الطبيعة والعلوم البيئية > زراعة
حرائق الغابات مجدداً!
التهمت الحرائق التي حدثت مؤخراً مساحاتٍ كبيرة من غاباتنا في وقتٍ قصيرٍ، وهدَّدت حياةَ السكان في بعض المناطق مستعينةً بظروفٍ جويةٍ مناسبةٍ لانتشارها من رطوبة متدنية وارتفاع درجات الحرارة ورياح شديدة السرعة؛ الأمر الذي تطلَّب جهوداً كبيرة وجاهزية دائمة من العاملين في مجال إخماد الحرائق في ضوء صعوباتِ تأمين المتطلبات اللازمة لمواجهتها وإخمادها.
ولعلَّ أشدَّ ما يؤسفنا في منظمة (الباحثون السوريون) أن تجتاح غاباتنا الجميلة هذه الكارثة البيئية تزامناً مع حملتنا التي انطلقت مؤخراً بعنوان (ورقو الأخضر شهر أيلول) والمستمرة دائماً لحماية الغطاء النباتي أينما كان، لا سيما أننا ندرك حاجة الغابات المتضرِّرة إلى عشرات السنين لتُرمِّم نفسَها إذا لم تمتدّ يدُ الإنسان لتعبث باستقرارها.
لذا نستمرُّ في مقالنا اليوم بتوضيح أهمِّ الأسباب المُمكنة لاندلاع هذه الحرائق التي باتت تتكرَّر على نحو شبه سنويٍّ على اختلاف أسبابها وشدَّتها.
تُسهمُ الكثافة العالية لمعظم الغابات الحراجية في (زيادة الوقود الطبيعي) حيث تتشابك تيجان الأشجار بعضها مع بعض وتزيد كثافة الطبقة السفلى من الشجيرات والأعشاب من خطورة الحرائق ومن سرعة انتشار النار، ثم إن موقع معظم الغابات في مناطق جبليةٍ ذات درجة ميل كبيرة - جبال شاهقة وسفوح شديدة الانحدار - يزيد خطورة النار حيث تنتشر بسرعة أعلى، إضافةً إلى صعوبة شقِّ الطرق وخطوط النار؛ وبذلك صعوبة وصول الآليات والعمال إلى مواقع الحرائق.
ويزيدُ التداخل مع الأراضي الزراعية من احتمال تعرُّض الغابات للحرائق نتيجةً للنشاطات السكانية المختلفة في أثناء إجرائهم الأعمال الزراعيّة وخاصةً عملية التخلص من بقايا تقليم الأشجار (التحريق الزراعي) وحرق مخلَّفات المحاصيل الزراعية؛ الأمر الذي يمكن أن يؤدّي إلى انتقال الحرائق إلى الغابات المجاورة لها، وأيضاً يُؤثِّر المناخُ المتوسطيُّ شبه الجاف صيفاً وامتداد فترة الانحباس المطري الطويل من نهاية آذار (مارس) وحتى نهاية تشرين الأول (أكتوبر) أي سبعة أشهر، أو حتى شهر كانون الأول (ديسمبر) في بعض الأعوام. وتُعدُّ أشهر (آب، أيلول، تشرين الأول) أصعبَ فترةٍ زمنيّةٍ لحرائق الغابات بسبب هبوب الرياح الشرقية الجافَّة الشديدة السرعة التي تؤدّي إلى انتشار النار بسرعة وصعوبة السيطرة عليها وخطورة العمل على إخمادها.
إضافةً إلى عوامل الإهمال والتفحيم والحرائق المفتعلة التي تُشكِّل خطورةً على غاباتنا وتزيد فرصَ تعرضها للحرائق. ويمكن العمل على التخفيف من آثار هذه الأسباب باتخاذ الإجراءات الآتية:
1- إقامة أحزمة عازلة لفصل الأراضي الزراعية عن المواقع الحراجية وزراعتها بأشجارٍ عريضات الأوراق وخاصة المواقع الزراعية الكبيرة الملاصقة للغابات والمجاورة للتجمعات السكانية، وتوعية الفلاحين بالاستعاضة عن حرق بقايا التقليم والنباتات والأعشاب في حقولهم بطمر هذه البقايا للاستفادة منها سماداً؛ مما يقلل من خطورة نشوب الحرائق وانتقالها إلى الغابات المجاورة لتلك الأراضي.
2- تحديد المواقع التي يُمكن ارتيادها من زُوَّار الغابات عن طريق تهيئة بِنيةٍ تحتيَّةٍ خدميَّةٍ بسيطة، إضافة إلى إيلاء السياحة البيئية الدورَ الأكبر عن طريق تحديد مواقع لها واستثمارها من جهات معينة (عامة، خاصة) وفق قوانين خاصة ومدة محدودة ووفق شروط تأخذ بعين النظر الحفاظ على الغابات وحمايتها.
3- توعية السكان بأهميَّة الحفاظ على الغابات عن طريق توزيع نشراتٍ وملصقاتٍ إعلاميَّة بالاستعانة بالإعلام المسموع والمرئيّ الذي يُؤثِّر بفعاليةٍ في هذا المجال.
4- تنظيف النباتات والأعشاب كافة وإزالتها تحت شبكة التوتُّر العالي والمتوسِّط وتحت المحوِّلات الكهربائيّة، وإمكانيَّة استبدالها أسلاكاً معزولة وخاصة في الغابات الصنوبرية ذات الحساسيَّة العالية للحرائق.
5- زيادة الحراسة الليليَّة ومراقبة السيارات والآليات التي تدخل إلى مناطق الغابات، ومنع دخول أية آلية إلى عمق الغابة للحدِّ من الحرائق المُفتعلة والمقصودة، وهو النوع الأخطر من الحرائق لصعوبة ضبطه ومنعه.
6- وضع خطة متكاملة للحدِّ من ظاهرة التفحيم والتعدِّي على الغابات؛ وذلك عن طريق إيجاد البدائل للسكان المحليِّين القاطنين في تلك الغابات والذين يعتمدون على التفحيم مصدرَ دخل؛ منها: فرص عمل، مشاريع متوسِّطة الدخل.
7ـ إبعاد مكبَّات القمامة عن الغابات، والحدّ من الصيد والرعي.
وتُوصي وزارة الزراعة دائماً باتباع إجراءاتٍ وقائيّةٍ للحدِّ من الحرائق، تتلخّص بما يأتي:
1- ترميم الطرق الحراجيّة وخطوط النار المنتشرة في المواقع الحراجيّة والغابات، لتكون تلك الطرق سالكة لمرور صهاريج الإطفاء والآليَّات الأخرى للدخول إلى أية نقطةٍ ضمن تلك المواقع الحراجيَّة عند حدوث حريقٍ فيها.
2- دعم مراكز حماية الغابات بأعدادٍ إضافيةٍ من العمال الموسميِّين في موسم الحرائق، وتشكيل عدد من فرق التدخُّل السريع ومجموعات الإخماد في المناطق الحراجيّة ذات الخطورة المرتفعة والمناطق البعيدة عن مراكز الإطفاء، مَهمَّتها الأساسيّة احتواء النار ريثما تصل الإمكانيّات من مراكز الإطفاء إلى موقع الحريق.
3- توزيع صهاريج الإطفاء على المواقع الحراجيَّة وحسب أهميَّة كل موقع، وتوزيع الآليات الهندسيّة في مواقع الغابات بحيث تنفِّذ خطة الترميم والشق المقررة إضافة إلى أفضلية أعمال الاستصلاح للأراضي الزراعية المجاورة للغابات في فصل الصيف (ذروة حدوث الحرائق)؛ وذلك للاستفادة منها في إخماد أي حريق يحدث في تلك المواقع.
4- تجهيز أبراج مراقبة الحرائق بجميع مستلزماتها وتعيين عمال ذوي خبرة على تلك الأبراج.
5- الاستعانة بوسائل أخرى كالجرَّارات مع مقطورات مياه مزوَّدة بمضخَّات لتستخدمها الفرق الميدانيّة في بعض المواقع البعيدة لإطفاء الحرائق.
6- تزويد فرق الإطفاء بمضخَّات ظهريَّة لاستخدامها في مواقع يصعُب وصول الآليّات إليها، ولها فاعلية كبيرة في بداية الحريق.
أيّاً كانت أسباب الحريق؛ تبقى نتيجته الرماديَّة ماثلةً سنوات وسنوات أمام أعيننا لتذكِّرنا بحجم الخسارة ولتؤكِّد أهميَّة الوقاية والوعي بثروةٍ طبيعيةٍ قد لا ندرك ضرورتها إلا بعد فقدانها.
المصدر:
دائرة حراج اللاذقية