الطب > مقالات طبية
انسداد الأمعاء
انسداد الأمعاء هو فشل تقدم محتوى الأمعاء الدقيقة أو الغليظة بسبب وجود عائق ما، ويُصنَّف الانسداد حسب طبيعته وتوضعه وشدته وسببه إلى عدة محاور سيتناولها المقال الآتي بالتفصيل.
هناك العديد من الأسباب المحتملة لانسداد الأمعاء الدقيقة أو الغليظة، وتكون إما ميكانيكية وإما وظيفية، ويسبب انسداد لمعة المعي انسدادًا تامًّا أو جزئيًّا.
يكون العائق الميكانيكي إما من خارج الأمعاء وإما من الجدار الداخلي للمعي وإما من لمعة المعي، ويشكّل المصدر خارج المعوي أكثرَ أسباب انسداد الأمعاء الدقيقة شيوعًا في المدن الصناعية، وتُعدّ الالتصاقات التالية للعمليات الجراحية على البطن أكثر هذه الأسباب الخارجية شيوعًا؛ إذ تؤدي بعض الالتصاقات إلى تلوٍّ في الأمعاء مما يتسبب بانسدادها، ويُقدّر أنّ ثلثي المرضى -على الأقل- ذوي السوابق الجراحية على البطن لديهم التصاقات.
ومن الأسباب الخارجية الشائعة أيضًا الأورامُ التي تضغط الأمعاء الدقيقة فتؤدي إلى انسدادها، كذلك تُعدّ الفتوق الإربية والسرية سببًا منتشرًا للانسداد ولكنّه أقل شيوعًا؛ إذ إنّ الفتوق العَرَضيّة أو غير المعالجة ستنفتل في النهاية وتبرز الأمعاء الدقيقة من العيب الحاصل في جدار البطن وستنحصر ضمن كيس الفتق، وقد تتطور لاحقًا لتسبب انسدادًا معويًّا، علمًا أنّ ذلك يُعدّ حالة جراحية إسعافية؛ إذ إنّ هذا المعي المحصور ضمن الفتق المختنق قد يصاب باحتشاء بسبب نقص التروية.
أما عن الأسباب داخل الجدارية المؤدية إلى انسداد الأمعاء الدقيقة، فهي غالبًا ما تبدأ تدريجيًّا على شكل تسمُّك في الجدار، ومع الوقت يشكل هذا التسمك انسدادًا في الأمعاء، ويُعدّ داء كرون أكثر أسباب الانسدادات الداخلية الحميدة شيوعًا لدى البالغين.
إنّ أسباب الانسداد داخل اللمعة هي الأقل شيوعًا، وتحدث عندما ينحشر جسمٌ أجنبي مُبتلَع ضمن اللمعة أو في الدسام اللفائفي الأعوري فيشكل حاجزًا قبل الأمعاء الغليظة. وعلى أيّة حال، إنّ معظم الأجسام الأجنبية التي تتمكن من عبور المصرة البوابية ستتمكن من عبور بقية السبيل المعدي المعوي.
إنّ انسداد الأمعاء الغليظة أقل شيوعًا من انسداد الأمعاء الدقيقة ويشكّل 10-15% من مجمل الانسدادات المعوية، ويُعدّ كلٌّ من الأدينوكارسينوما* ويليه الإصابة بالتهاب الرتوج وانفتال الأمعاء أكثرَ أسباب انسداد الأمعاء الغليظة شيوعًا، في حين يُعدّ الكولون السيني الأكثر شيوعًا بالانسداد.
أمّا عن الانسداد الوظيفي للأمعاء أو ما يدعى بالانسداد الكاذب أو "العلوص الشللي"، فهو يُبدي أعراضًا وعلامات الانسداد دون وجود حاجز فيزيائي؛ إذ إنّ اضطرابات العضلات والأعصاب تعيق التقلصات المعوية المتناسقة وتوقف أو تبطئ حركة الطعام والسوائل عبر جهاز الهضم، وقد يصيب الانسداد الوظيفي أي جزء من الأمعاء، وتتضمن الأسباب: العمليات الجراحية على البطن والحوض، والإنتان، وبعض الأدوية التي تؤثر في العضلات والأعصاب ومنها مضادات الاكتئاب الثلاثية الحلقات ومسكنات الألم الأفيونية، والاضطرابات العصبية والعضلية كداء باركنسون.
الآلية الإمراضية:
إنّ الوظيفة الطبيعية للأمعاء الدقيقة هي هضم الطعام وامتصاص العناصر الغذائية، وتساعد الأمعاء الغليظة بعدها على عملية الهضم وتُعدّ مسؤولةً عن تركيب الفيتامينات وامتصاص الماء وتحلل البيلوروبين، وأية آلية تسدّ الأمعاء ستعيق هذه الوظيفة.
يؤدي الانسداد إلى توسع المنطقة قبل العائق وانخماص المنطقة بعده، ويمكن أن يسبب الانسداد الجزئي أو التام إقياءات تؤدي إلى نقص السوائل واضطرابٍ في شوارد الجسم إذا كانت متكررة. وفي حال عدم تدبير الحالة، تتشكل وذمة في جدار الأمعاء وتضيع السوائل في الأحياز الخلالية.
