الغذاء والتغذية > التغذية والأمراض
كيف تساعد التغذية في علاج إدمان الكحول؟
لا شكّ أنّ التخلُّص من إدمان الكحول -شأنه شأن أنواع الإدمان الأخرى- ليس بالأمر السَّهل، ولو وُجدت مساعدةٌ اختصاصيّةٌ. فقد تراوحت نِسَب النجاح التقريبيّة في السّنوات القليلة الماضية بين 20-50% تبعًا لشدّة الإدمان والمعايير المستخدمة في علاجه؛ ما دفع عددًا متزايدًا من المختصّين إلى التوسُّع في البحث لإيجاد أيّةِ عوامل إضافيّة قد تفتح المجال لطرائق أكثر نفعًا في علاج إدمان الكحول، ودراسات بعض العوامل المؤثرة كحالات انعدام التوازن الكيميائيّ الحيويّ، ومورّثات الشّراهة للكحول، أو القلق والاكتئاب اللذَّين يعيقان عملية التّعافي.
وتحتلّ الحمية الغذائيّة جزءًا أساسيًّا من التّجارب الحديثة، فقد صرَّح Craig Mcclain أستاذ الطّب ومدير مركز أبحاث الكحول في جامعة Louisville الأمريكيّة: بأنّ معظم المدمنين الذين يراجعونه يستهلكون قرابة 15 كوبًا من الكحول يوميًّا، هذا يعادل 2000 سعرة حرارية فارغة Empty Calories خالية من أيّة فائدة غذائيّة، فهم يتناولون كميّات كبيرة من الكحول على حساب الأغذية اللازمة للجسم، ما يعرّضهم إلى نقصٍ حادٍّ في المغذيات خاصّةً معدن الزّنك. فإضافةً إلى نقص الوارد من الأغذية الغنيّة بالزنك مثل اللحوم، والحبوب الكاملة، والمكسّرات، ومنتجات الألبان، فإن الكحول يقلل من امتصاص الزنك في الأمعاء، ويزيد خسارته عن طريق البول.
ويظهر عَوَز الزّنك في انخفاض حاسّتيّ التذوُّق والشّمّ، وظهور تقرّحات جافّة على الوجه، وضعف الرؤية الليليّة، فضلًا عن التّخليط، والاكتئاب، والخمول التي تزيد الوضع سوءًا. وقد يؤدي ترافُق عوز الزنك مع الإفراط في تناول الكحول إلى التسبُّب بثقوب في الأمعاء؛ ما يساهم في انتقال الجراثيم الضّارة إلى الكبد والإصابة بمرض الكبد الكحوليّ alcohol-related liver disease. ينصح الدكتور Mcclain مدمني الكحول بتناول 220 مغ من سلفات الزنك الحاوية على 50 مغ من الزنك يوميًّا.
ويمكن للإفراط في تناول الكحول أن يستنزف مجموعة فيتامينات B خاصةً الفولات وفيتامين B6 بأشكالها الفعّالة؛ ما يبطّئ إفراز النواقل العصبيّة الدّماغيّة: السّيروتونين والدوبامين التي تحفّز الشعور بالسّعادة، وتضبط الرغبة تجاه الكحول والحلويّات.
يساعد ضبط سكر الدم أيضًا في علاج إدمان الكحول؛ إذ يفسّر الجسم الحاجة للسّكّر على أنّها حاجة للكحول. ويسجل قرابة %98 من الكحوليّين هبوطًا في سكر الدم إلى أقلّ من 60 مغ/د.ل عند إجراء اختبار الغلوكوز لأربع ساعات، وهو أقلّ من المعدّل الصّيامي الطبيعي الذي يجب أن يكون بين 99 – 70 مغ/د.ل؛ ولذلك يجب على المدمنين الراغبين بالعلاج تناول أغذية منخفضة المؤشّر الغلوكوزيّ Glycemic Index هنا
وتقليل الأغذية المصنعة أو تجنبها، والأغذية المحلّاة بالسُّكّر، وإضافة بعض مصادر البروتين والدّهون الصحيّة إلى الوجبات الرئيسيّة والخفيفة للحصول على وجبةٍ متوازنة. ومن المهم تحديد كميّة وتوقيت تناول الكافيين، لما له من دور في انخفاض سكّر الدّم والأَرَق.
