التاريخ وعلم الآثار > تحقيقات ووقائع تاريخية
الصراع السلوقي-الروماني وتوقيع معاهدة أفاميا
الإمبراطورية السلوقية Seleucid Empire:
رافق موت الإسكندر المقدوني اقتسام أراضي دولته بين إمبراطوريات ناشئة عدة؛ كان أبرزها الإمبراطورية السلوقية في سورية وما بين النهرين (عاصمتها أنطاكية السوريّة) والمملكة البطمية في مصر. وقد شهدت الإمبراطورية السلوقية اتساعًا كبيرًا في أراضيها في حكم ملِكَيها الأولين سلوقس الأول (312-281 ق.م) و أنطيوخوس الأول (281-261 ق.م)؛ فشملت المنطقة الممتدة من تراقيا* في اليونان وحتى حدود الهند، ولكن سرعان ما توقفت عجلة الاتساع في حكم الملوك المتعاقبين، وبدأت الدولة بالتقلص حتى حكم سلوقس الثالث في (223 ق.م)؛ الذي استرجع معظم أراضي دولته واستمر في التوسع بسيطرته على مدن آسيا الصغرى الثرية غربًا وأكباتان (Ecbatan) عاصمة الإمبراطورية البارثية* شرقًا وغزة والقدس وما يحيط بهما جنوبًا. أما سياسيًّا؛ فقد زوج أنطيخوس الثالث إحدى بناته إلى بطليموس الخامس في مصر منجزًا تحالفًا بين جزئي الإمبراطورية الهلنستية المتنافسة.
وفي عام (192 ق.م)؛ و بطلب من اتحاد المدن الإيتولية* تقدم أنطوخيوس الثالث غربًا داخل اليونان على رأس جيش من قرابة 10000 جندي من المشاة و500 جندي من الفرسان إضافة إلى ستة فيلة في حربه ضد الرومان؛ التي ستكون أول حرب تخوضها روما في آسيا، وانتهت بهزيمة الإمبراطورية السلوقية في معركة مغنيزيا (Magnesia) وتوقيع معاهدة أفاميا* عام 188 ق.م
(الإمبراطورية السلوقية عام 197 ق.م)
(انطيوخوس الثالث)
معركة مغنيزيا 190 ق.م (Battle of Magnesia):
يؤكد المؤرخ تيتوس ليفوس (Livy) أن الجيش الروماني كان يعلم بوجود أنطيوخوس على رأس الجيش السلوقي في ثياتيرا (Thyatira)، وعند وصول الرومان وجدوا أن أنطيوخوس قد نقل معسكره؛ فلاحقوه إلى أن وصلوا إلى مغنيزيا (حيث رابَط السلوقيون) وبدؤوا بناء معسكرهم. لكن سرعان ما هاجمهم قرابة ألف فارس كانوا قد عبروا النهر الفاصل بين الجيشين، لينسحبوا مع وصول تعزيزات للطرف الروماني، ولكن لاحقهم الجيش الروماني وقتل كل من لم يستطع الهرب منهم.
وبعد يومين من الهدوء، عبر الرومان النهر وأنشؤوا معسكرًا جديدًا يبعد ميلين ونصف الميل عن أنطيوخوس، ومرةً أخرى هاجم فرسان وجنود سلوقيون الرومان الذين دافعوا بشراسة وقتلوا مئة من السلوقيين وأسروا مئة أخرين.
وفي الأيام الأربعة التالية، كان الجيشان على أهبة الاستعداد للقتال؛ الذي نشب في اليوم الخامس مع تقدم الجيش الروماني إلى ساحة المعركة؛ في حين أمر أنطيوخوس جيشه بالبقاء على بعد ميل من المعسكر. ومع حلول الليل؛ استدعى القنصل الروماني سكيبيو (Scipio) المجلس الحربي للتباحث في مسألة الاستمرار بالقتال أو العودة للعسكرة حتى انتهاء فصل الشتاء، واتُّخذ قرار استمرار القتال، وغزو المعسكر السلوقي في حال رفض أنطيوخوس النزول إلى ساحة المعركة.
وفي اليوم التالي؛ نزل الرومان إلى الساحة واستجاب أنطيوخوس إلى النزول أيضًا؛ كي لا يؤثر بقاء الجنود في المعسكر في روحهم القتالية.
وحسب المؤرخ أبيان الإسكندري (Appian) فقد كان لسكيبيو 30.000 جندي في جيشه، منهم عشرة آلاف من المشاة الرومان، وعشرة أخرى من الحلفاء الإيطاليين، إضافة إلى ثلاثة آلاف من الآخيين اليونانيين (Achaean) و ثلاثة آلاف من الفرسان، وغيرهم.
