كتاب > روايات ومقالات
مراجعة رواية (الحارس في حقل الشوفان): ملامح مرحلة المراهقة
رواية (الحارس في حقل الشوفان) أحد أعمال الكاتب الأمريكي (جيروم سالنجر) التي صدرت عام 1951، ويدور محور هذا العمل حول فكرة "نبذ الزيف" ويظهر فيها المراهق (هولدن كولفيد) في مرحلة التعليم الثانوي وهو يذم ويتمرَّد على كل شيء من حوله، بدايةً من تفاصيل حياته في المدرسة ونهايةً بذمِّ ثقافة المجتمع وطرق تعامل البشر فيما بينهم، ونتيجةً لهذا يرفض هذا الشاب الغاضب أن يؤدي مهماته الدراسية ليتوَّج نفسه بمستقبل ناجح كما يسعى الجميع، ويتجنَّب الاختلاط بزملائه مستنكرًا تصرفاتهم والقواعد الاجتماعية التي بُنيت عليها حياتهم، ممَّا يؤدي إلى نتيجة مكررة ألا وهي قرار الفصل من إدارة المدرسة بحق (هولدن كولفيد).
ويذهب (هولدن) مُلبيًا دعوة أحد مدرسيه الذي أراد تقديم النصح له لإصلاحِ حاله، وعلى الرغم من هذا لم يكن بإمكان المدرس تغيير أية فكرة لدى هولدن سوى تذكيره بالصورة المستقبلية السوداء التي تنتظره، ويضطر بعدها لترك المدرسة والاتجاه إلى أحد الفنادق مُستعينًا بما جمعه من مال حصل عليه من جدته ومن بيعه للآلة الكاتبة من أجل قضاء الفترة المُتبقية لقضاء إجازته المحصورة بخمسة أيام فيما لو لم يتعرض للطرد، ولكن الخمس أيام تلك جعلت (هولند) يشعر بكمٍّ هائل من الوحدة، وهذا الأمر دفعه للذهاب إلى ملاهٍ ليلية علَّه يلتقي بأحد ما، ولقد نجح المخطَّط، فقد خرج مع صديقة قديمة تُدعى (سالي) صادفها هناك، وكان قد التقى بها سابقًا في إحدى المدارس القديمة التي تعرَّض للطرد منها أيضًا، ولكنَّ محاولاته جميعها للخروج من حالة الغضب تلك باءت بالفشل؛ هذا لأنه -ومهما حاول- فإنَّ ذلك "الزيف" الذي تدور حوله الرواية سيكون ظاهرًا أمامه، وهذا تبعًا لحديث الناس من حوله وأفعالهم.
ويستمر (هولدن) بمحاربة وحدته التي تدفعه في كثير من الأحيان إلى التفكير بالاتصال بأحد ما، ولكن يحكم على الأمر بالفشل حينما تغزوه حقيقة أن لا أحد هناك ليتصل به، ليذهب بعيدًا بتفكيره عن عدد الحقيقيين وليس الزائفين في هذا العالم، وعلى الرغم من محاولات المراهق (هولدن) كلها يجد نفسه مرغمًا على العودة إلى منزله قبل الموعد المحدَّد له، ليتبع طريقة التسلل من أجل رؤية أحب الناس إليه في هذا العالم؛ أخته الصغيرة، ويستمر بالمماطلة باتباع المنهج ذاته وهو يفكر كمراهق في أثناء هذا بالسفر بعيدًا بأنه ربما يبني كوخًا صغيرًا في وسط الغابة لبُعده عن أيِّ بشري، وإذا ما أراد أحد زيارته فعليه أن يبتعد عن كل تصنُّع، ليعود أخيرًا بعد انتهاء غزو الأفكار هذه إلى البداية مع دائرة الحياة.
وبالإضافة إلى فكرة الرواية التي تتناول حالة المراهقة والوحدة واليأس والتقلُّبات النفسية التي يعيش بها المرء، لا بدَّ من التطرق إلى الأسلوب الذي كانت له سمته الخاصة عن طريق وصف أبعاد الأحداث كلها والأفكار كلها والنقاط المتعلقة به، لتظهر العلاقات الإنسانية والحواجز التي تنتهي بنا إلى الوصول إلى علاقات نقية صافية، وإظهار التشتت الفكري الذي كان قد أصاب الشخصية الرئيسية عدة مرات والتي تمثِّل مرحلة المراهقة، والفرق فيما بينه وبين الشخصيات الفرعية الأخرى التي كانت قد نجحت بالانسجام مع المجتمع ولو بنسب مختلفة، مع الاهتمام بالأعراض الجانبية التي تُرافق ظاهرة الاستقصاء عن المجتمع، بما فيها من وحدة شديدة وعدم مبالاة مبالغ بها، والنزاع الحاصل فيما بين هذه الظاهرة وفيما بين نزعة الإنسان الاجتماعية، وإخضاع كامل منطق التفكير في عمر شخصية الرواية الأساسية أخيرًا.
وممَّا يميِّز طرح هذا العمل كونه حافظ على أسلوب سهل وعميق في آنٍ واحد، ومُفعمًا بالمشاعر لدرجة تسهِّل أمر مخاطبة القارئ مباشرةً، وبعيدًاعن استخدام أيِّ حشو وتفاصيل زائدة لا لزوم لها قد تضفي على القصة شيء من الملل.
وتبعًا لهذه الخواص في العمل، فرواية (الحارس في حقل الشوفان) تُعدُّ عملًا أدبيًّا ذا بُعدٍ فلسفي يحاكي قضية مهمة قلَّما يُتطرَّق لها، لتكون بهذا أحد أنجح أعمال الكاتب الذي كان قد أسقط كثيرًا من ذاته في شخصية هولدن.
معلومات الكتاب:
سالنجر،جيروم. الحارس في حقل الشوفان. المترجم: غالب هلسا. دمشق: دار المدى للثقافة والنشر، ط1، 2007.