التعليم واللغات > اللغويات
هل يوجد جينات تعطي أفضلية في اكتساب اللغة وإتقانها؟
يمتلك الأطفال الصغار قدرة فريدة وبالغة الغموض على اكتساب مهارات الكلام ومهارات لغوية على نحوٍ متقن دون الحاجة إلى تعليمهم ذلك تعليمًا رسميًّا، وبعد بضع سنوات فقط يكون الطفل قد جمع مخزون مفردات ضخمًا، وبإمكانه أن يستعمل القواعد النحوية لتركيب هذه المفردات وصياغة عدد غير محدود من الجمل ذات المعنى، وأن يلفظها عن طريق تنسيق حركة العضلات المسؤولة عن الكلام تنسيقًا سريعًا ودقيقًا، ويمتلك الطفل كذلك مهارة فهم كلام الآخرين.
وقد اعتُقد مدةً طويلة أن حل هذه الأحجية قد يكمن في تركيبنا الجيني، ومن الجدير بالذكر أن الجينوم البشري لا يحتوي معلومات عن أية لغة بعينها (كالمفردات والقواعد)، فنحن بحاجة إلى التعرُّض للغةٍ معينة كي نتعلمها، فالطفل الذي يترعرع محاطًا بمتحدثي اللغة الهولندية سيصبح طليقًا بها، في حين إذا تربَّى الطفل نفسه في اليابان فسيتعلم اليابانية، وهذا يعني أن جيناتنا على الأرجح تساعد على بناء توصيلاتٍ في الدماغ مجهَّزةٍ لتلقِّي اللغة من المحيط الاجتماعي.
على مدار عدة سنوات كان من الممكن فقط التنبؤ بإسهاماتٍ الجينات المحتملة في اكتساب اللغة، ومع ظهور تقنيات جديدة على صعيد دراسة الجزيئات بدأ العلماء بتحديد جينات فردية مهمة ودراستها، وقد ركزت الأبحاث معظمها حتى الآن على محاولة إيجاد جينات مسؤولة عن مشكلات في الكلام أو اللغة -أو كليهما- لدى الأطفال والبالغين لا يمكن أن تعزى إلى سبب آخر (كالصم أو الإعاقات العقلية). من الواضح أنه لا يوجد عامل واحد فقط وراء هذا، بل هناك مجموعة من الجينات وتفاعلاتها مسؤولة عن إحداث مشكلات كتلك، وتأثير بعض الجينات أكبر من تأثير غيرها، فعلى سبيل المثال يوجد الجين FOXP2 الذي يمتلك أثرًا كبيرًا، وهو أول جين يُفترض أنه يمتلك دورًا في التسبب بالمشكلات الموروثة في الكلام واللغة، فإذا كان طفلٌ ما يحمل طفرة مخرِّبة في هذا الجين فسيكفي هذا ليسبب مشكلات خطرة في تعلم تركيب أصوات الكلام، وهي مشكلات تدوم طوال الحياة. وفي مقابل الطفرات الشديدة النادرة في الجين FOXP2 هناك أشكال أشيع تظهر في جينات أخرى مثل CNTNAP2 أو ATP2C2 أو CMIP وتملك تأثيرات قد لا تكون ملحوظة، وهو ما يزيد من احتمالية حدوث صعوباتٍ لغوية على نحو صغير ولكن مؤثر.
وعلى الرغم من وفرة المعلومات عن الطفرات الجينية التي تؤدي إلى مشكلات لغوية، هناك كمٌّ أقل من المعلومات عن التأثيرات الجينية التي تجعل أشخاصًا محددين أبرع في اكتساب اللغات، فبعض الجينات المسؤولة عن المشكلات اللغوية (مثل الجين CNTNAP2) يُعرف عنها أيضًا تأثيرها في تطور اللغة ووظيفتها لدى الناس الذين لا يعانون أية مشكلات، ولكن ما تزال هناك حاجة إلى إجراء مزيد من الدراسات لمعرفة الجينات والطفرات التي قد تمنح بعض الناس أفضلية في اكتساب اللغة، وهناك خطوة جديدة ومثيرة في مسيرة هذه الأبحاث ستتمثل في الاستفادة من أحدث التقنيات المتعلقة بالجينومات لدراسة الطرف الآخر من الطيف، أي الأشخاص الذين يتمتعون بمواهب غير اعتيادية في اكتساب اللغة أو استخدامها.
المصادر:
الدراسات المرجعية:
The Language Fossils Buried in Every Cell of Your Body
Graham S.A.، Fisher، S.E. (2013). Decoding the genetics of speech and language. Current Opinion in Neurobiology، 23، 43-51.