تعدّ المحافظة على توازن الدوبامين عاملًا مهمًّا في التخلُّص من الإدمان، إذ ينشّط الكحول مركز السّعادة في الدماغ عن طريق تحريض إفراز الدوبامين الذي يخفّف التوتر ويعطي الشعور بالرّاحة والسّعادة، وفي حالة الاستعداد الوراثيّ للإدمان يشعر الشخص أنّ الكحول يساعده في الشعور بالتّوازن النّفسي، ولكنّ الاستمرار في تناوله يسبّب نقصًا في مستَقبِلات الدوبامين في الدماغ.
ويعاني بعض الأشخاص من خللٍ وراثيٍّ في مستقبِل الدوبامين D2 ينتج عنه نقص في مستقبلات الدوبامين بنسبة 30-40% فيقلّ تفاعلهم مع الكحول والمواد الأخرى، وقد يجعلهم ذلك يتناولون جرعاتٍ أكبر للوصول إلى الشعور بالسّعادة.
وتزداد القابليّة لإدمان الكحول لدى الأشخاص الذين تفتقر حمياتهم الغذائيّة إلى الأحماض الأمينية التي يحتاجها الجسم لتصنيع الدوبامين مثل التيروزين tyrosine والفينيل آلانين phenylalanine، التي توجد في اللحم الأحمر والدّواجن والبيض والمكسّرات والبقوليّات.
في هذا المقال بعض الاقتراحات الغذائية لزيادة الدوبامين هنا
تؤثر البكتريا المعويّة مباشرةً في وظائف الدماغ، ويمكنها إنتاج نواقل عصبيّة منها الدوبامين، والسيروتونين. يتغير تنوع البكتريا المعويّة في الأمعاء الغليظة لمرضى الكبد الكحولي وتؤثر في تطوّر المرض، ويمكن أن ينتقل الالتهاب الكبدي لدى الكحوليين إلى الدماغ أيضًا مسبّبًا القلق والاكتئاب والشّراهة للكحول.
وقد درس باحثون من بلجيكا دراسة شملت 60 شخصًا في بداية رحلة علاجهم، وكان 43% من المشاركين مصابين بأمعاءٍ مثقوبةٍ وأعدادٍ أقلّ من البكتريا المعوية المضادة للالتهاب مقارنةً مع المرضى الذين لا يعانون من تسرُّب الأمعاء. وبعد مرور 3 أسابيع من الإقلاع عن الكحول بقيَ الأشخاص ذوو الأمعاء المثقوبة يعانون من نوبات الاكتئاب والرغبة الشديدة بتناول الكحول، أما أصحاب الأمعاء السّليمة فكانت نتائجهم إيجابية. وتقترح الدّراسة وجود رابط بين الميكروبات المعوية وإدمان الكحول، هذا أثار فكرة تزويد الشخص الكحوليّ بأنواع معيّنة من الميكروبات الجيّدة أو منتجاتها النّافعة للمساعدة في العلاج، وهو ما يجري عليه أبحاث مكثّفة حاليًّا.
إذًا يسرّع الاهتمام بالجانب الغذائيّ من شفاء الإدمان عن طريق تناول المكملات الغذائية، وضبط سكر الدم، وعوامل أخرى مثل النّواقل العصبيّة، والبكتريا المعويّة، لكنّه يبقى علاجًا مكمّلًا من الضروري إرفاقه بتغييرٍ جذريٍّ في نمط الحياة والغذاء، واتّباع وصايا الطبيب بانتظام.
المصادر: