أُجريت في رياض الأطفال؛ وُجد أنَّ الأولاد الذكور كانوا أكثرَ اعتقاداً بأنَّهم يجيدون الرياضة من الفتيات الصغيرات، وأنهم أكثرُ استمتاعاً بها.
كما ذكرنا؛ تساعد القواعد والأدوار على تحديد السلوك الواجب الإتيان به ليناسبَ توقّعاتِ الآخرين داخلَ مجتمعٍ ما، وتُقسَم هذه الأدوار إلى قسمين:
- قِسمٌ يساعد على وصفِ الأدوار؛ ومن ثمَّ يَعرِفُ كلُّ شخصٍ دورَه وسلوكيّاته في مواقفَ معيّنة مثلاً: (ماذا يجب أن يرتدي الذكرُ عموماً في حفلة شواء؟)، وفي حال حِيدَ عن هذه الأدوار؛ فقد يكون الأمرُ مُستهجَناً أو مفاجِئاً، وقد يؤدّي إلى النفور الاجتماعي.
- قِسمٌ يعدُّ الأدوار على أنها مبادئُ توجيهيةٌ إلزاميةٌ مثل: (الرجال يجب أن يؤمّنوا الطعامَ وحاجات العائلة الأساسية)، ويؤدي عدم الالتزام بهذه المبادئ في المجتمع إلى الرفض التامِّ أو العار.
ووفقاً لنظريةِ الدور الاجتماعي؛ فقد وُزّعت الأعمالُ على النساء والرجال بناءً على سماتهم الجسدية وخصائصهم، فكانت للرجال الأعمالُ التي تتطلّب السرعة والقوّة والقدرة على الابتعاد عن المنزل فتراتٍ زمنية طويلة، وكانت للنساء بوصفهن المسؤولات عن الإنجاب الأعمالُ التي تتطلّب البقاءَ في المنزل أو الجوار، ومنها تطوّرت التوقعاتُ عن كلا الجنسين.
ينتَهِكُ اليوم عددٌ كبيرٌ من النساء والرجال الصورَ النمطية لأدوارهم؛ إذ بدأت الأنظارُ تتوجّه نحو الأدوار -بحدِّ ذاتها- بعيداً عن الصفات الوراثية الجنسية. وبذلك أصبحت النساءُ أكثر توجُّهاً إلى الحصول على مهنة، وغَدَا للرجال نصيبٌ أكبر من أعمال الرعاية المنزلية.
أُجريت ثلاث دراساتٍ تجريبيةٍ هدفُها التحقّق من أنَّ تنشيط الأدوار الاجتماعية المختلفة قد يؤثّرُ في الخيارات المالية للمُستهلِكين من الأفراد. عُمِل في هذه الدراسات مع ثلاث مجموعاتٍ تمثّل أدواراً اجتماعيةً مختلفة. الأولى مجموعةٌ من النساء في أدوارٍ اجتماعيةٍ غير تقليدية (مهنية)، والثانية مجموعةٌ من النساء في أدوارٍ اجتماعيةٍ تقليدية (ربّة منزل)، والثالثة مجموعةٌ حيادية. وأظهرت النتائج ما يأتي:
- الأولى: تفعيلُ دور المرأة الاجتماعي غير التقليدي زاد من مَيلِها إلى الاستثمار، وساهم في تراجع ميلِها إلى توفير المال مقارنةً بتفعيل دور المرأة التقليدي أو المحايد.
- الثانية: تفعيلُ دور المرأة غير التقليدي زاد من ميلها إلى إنفاق الأموال على المنتجات والخدمات ذات الاستخدامِ الفردي، وحدَّ من الميلِ إلى استخدام السلع والخدمات ذات الاستخدام الجماعي (التي تُقاسَمُ مع أفراد الأسرة).
- الثالثة: والتي لها علاقةٌ باستخدام الإعلانات لصالح الأدوار الاجتماعية؛ بالغت النساءُ اللواتي شاهدْنَ إعلاناً لمُنتَج -تعرِضُه امرأةٌ ذاتُ دورٍ اجتماعيٍّ غيرِ تقليديٍّ- في تقدير جودةِ المنتجِ ولونِه وسعرِه مقارنةً بالمنتج الذي تعرضُه امرأةٌ ذاتُ دورٍ اجتماعيٍّ تقليدي.
إنَّنا نتصرّف وفقاً لما يتوافقُ مع أدوارنا، ونبتعدُ عمّا يُخالِفُ هذه الأدوار، ولكن إلى أيِّ مدىً سوف نصلُ في موافقةِ هذه الأدوار؟
المصادر:
1- هنا
2- هنا
3- هنا
4- هنا
5- هنا