أما جيش السلوقيين فكان عديده 70.000 جندي، أبرزهم ستة عشر ألف مقاتل مقدوني، وما تبقى كان قوامه مقاتلين غير منظمين وغير متسقين، وانضوى لجيشه 22 فيلًا على جناح كل جزء.
في البداية أرسل أنطيوخوس عرباته في مهمة جريئة لكن الرومان واجهوها بعرباتهم فانسحبت عربات السلوقيين، رافق ذلك انسحاب أفواج رومانية نحو معسكرهم، وهناك لاقوا تهديدات القتل من حرس المعسكر فعادوا إلى ساحة المعركة مع تعزيزات من الحرس في هجوم مضاد واجهه السلوقيون ببسالة كبيرة لم تكن كافية لإنقاذهم؛ إذ سرعان ما انهار السلوقيون واستسلمت مدن ثياتيرا ومغنيزيا و سيبليوم*.
معاهدة أفاميا 188 ق.م Treaty of Apamea:
نصت المعاهدة على انسحاب أنطيوخوس من الأراضي الواقعة شرق جبال طوروس جميعها، وطُلب منه أن يبقى بعيدًا عن أوروبا؛ فقد أرادت روما أن تعاقبه على جشعه الذي دفعه للامتداد غربًا نحو أوروبا والسيطرة على تراقيا واحتلال اليونان، والاستمرار بالتوسع على الرغم من امتلاكه إمبراطورية واسعة لم تعارضها الإمبراطورية الرومانية.
وحسب المعاهدة؛ كان على أنطيوخوس الثالث أن يُسلِّم روما عشرين رهينة يتبدلون كل ثلاثة سنوات ما عدا ابنه أنطيوخوس الرابع الذي يبقى أسيرًا لديهم، وطلبت روما من أنطوخيوس دفع تكاليف الحرب التي تسبب بها في 12 سنة كاملة، وفرضت المعاهدة على الملك السلوقي أن يدمر أسطوله البحري وفيلته الحربية.
هذه المعاهدة التي سلبت مساحات واسعة من الأراضي الواقعة غرب الإمبراطورية السلوقية أضعفت الدولة وأدت إلى انتشار الثورات عند الحدود الشرقية في محاولة لتحقيق الاستقلال عن هذه الإمبراطورية.
وإضافة إلى الأحمال الثقيلة التي وضعتها هذه الاتفاقية على الإمبراطورية، فقد شهدت الدولة خسارة جديدة مع موت ملكها أنطيوخوس الثالث عام 187 ق.م حين كان مرابطًا شرقًا بغية جباية الأموال المطلوبة في المعاهدة. باختصار كان موت أنطيوخس ومعاهدة أفاميا سببًا في انفصال مساحات واسعة احتلها الملك القوي، وبدء اضمحلال الإمبراطورية السلوقية؛ وذلك بسبب الخسائر المالية والإقليمية والعسكرية في أنحاء الإمبراطورية جميعها، إذ عدَّ بعض المؤرخين هذه الأحداث بداية تراجع الإمبراطورية السلوقية. ومع ذلك فإن عهد ابنه أنطيوخوس الرابع شهد انبعاث الإمبراطورية السلوقية والقدرة على التعافي من الخسائر التي تكبدتها في مغنيزيا، وتوقيع معاهدة صداقة مع الرومان تستوجب إعادة سداد الديون الواجبة في معاهدة أفاميا، ويذكر أن الإمبراطورية السلوقية سقطت في عام 64 ق.م عند الاحتلال الروماني لسورية (مقر حكم السيادة السلوقية) ليبدأ عهد جديد بعدها.
ويذكر أن معاهدة أفاميا قد وُقِّعَت رسميًا في مدينة أفاميا الواقعة في الأناضول المؤسَّسة من قبل أنطوخيوس الأول، وهي مختلفة عن مدينة أفاميا السورية.
هوامش:
تراقيا: منطقة في جنوب شرق أوروبا بين جبال البلقان شمالًا وبحر إيجة جنوبًا.
الإمبراطورية البارثية: إمبراطورية فارسية استمرت من 247 قبل الميلاد حتى 224 للميلاد.
اتحاد المدن الأيتولية: اتحاد فدرالي لمدن منطقة أيتوليا وسط اليونان.
ثياتيرا، مغنيزيا، سيبليوم: مدن متجاورة تقع غرب آسيا الصغرى (تركيا).
مصادر المقال:
Campbell T، An Empire on the Brink of Destruction، P.3
مصادر الهوامش