الموسيقا > سلسلة نظريات الموسيقا والهارموني
الموسيقا ....تطور سيمفونية الألوان فنياً وعملياً من وجهة نظر فلسفية 1
في الأصل، كانت الأعمال الفنية جزءاً لا يتجزأ من سياق الطقوس السحرية في البداية، ثم الطقوس الدينية التي منحتها هالةً من الروحانية والانتماء إلى عالم العبادة أحياناً؛ وربما كانت الحضارة اليونانية رائدة في المجال الثقافي، إذ اكتسبت الأنشطة الفنية تصوراً خاصاً وتداخلا كبيراً مع الموسيقا؛ بوصفها وسيلة شاعرية يصعب علينا إنكار دورها في زيادة القيمة الفنية لأي عمل كان.
فبين الإنسانية والنهضة تبرز العلاقة بين الفن والفلسفة على العديد من المستويات.
ينبع هذا المقال من الحاجة إلى تطوير وجهة نظر تفسيرية عن الكتابة الموسيقية؛ إذ لا بد من تحليل الموضوع وفقًا لبعض الإحداثيات المكانية والزمانية التي تعود بدورها إلى الملاحظات الفلسفية والفنية، وسيُجرى مناقشة هذه الفكرة في ضوء عدة أجزاء.
الموسيقا بوصفها فناً!
تتجسد في السيمفونية الخامسة لبيتهوفن ضمن تحفة والت ديزني الشهيرة (فانتازيا 2000)كأطفال نخال أجنحةَ الرسوم المتحركة الخلابة مرشوشةً بمسحوق سحري؛ لكن بالتأكيد هذا النوع من الجمال ناتج عن إلهام الموسيقا للعديد من الصور، مجسدة إياها في قالب عميق.
إذ أنّ تحويل الموسيقا إلى صورة يعطي مساحة مرئية للصوت، وهو لا يقتصر على الصوت الفردي فحسب، بل يبرز التناوب والتعاقب في الأحداث الصوتية معاً، مما يجعلها تتبلور عن طريق حركة التحول المستمر التي تتناوب بين الوجود وعدم الوجود.
ترجمة الصوت إلى صور: وهو ما يمكن تسميته "فن رسم الموسيقا" ذي الجذور العميقة في المجال العاطفي. و هذا الفن يملك القدرة على توسيع حدود الخيال، وتضخيم فكرتنا العاطفية للموسيقا، إذ إن المراسلات الطبيعية بين المشاعر والتعبير الموسيقي هي موضوع منتشر على نحو شائع، وتراث جماعي لهؤلاء الذين يحبون ويستمعون ويصنعون الموسيقا، والذي يُعَد معياراً لتقييم الذوق الشخصي في علم الجمال الموسيقي، مما يدفع كل واحد منا إلى التعبير عن التفضيلات المحتملة للنوع والأسلوب والأداة وما إلى ذلك.
تتعايش الانطباعات البصرية مصورةً الحقائق الموسيقية في تعايش كوني، إذ يتقلب دور الرسامين والموسيقيين في حوار مثمر، ففي حين يعمل العديد من الفنانين على تحويل ألوانهم وتصوراتهم إلى أحداثٍ صوتية مجسدة بأغانٍ وسمفونيات، يجري البعض الآخر ترجمة العديد من الأعمال الموسيقية وتحويلها إلى عناصر تصويرية (خطوط وألوان).
يكتسب اللون سماكة وأهمية في الرسم وكذلك في الموسيقا، وقبل كل شيء في جرس الصوت، في حين ينتج كل لون تأثيرًا نفسيًا لدى المتلقي من الجاذبية إلى التشتت، ومن التركيز إلى الغرابة، ومن السكون إلى الديناميكية.
بناءً على ما ذكر، يشرح الرسام الروسي " Kandinskij" في كتابه "النظرية التوافقية" للألوان: عن تقريبه البرمجي للألوان مع آلات و رموز موسيقية معينة: فيرى أن الأصفر يمثل البوق، والأزرق الفاتح يوحي بالفلوت، والأبيض يعبر عن استراحة إبداعية ويرمز إلى الصمت الكامل للإمكانيات التعبيرية الجديدة.
وهنا يكون المفتاح لفهم هذا النظام اللوني هو استيعاب الأحداث والأحاسيس المتفشية في داخلنا، والتي تعرض نفسها كظلال نحو الخارج، ولعل الازدواجية الخارجية الداخلية هي التي تجعلنا ندرك الأهمية المادية للوصول إلى حواسنا وروحانية الشكل واللون في الهيمنة المجردة، فتنقلب قوة اللون النابض الخالية من التكييف لتهتز في ثنايا الجلد مسببة تلك القشعريرة…. ليكتب كاندينسكي في الفن الروحي : "اللون هو المفتاح، والعين هي المطرقة….، والروح هي البيانو مع العديد من السلاسل التي تجعل الفنان يداً تضع الروح البشرية في اهتزاز مناسب متأثرة بعملية لمس هذا الزر أو ذاك …"
فنجد أن اللوحة كقطعة موسيقية يجب أن يكون لها حياة مستقلة، تعيشها وتتألق مع ضوئها الخاص، وليس مجرد وظيفة وصفية، وإنما مخرج لذات الفنان، وإنشاء لديناميكية مستقلة من الأصوات الموسيقية ليشمل ذلك المزيج اللوني الموسيقي مساراً ثنائياً يجب أن نسافر به بين التراكبية والتنافر أحياناً؛ لنضفي على هذا النظام طابعاً مرئياً تارةً يرتبط بوعينا، ومخفياً تارة أخرى نابعاً من اللاوعي البشري.
المصادر:
1- هنا
2- هنا
3- هنا
4- هنا
5- هنا