كتاب > الكتب الأدبية والفكرية
مراجعة كتاب (اعترافات قاتل اقتصادي): ديون العالم الثالث بين الرصاص والنفط
"وظيفتي أن أشجع زعماء العالم على الوقوع في شرك قروض تؤمن ولاءهم، بهذا يمكننا ابتزازهم متى شئنا لتأمين حاجاتنا السياسية والاقتصادية والعسكرية مقابل ذلك يمكنهم دعم أوضاعهم السياسية بجلب حدائق صناعية ومحطات كهربائية ومطارات لشعوبهم فيغدو أصحاب شركات الهندسة الأميركية أثرياء بصورة خرافية."
كانت هذه وظيفة الأميركي (جون بيركنز) مدة سنوات قبل أن يُقدِّم استقالته ويقرر بجرأة كشف ما ليس من مصلحة بلاده إيضاحه؛ إذ يتحدث الكتاب عن أربع محطات أساسية حاول فيها القتلة الاقتصاديون إبرام أهم الصفقات في كلٍّ من بنما والسعودية وإيران وفنزويلا، وكيف سارت الأمور حينها.
ويعرّّف الكاتب القتلة الاقتصاديون أنَّهم أشخاص تجنِّدهم الحكومة تجنيدًا غير مباشر؛ إذ إنَّهم يعملون ضمن شركات خاصة ويتقاضون رواتبهم من القطاع الخاص، فإذا انكشفت أعمالهم القذرة وقعَ اللوم على جشع الشركات لا على سياسة الحكومة.
وتكمن مهمتهم في التوجه إلى البلد المطلوب وإجراء تنبؤات عن آثار استثمار مليارات الدولارات في مشاريع إنمائية وبعد اقناع الزعماء بها، يُتوجَّه إلى صندوق النقد الدولي لإقراض الحكومات أموالًا لتنفيذ تلك المشاريع على أيدي شركات أميركية، وعندما تصبح الدولة غارقة في الدين وعاجزة عن سداده تغدو في حالة تبعية مالية طويلة الأمد ويتبعها ولاء سياسي، وبذلك تكون المهمة قد أُنجزت، وكلما كان القرض أكبر كان الأمر أفضل.
وقد نسأل أنفسنا عن إن كانت هذه المشاريع في النهاية تخدم الشعوب فلماذا نعدُّها مؤامرة؟
يجيبنا (جون بيركنز) بأنَّ النمو الاقتصادي الذي يحدث في هذه الحالة يفيد الطبقة الغنية المتربعة على قمة الهرم ويسحب الطبقة الفقيرة نحو الأسفل، ولإيضاح الفكرة يستعين الكاتب بمثال مشروع يُنفَّذ، فعندها تذهب نصف الأرباح إلى الشركة المستثمرة، وما تبقَّى من الأموال فثلاثة أرباعه يذهب إلى وفاء الدين وبعدها إلى القطاع العسكري، وما يتبقَّى يذهب للقطاع التعليمي والصحي وهذا لا يشكِّل سوى جزء قليل جدًّا من أرباح مشروع بُني على هدم أراضي الناس وتلويث أنهارهم بمنتجات المعامل السامة فتزداد الأمراض والأوبئة ويزداد فقرهم.
أما في حال لم ترضخ الدولة للقروض، فعندها يُنتقل إلى المرحلة الثانية (أولاد آوى)، وهم مجموعة متخفية من الناس تُنفِّذ الاغتيالات والقتل والجرائم؛ كما حدث مع رئيس بنما (عمر توريجس) عندما رفض وجود مركز تدريب عسكري أميركي في بنما وفشل القتلة الاقتصاديون في مهمتهم ففُجِّرت طائرته.
وفي حال فشل كليهما، يأتي دور العسكر؛ كما حدث في العراق.
أما السعودية فكانت الفطيرة الشهية!
فقد أدت السعودية دورًا سياسيًّا مهمًّا في حرب تشرين عندما حظرت تصدير النفط، فارتفعت أسعار النفط ارتفاعًا جنونيًّا، وشكَّل ذلك اضطرابًا اقتصاديًّا لم تنسه أميركا إلى الآن؛ لذا، لم تكن مهمة القتلة هنا جَعْل السعودية غارقة في الدين وإنَّما ضمان الحصول على عودة حصة كبيرة من أموال النفط إلى الولايات المتحدة في حال حظرت إيران وفنزويلا التصدير، وكانت المهمة سهلة في بلد منغلق عائم على النفط ويرغب في الدخول إلى العصر الحديث بشدة.
لكنَّ الأمر في فنزويلا كان مختلفًا!
إذ إنَّ رئيس فنزويلا (هوغو تشافيز) حظر تصدير النفط، ونهضت فنزويلا اعتمادًاعلى نفطها، فتوجَّه القتلة إلى أداء عملهم هناك بإقامة المشاريع الاستثمارية، فغرقت فنزويلا في الدين، ولكن؛ الأمر الذي شكَّل نقطة التحول هو أنَّ أميركا كانت منشغلةً بحرب أفغانستان والعراق حينها (مع التأكيد على أنَّ أهمية العراق لم تكن في نفطه بقدر ما كانت في ثروته المائية)، إضافةً إلى أنَّه لم تكن لها الإمكانيات لتظفر بالجبهات الثلاث معًا وهكذا نجت فنزويلا.
إنَّ مصادفات الحياة والطرق التي اخترتها هي ما ستوصلك إلى ما أنت عليه الآن؛ ولهذا، تحمَّل مسؤولية اختياراتك.
لقد نُشِر هذا الكتاب في سبع عشرة لغة، ووصف الكاتب نفسه بهذه الكلمات:
"إنها اعترافات رجل سمح لنفسه أن يكون حجر شطرنج باع نفسه لنظام اقتصادي فاسد."
معلومات الكتاب:
بيركنز، جون. اعترافات قاتل اقتصادي. بسام أبو غزالة. سوريا، السويداء، دار ظمأ، 2004
عدد الصفحات 288