التعليم واللغات > اللغويات
هل يُعدُّ تعلُّم الكلمات التي يوحي لفظُها بمعناها أسهل؟
ما الذي يجعل تعلُّم بعض الكلمات أسهل من تعلُّم غيرها؟ درَّس باحثون في معهد (ماكس بلانك) لعلم النفس اللغوي وجامعة (رادباود) كلماتٍ يابانية لطلاب هولنديين، ووجدوا أن تعلُّم الكلمات التي يشبه لفظُها معناها (ideophones) أسهل من تعلُّم الكلمات العادية، وهذا يُشير إلى أن بعض الروابط الموجودة بين الصوت والمعنى قد تكون مشتركة بين اللغات.
في كثير من الأحيان لا يدل صوتُ الكلمة على معناها؛ إذ لا يدل أي صوت في كلمة dog على أن الكلب يملك أربعة أرجل أو أنه يُسعد عند مداعبته وراء أذنه، ولهذا السبب يُطلق على الكلب لفظ dog باللغة الإنكليزية، وhond بالهولندية، وinu باللغة اليابانية، وهذا ما يجعل تعلُّمَ أية لغة أمرًا يتطلب مجهودًا، لكن الكلمات لا تأتي جميعها على ذات المنوال؛ إذ تحتوي عديدٌ من اللغات على كلمات تَستخدم الأصوات بطريقة حيوية لإظهار معناها، ففي اليابانية تعني كلمة kibikibi "نشيط" وكلمة bukubuku "بدين"، وهي من الكلمات التي يوحي لفظُها بمعناها.
وقد طلب علماء اللغة من الطلاب الهولنديين الذين لا يتقنون اليابانية اختيارَ معنى كلمات يابانية ذوات ألفاظ توحي بمعناها (ideophones) من بين احتمالين لكل كلمة، وكانوا قادرين على فعل ذلك على نحو دقيق إلى درجة يُستبعد معها أن يكون الأمر بمحض الصدفة، ففي كلمة kibikibi فضلوا في غالب الأحيان اختيار معنى "نشيط" على "مُتعَب"، وهذا ما يُشير إلى أننا نستخدم أصواتًا متماثلة إذا أردنا تصوير المعلومات الحسية عبر اللغات والثقافات.
ثانيًا، طلب العلماء من مجموعة أخرى من الطلاب تعلُّم كلمات يابانية ذوات ألفاظ توحي بمعناها، وذلك بأن تعلَّموا نصف الكلمات مع الترجمات الحقيقية (على سبيل المثال bukubuku ومعناها "بدين")، والنصف الآخر مع ترجماتها المعاكسة (مثلًا kibikibi مع معنى "متعَب")، وقد استذكر هؤلاء الطلاب الكلمات التي تعلموها مع الترجمات الحقيقية أكثر من تذكرهم للكلمات الأخرى، وللتأكد من أن هذا التأثير كان بسبب طبيعة تلك الكلمات الخاصة كرر العلماء هذه التجربة مع مجموعة ثالثة من الطلاب باستخدام صفات عادية (أي لا يوحي لفظها بمعناها)، من مثل taisetsu "مُهم" وabunai "خَطِر"، وفي هذه الحالة لم يكن هناك اختلاف في كيفية تعلُّم الطلاب للكلمات بغض النظر عما إذا كانوا قد تعلموها بمعانيها الحقيقية أو بمعانيها المعاكسة.
ويرى (غويليم لوكوود)، مؤلف الدراسة الرئيس، أن أحد الجوانب المهمة للدراسة هو استخدام كلمات حقيقية بدلًا من كلمات مُختلَقة، وبمقارنة تلك الكلمات الحقيقية التي يوحي لفظها بمعناها والصفات اليابانية وجد العلماء أن هناك ما يُميز هذا النوع من الكلمات (ideophones) ويجعلها أسهل على المتلقي كي يتعلمها، وهذه الكلمات تشبه إلى حدٍّ ما كلمات المحاكاة الصوتية (onomatopoeia) -أي الكلمات التي يُشبه لفظُها مصدرَ الصوت الذي تصفه-، ولكن الأولى تُستخدم على نطاق أوسع بكثير من اللغات الأوروبية. وقد يظن كثيرٌ من الناس أن كلمات المحاكاة الصوتية هي مجرد تقليد أصوات الحيوانات عند مخاطبة الأطفال، ويوضح (لوكوود) قائلًا: "إن دور الكلمات التي يوحي لفظها بمعناها لا ينحصر بذلك، فهي تُستخدم للتعبير عن أشياء معقدة، كالشعور بالحزن على شيء تافه (كلمة kuyokuyo)، أو مشي الطفل الصغير بخطوات غير ثابتة (yochiyochi)."
وتُشير التجارب إلى أننا نستخدم أصواتًا متشابهة عبر اللغات والثقافات لتصوير المعلومات الحسية، وأنَّ هذه الارتباطات بين الصوت والمعنى تُساعد فعليًّا على تعلُّم الكلمات، ويُسهم البحث الذي أجراه (لوكوود) وزملاؤه في إثراء الأدلة على أن اللغات أقلُّ اعتباطية مما يُعتقد منذ فترة طويلة.
المصادر
الدراسات المرجعية:
Gwilym Lockwood, Mark Dingemanse, Peter Hagoort. Sound-Symbolism Boosts Novel Word Learning.. Journal of Experimental Psychology: Learning, Memory, and Cognition, 2016; DOI: 10.1037/xlm0000235