ويعد اختناق الأمعاء اختلاطًا خطيرًا ومهددًا للحياة، وتكثر مشاهدته في الانسدادات المغلقة العروة، وفي حال عدم تدبيره فورًا فستتطور الحالة إلى احتشاء معوي يتبعه تنخر وانثقاب وصدمة إنتانية.
الأعراض والعلامات:
تختلف أعراض انسداد الأمعاء الدقيقة بحسب كونه تامًّا أو جزئيًّا، وبسيطًا أو مختنقًا، ولكن؛ عمومًا من النادر أن تتظاهر الأعراض النموذجية لانسداد الأمعاء الدقيقة -من غثيان وإقياء وألم بطني وإمساك- في الحالات جميعها، ويتصف الألم البطني المرافق للانسداد بكونه ماغصًا ومتقطعًا، وبدون علاج سيزداد هذا الألم بسبب انقطاع تروية الأمعاء والتنخر والانثقاب، ومن ثم فإنّ الشك السريري بالانسداد يُعدّ ذا أهمية قصوى كي يُنجَز التشخيص والتداخل مبكرًا.
وتتنوع الصورة السريرية للمرضى؛ فلا يوجد عرض سريري واحد موجود لدى مرضى الانسداد كلّهم، وتشير بعض الدراسات إلى أنّ أكثر الأعراض السريرية شيوعًا هي انعدام التبرز والغازات وتكرر الإقياء والانتفاخ وعدم الارتياح البطني الذي يظهره الفحص الطبي، وقد أشارت دراسات أخرى إلى أنّ الألم البطني يتظاهر لدى غالبية مرضى الانسداد، أما في المراحل المتأخرة -ولا سيما عند الوصول إلى درجة الاختناق- فقد يعاني المرضى حمى وتسرع القلب.
التشخيص:
تُجرى صورة بسيطة للبطن في وضعية الوقوف فتظهر سويات سائلة غازية قبل مكان الانسداد، في حين لا يوجد غاز بعده.
وعلى الرغم من أن صور الأشعة السينية X-Ray غير حساسة في إثبات التشخيص؛ فهي تُعدّ مساعدة عليه، ويبقى اللجوء للتصوير الطبقي المحوري CT scan مع شرب المادة الظليلة هو الأفضل بسبب حساسيته العالية -التي تصل إلى 95%- وقدرته على كشف الاختلاطات في حال وجود انسداد معوي. كذلك يُعدّ الإيكو البطني وسيلة ناجحة لنفي الانسداد المعوي خصوصًا لدى الأطفال والحوامل، وذلك لتجنيبهم التعرض للكم الكبير من الأشعة في حالة الأشعة السينية أو التصوير الطبقي المحوري.
أما في حال كان المريض يعاني الإقياء الشديد، فتُجرَى تحاليل دموية لتحرّي الإماهة ومعرفة نسب الشوارد كالصوديوم والبوتاسيوم.
التدبير:
تختلف المعالجة تبعًا لاختلاف الأسباب ومدى الانسداد.
يستدعي الانسداد الميكانيكي التام إجراء جراحة، وتتطلب معظم حالات انسداد الأمعاء أحد أشكال التداخل الطبي، وتتضمن الخيارات العلاجية:
الأدوية: كما ذكرنا، قد يؤدي تناول الأفيونات إلى الإمساك، فعندها يفيد استخدام الملينات، فضلًا عن استخدام مضادات الغثيان والإقياء ومسكنات الألم والمضادات الحيوية في حال الإصابة بأخماج جرثومية.
المراقبة: يتطلب الانسداد الوظيفي المراقبة بضعة أيام وغالبًا ما يزول تلقائيًّا، ويجب تحديد كمية الطعام والسوائل في تلك الفترة والإعاضة عنها بسوائل وريدية للحفاظ على إماهة جيدة للمريض.
الأنبوب الأنفي المعدي: يزيل السوائل والغازات المحتجزة في المعدة؛ مما يخفف من الضغط والألم والإقياء.
الجراحة: يستأصل الجراح الجزء المعوي المسدود والمتضرر، ولكن؛ عند وجود مرض معوي التهابي لدى المريض تُوضَع بعض القيود على الجراحة ويجب إجراء توسيع للأمعاء المتضيقة.
الحقنة الشرجية: يُدخَل الماء عن طريق الحقنة عبر الشرج؛ مما يخفف من انحشار البراز الذي يحدث في الإمساك الشديد.
ويمكن لبعض التغييرات في نمط الحياة أن تقلل من خطورة الانسداد وتساعد على التحسن بعد الإصابة بانسداد معوي، وتشمل هذه التغييرات: اتباع حمية غذائية تتضمن تناول حصص صغيرة من الطعام في أوقات متعددة، ومضغ الطعام جيدًا، وتجنب الكافئين الذي يثير الجهاز الهضمي، وتقشير الفواكه والخضار كي يسهل هضمها، وطهي الطعام جيدًا. فضلًا عن أداء التمارين الرياضية، وتجنب الشدة النفسية، وشرب كميات كافية من المياه، وتناول كميات أقل من الكحول.
*السرطان الغدي (أدينوكارسينوما): ينشأ على حساب الخلايا المكوّنة للغدد التي تنتج المخاط، وهو ورم غازي يمكن أن ينتشر إلى عدة مواقع في الجسم.
المصادر:
1- هنا
2- هنا
3- هنا
4- هنا
5- هنا
6- هنا
مصدر الحاشية