علم النفس > الصحة النفسية
الاكتئاب: إضاءةُ زواياه المظلمة(العلاج المعرفي؛ إعادة إعمار الأفكار)
طُوِّر العلاج المعرفي (Cognitive therapy) في خلال ستينيات 1960s القرن الماضي بوصفه وسيلةً بديلة لعلاج الاكتئاب، ويُعدُّ عمليةً علاجية تمكِّن المرضى من تصحيح معتقداتهم الخاطئة التي قد تؤدي إلى حالات مزاجية وسلوكيات سلبية؛ إذ ينطلق العلاج المعرفي من افتراض أساسي بأن الأفكار تسبق المزاج أو أن الأفكار تؤثر في المزاج "thoughts influence moods"؛ ولذلك فإن تعلم استبدال الأفكار السلبية بأفكار صحية سوف يحسن كلًّا من مزاج الشخص ومفهومه لذاته ( self-concept) وسلوكه وحالته الجسدية.
أظهرت الدراسات أن العلاج المعرفي يفيد على الأقل مثلما تفيد الأدوية المضادة للاكتئاب في حالات الاكتئاب من الخفيفة إلى المتوسطة. في حين يشكل الجمع بين العلاج المعرفي والأدوية المضادة للاكتئاب علاجًا ناجحًا في حالة الاكتئاب الحاد أو المزمن.
إضافة إلى ذلك، فقد أثبت فائدتَه في معالجة المرضى الذين يملكون استجابةً جزئية فقط للمعالجة بمضادات الاكتئاب المناسبة، وثبُت أن العلاج المعرفي يقلل من معدلات الانتكاس لدى مرضى الاكتئاب، إضافة إلى فعاليته في العلاج الفعّال للمراهقين المصابين بالاكتئاب.
ولكن، ما الآلية التي يعمل بها العلاج السلوكي المعرفي؟
ما يُبقي الاكتئاب هو أفكار سلبية مستمرة تدعى هذه الأفكار بالأفكار التلقائية؛ (automatic thoughts) وهذا يعني أنها تحدث دون جهد واعي، وقد يملك المصاب بالاكتئاب أفكارًا تلقائية مثل:
"أنا دائمًا أفشل في كل شيء"، "مُقدّرٌ لي بأن أكون تعيسًا"، "أنا أسوء شخص في العالم"
ففي أثناء العلاج المعرفي يتعلم الشخص أن يتعرف إلى الأفكار التلقائية ويصححها. هنا
ويساعد المعالج النفسي المريضَ عن طريق خطوات عدة: أولًا؛ يتقبل المريض بأن بعضًا من إدراكه وتفسيراته للواقع قد تكون خاطئة (بسبب تجربة ماضية أو لأسباب وراثية أو بيولوجية) وأن هذه التفسيرات تقود إلى أفكار سلبية، ومن ثم يتعلم المريض أن يتعرف الأفكار السلبية (التلقائية أو السطحية) ويكتشف أفكارًا بديلة تعكس الواقع بطريقة أدق؛ إذ يقرر المريض داخليًّا ما إذا كان الدليل يدعم الفكرة السلبية أو الفكرة البديلة.
من الناحية المثالية؛ سيتعرّف المريض التفكيرَ المشوّه ويعيد صياغةَ الحالة، وفي أثناء تقدم العلاج المعرفي يُركز أكثر على إعادة صياغة المعتقدات الراسخة أو الأساسية عن نفسه والعالم.
وهذا ما يدعى أيضًا بإعادة البنى المعرفية (Cognitive restructuring) التي تشير إلى عملية في العلاج السلوكي المعرفي (CBT) لتعريف الأفكار السلبية غير الدقيقة التي تساهم في تطور الاكتئاب وتغييرها، ويُؤدى هذا العلاج على نحو تعاونيّ بين المريض والمعالج النفسي في صيغة حوارغالبًا.
قد تستيقظ صباحًا وتتساءل: "ما المغزى من المحاولة؟"، لكن مع العلاج المعرفي سوف تتعلم أن تخبر نفسك: "هذه ليست فكرة مفيدة، لا بُدَّ أن تأدية مجهودٍ سيكون له كثيرٌ من النتائج الجيدة، سوف أبدأ بالنهوض من السرير"
سيعمل معالجك النفسي معك لوضع أهداف للعلاج؛ كالوصول إلى شعور أقل بالاكتئاب أو الامتناع عن العودة إلى الكحول، وغالبًا لن تمضي كثيرًا من الوقت في التركيز على ماضيك أو صفاتك الشخصية، وبدلًا من ذلك؛ سوف يساعدك المعالج النفسي على فهم ما تفكر أو تشعر به الآن وكيفية تغييره.
"إنها ليست قوة التفكير الإيجابي" تقول (Judith S. Beck) مديرة مؤسسة (Beck) للعلاج المعرفي: "إنها قوة التفكير المنطقي؛ إذ يجد الناس بأنهم غالبًا ما يشعرون شعورًا أفضل عندما يفكرون على نحو منطقيّ أكثر"
في الختام لنا أن نقول: لا تسمح لأفكار الاكتئاب الخاطئة أن تسلبك حقَّ الحياة، وتذكر أن التوجه إلى المعالج النفسي المختص علميًّا قد يعيد إليك حياتك التي يحاول الاكتئاب سلبها.
المصادر:
1- هنا
2- هنا
3- هنا
4- هنا