كتاب > الكتب الأدبية والفكرية
مراجعة كتاب (عبقرية اللغة): كل ثقافةٍ تنسجُ لغتها
تُعدُّ (ويندي ليسير) كاتبةً ومحررة أمريكية؛ إذ كتبت وحرَّرت مجموعة من الكتب منها روايتها (الباغودا في الحديقة) وكتاب (لماذا أقرأ؟)، وأسَّست مجلةً أدبية فصلية عنوانها (The Three penny Review).
وقد اقترحت صديقتها المُحرِّرة (أليس فان سترالن) عليها فكرةَ الكتاب الذي نراجعه حاليًّا، ومنه تبحث عن كُتَّاب يكتبون باللغة الإنجليزية وهم ليسوا من أبنائها في الأصل، بل ينتمون إلى لغات أخرى، وتطلب منهم أن يكتبوا مقالات تتحدث عن الفرق بين اللغتين، وتضيء على أسئلة في هذا المنحى؛ مثل:
هل يتسلَّل شيء من اللغة الأم إلى كتاباتهم الإنجليزية؟ وكيف يكون ذلك؟
كتبت (بَهارْتِي مُوكْرِجي)؛ الكاتبة الأمريكية من أصل هندي أول مقال في الكتاب، فتقول عن لغتها البنغالية بأنَّها أكثر لغات العالم تعبيرًا وخيالًا وذكاءً، وتقول بأنَّ العاملين في الإغاثة الدولية يلقِّبون اللغة البنغالية بأنَّها لغة الجوع والفقر، ولكنَّها في المقابل اللغةُ الأم للشعر والشغف والوفرة بالنسبة إلى ورثة النشيد الوطني الذهبي لأبناء الحقول البنغالية المتهيئة للحصاد، والأنهار البنغالية المليئة بالأسماك، إضافةً إلى أنَّها لغةُ التعايش بين الهندوس والمسلمين الذين عاشوا في بنغال موحَّدة قبل أن يمزِّقها الانتقام على يد البحرية البريطانية، وتستطرد في الحديث عن طفولتها وذكرياتها البنغالية بحنين جارف.
وعلى الجانب الآخر، كان أول تعامل لها مع اللغة الإنجليزية في المدرسة، وقد أدركت حينها أنَّ الأبجدية البنغالية أكبر بكثير من نظيرتها الإنجليزية، وأنَّ ترتيب الحروف الإنجليزية -في رأيها- يفتقر إلى المنطق بعكس البنغالية التي تترتب فيها الحروف بحسب الأصوات، فحروف الأصوات المتحركة وحدها بمنأى عن الحروف ذات الأصوات الساكنة، وهناك حروف في البنغالية ليس لها مقابل في الإنجليزية؛ مثل الحروف الخيشومية، فكانت زميلاتها والمعلمات في المدرسة يجدنَ صعوبةً في نُطْق الحرف الأول من اسمها؛ لأنَّه من حروف الأصوات الخيشومية في البنغالية، وهي ترى أنَّ الأبجدية الإنجليزية اقتصادية جدًّا؛ فليس هناك ما يميز بين الأخوال والأعمام والعمات والخالات ولا ما يميز أعمارهم.
بينما تتساءل (إيمي تان) الكاتبة الأمريكية/الصينية عن أيِّ جزء من سلوكها قد شكَّلته الصينية وأيِّ جزء شكَّلته الإنجليزية، فتروي عن صبرها على امرأة على الهاتف تعلن عن فوزها بجائزة ما في موعد محدد، ثم بعد فترة تُعيد تلك المرأة الاتصال بها متذمرةً من تفويت الكاتبة لذلك الموعد، فتجيبها برفض قاطع، فهي ترى نفسها مترددة وحاسمة، مباشرة وغير مباشرة، وعلى الرغم من ذلك فهي ترفض ما يُشاع بأنَّ الصينيين لهم خصوصيتهم وحياؤهم بسبب افتقارِ لغتهم إلى مفردات قاطعة؛ مثل (نعم، لا)، فهي ترى أنَّ اللغة الصينية لا تحمل أيَّة خصوصية أو حياء فأوامر والديها واضحة دومًا؛ وتطرح مثالًا على ذلك عندما قالا لها: "بالطبع ستكونين جراحة أعصاب مشهورة"، ولا مساومة عندهما في ذلك الأمر، أو عندما تقول لها والدتها بأنَّها يجب أن تغسل الأرز جيدًا، ويجب ألّا تسقُط حبة واحدة منه أيضًا، وتقيس على ذلك أنَّ الآباء والأمهات الصينيين ليسوا ضعفاء ولا ينصاعون لرغبات أبنائهم، ولكنَّ الأبناء لا يستطيعون أن يقولوا "لا"، وهنا تنشأ الحيرة في عقل الكاتبة بين تفكيرها الصيني وتفكيرها الأمريكي إلى أن تصل إلى الابتعاد عن المقارنة بين اللغتين؛ لأنَّ المقارنات بين اللغات دائمًا ما تجعل إحدى اللغتين معياريةً ومحددة للمنطق وللتعبير الذي يحتكم إليه، ويلزم من ذلك أن تكون اللغة الأخرى محل اتهام وقصور.
وقد تناولنا في مقالنا هذا مقالين بلغتين مختلفتين من الكتاب المُمتع الذي يحتوي على خمس عشرة مقالة مختلفة لكُتَّاب مختلفين متناولةً أكثر من لغة؛ مثل الفرنسية والألمانية والإيطالية وغيرها.
وقد كانت ترجمة (حمد الشمري) جميلة وواضحة واستطاع أن ينقل كل لغة مع نسيجها الثقافي الخاص إلى حدٍّ ما، ويوجد في كل مقال هوامش للتعريف بالكاتب وهوامش أخرى توضح مقاصده.
معلومات الكتاب:
ليسير، ويندي. عبقرية اللغة، حمد الشمري، السعودية- الدمام، دار أثر للنشر والتوزيع، ط1، 2019.
عدد الصفحات: 282 صفحة.