الطب > السرطان
السرطان والألم
يعدُّ الألم من أكثر الأعراض المرافقة لمرض السّرطان شيوعاً، وهو العَرَض الذي يهابُه المرضى والأطباء معًا؛ إذ تُشير الدراسات إلى أنّ (64%) من مرضى السّرطان في مراحله المتقدّمة، و(59%) من المرضى الذين لا يزالون في مرحلة العلاج يعانون الألم، ثمّ إنّ (33%) من مرضى السّرطان المتعافين منه يعانون الألم أيضًا!
يُعرَّفُ الألم بأنّه إحساسٌ أو شعورٌ بعدم الارتياح ناجمٌ عن تضرّر أنسجة الجسم، ويختلف الألم المتعلّق بمرض السّرطان عن تلك الآلام المتعلقة بالأمراض الأُخرى، ولهذا الألم تأثيره السّلبي في نواحي حياة المريض كافّة وقدرته على ممارسة الأنشطة المختلفة، وكذلك على تفاعله مع من حوله، والأهمّ من ذلك تداعياته غير المرغوب فيها على فُرَصِ شفاء المريض وتعافيهِ التّام.
إذ تبدأُ رحلة علاج آلام المريض والتخفيف منها بتقييم شدّتها وتحديد نوعها ومسبباتها، فلقد أجريت العديد من الدراسات للتوصّل إلى توصيّاتٍ متّفقٍ عليها لوضع أُسُسٍ لقياس شدًّة الألم واختيار العلاج الأكثر فعاليّة له.
ما أنواع الآلام التي يسبِّبها السّرطان؟
قد تُصنَّفُ آلام السّرطان على أساس آليّةِ حدوثِ الألم أو مدّته (حادًا أو مزمنًا)، أو على أساس مسبّب الألم، هل هو ناتجٌ عن السّرطان ذاتِه أم الأساليب العلاجيّة المرافقة له (كالعلاج الكيماويّ)؟
فمن حيث آليّة حدوث الآلام، هناك أربع آليّاتٍ رئيسيّة:
1- الألم المنقول عبر المستقبلات الحسّيّة (nociceptive pain):
إذ يحتوي الجلد والعضلات والأحشاء الداخليّة مستقبلاتٍ حسيّةً متخصّصةً بنقل الإحساس بالألم النّاجم عن وجود تضرّرٍ في تلك الأعضاء، وله شكلان:
الألم الجسدي (somatic pain): والذي يتّسم بحدَّته وإمكانيّة تحديد مكانه بدقّة، ومن أحد أسباب هذا النوع من الألم النّقائل العظمية (bone metastasis)، أو العمليّات الجراحيّة، أوالإجراءات الطبيّة العلاجيّة المختلفة.
الألم الحشويّ (visceral pain): والذي يتّسم بشموله منطقة واسعة من الجسم وصعوبة تحديد مكانه بدقّة؛ إذ يأتي على نحو تشنجاتٍ تنشأ بسبب ضغط الكتلة السّرطانيّة أو تغلغل الورم داخل الأنسجة المحيطة.
2- الألم النّاجم عن اعتلال الأعصاب (neuropathic pain):
ويحدث بسبب تلفٍ في الأعصاب المركزيّة أو المحيطيّة، وعادةً ما يظهر كعرضٍ جانبيٍّ ناجمٍ عن الأدوية الكيماويّة أو الأشعة العلاجيّة أو تضرّر الأعصاب عن طريق العمليّات الجراحيّة، ويُوصف على أنّه ألمٌ حارقٌ وحادٌ أو كصعقةِ الكهرباء كالألم الحاصل في الاعتلال العصبي السّكري.
3- الألم الشّبحيّ (Phantom pain):
فقد يشعر المريض بالألم مكان عضوٍ استؤصل مسبقًا، ففي حالة استئصال أورام الثّدي قد تعاني المريضة ألماً شديداً مكان الثّدي المُستَأصل وكأنّه لا يزال في مكانه؛ وعلى الرّغم من ندرة حدوثه لكنه ألمٌ غير محتمل، ولا يزال الأطباء في حيرةٍ كبيرةٍ لتفسير حدوث هذه الظاهرة، ومن النّظريات المطروحة هي أنّ الدماغ يعلم أن ذاك العضو لم يَعد موجودًا ولكنّه لا يستطيع استيعاب ذلك، وهناك تفسيرٌ آخر ألا وهو عدم التمكن من السيطرة على الألم على نحوٍ فعّالٍ وكافٍ عند إجراء عمليّة الاستئصال .
4- الألم الرجعي referred pain:
إذ يشعر المريض بالألم في مكانٍ مخالفٍ لمكان العضو المتأذي، فعلى سبيل المثال يؤدّي سرطان الكبد إلى حدوث تضخّمٍ خلويٍّ يَتسبّب بانضغاط الأعصاب المحيطة به؛ فيشعر المريض بالألم في كتفه الأيمن بدلاً من الجزء الأيمن من البطن الذي يُوجد فيه الكبد.
أما من حيث الأسباب؛ فهناك الكثير من المسبّبات التي تزيد معاناة مرضى السّرطان وتُفاقِم آلامهم، ويمكن تلخيصها في أربع فئاتٍ رئيسيّة:
1- الآلام التابعة للإجراءات الطبّيّة:
إن َّخضوع المريض للإجراءات التّشخيصيّة مثل البزل القطني وما قد يَتبعه من صداع، أو إجراء تنظيرٍ للجهاز الهضمي أو التّنفسي، أو إجراءات أخذ الخزعة وفحوص الدم المختلفة والقثطرات وحُقن العلاج المختلفة وغيرها من الإجراءات الطبّيّة.. تعرِّض المريض إلى مختلف أشكال الألم، لكنّها -مع الأسف- ضروريّة ولا يمكن الاستغناء عنها.
2- الألم العلاجيّ المنشأ (iatrogenic pain):
وتحدث هذه الآلام بسبب العلاج بمختلف أشكاله: (الكيماويّ أو الهرمونيّ أو الإشعاعيّ أو الجراحيّ)، أو بسبب الأدوية الستروئيديّة وآثارها الجانبيّة المتعدّدة؛ مثل تقرّح الجلد والفم واعتلال الأعصاب الطرفيّة والانتانات الجرثوميّة.
3-الآلام المصاحبة للأمراض الأخرى:
فعندما يكون مرض السّرطان ليس هو المرض الوحيد الذي يعاني منه المريض؛ يزداد الأمر سوءًا وتعقيدًا فيما يخصّ الألم، فقد يعاني المريض أمراضًا أخرى، إضافة إلى السرطان؛ كأمراض القلب والشرايين والرئتين أو الاعتلال العصبيّ السّكريّ وغيرها من الأمراض التي تُسبّب الآلام بحدّ ذاتها، ويَتفاقَم ألم المريض بوجود السّرطان وإجراءات علاجه.
4- آلام ما بعد الشّفاء من السّرطان:
فقد تستمرّ الآلام بعد الشّفاء من السّرطان؛ وذلك بسبب الإجراءات الطبّيّة المستخدمة في متابعة المرضى دوريّاً، كآلام ما بعد العلاج الإشعاعيّ أو الجراحيّ أو تباعًا لتلف الأعصاب النّاجم عن العلاج الكيماويّ.
إذًا، كيف يمكننا تقييم شدّة الألم؟ وهل يُوجد ميزانٌ دقيقٌ يناسب جميع المرضى؟
على نحو ما ذكرنا سابقًا، فإنّ الخطوة الأولى لاختيار قوّة الدواء المناسب لعلاج الألم هي تحديد شدّته، فيجب على طبيب الأورام أو طبيب علاج الألم تقييم حالة المريض العامّة وسؤاله عن وجود الألم عند كلّ زيارةٍ، وفي حين البدء بأدويةٍ علاجيّةٍ جديدةٍ، ومن ثمَّ تقدير شدّة الألم باستخدام أحد المقاييس الآتية:
1- المقياس الرقميّ (numerical scale):
إذ يقيّم المريض شدّة الألم من (0 إلى 10)، ويُعبّر الرّقم صفر عن عدم وجود الألم، ويُعبّر الرقم 10 عن وجود ألمٍ شديدٍ هو الأسوأ على الإطلاق.
2- مقياس الألم البصريّ (visual scale):
إذ يحتوي هذا المقياس على رسومٍ لوجوهٍ بتعبيراتٍ مختلفةٍ تُساعد المرضى على تحديد شدّة الألم، خاصةً عند المرضى الذين يَصعُب التّواصل اللّغوي معهم، كأولئك الوافدين من بلدانٍ مختلفةِ اللّغة، أو في حالة كبار السّنّ الذين يعانون من ضعف الإدراك. فكلّ تعبيرٍ وجهيٍّ يُعبّر عن شدّةٍ مختلفةٍ للألم.
3- مقياس الألم اللّفظيّ (verbal scale):
وهنا يُحدّدُ المريض شدّة الألم بوصفه بالخفيف جدًا، أو الخفيف، أو متوسط الشّدّة، أو الشديد، أو الأشدّ على الإطلاق.
نبذةٌ موجزةٌ عن علاجات آلام السّرطان:
يختلف علاج الألم على اختلاف شدّته؛ ولذلك فإنه من المهم إعلام المريض عن احتماليّة شعوره بالألم في أيّ مرحلةٍ من مراحل مرض السّرطان أو في خلال الإجراءات التّشخيصيّة أو في خلال مراحل العلاج المختلفة (الجراحيّة أو الدوائيّة أو الإشعاعيّة)، وقد تُستخدم الأساليب العلاجيّة الدوائيّة أو غير الدوائيّة للتّحكّم بآلام المريض والتّخفيف من حدّتها.
فقد اقترحت هيئة الأمم المتّحدة (WHO) في عام (1986)م سُلّماً تصاعدياً لتصنيف شدّة ألم السّرطان مع العلاج المناسب لكلّ حالة.. يتألّف من عشر درجاتٍ موزّعةٍ ضمن ثلاث فئاتٍ رئيسيّة، ولقد أصبح -ولا يزال- هذا السّلَّم هو المرجع الأساسيّ في تصنيف ألم مريض السّرطان واختيار الدواء العلاجيّ المناسب له.
1- الآلامُ الخفيفةُ (Mild Pain): (الدرجات الثلاثُة الأولى 1-3)
يعدُّ دواء الأسيتامينوفين -المعروف بـ "الباراسيتامول"- ومن ثم مضادات الالتهاب غير الستيروئيديّة "NSAIDS" مثل البروفين والفولتارين ضمن هذه الفئة لعلاج الآلام الخفيفة، ويُمكن أن تُستخدَم هذه الأدوية للمساعدة في علاج الألم بمختلف درجاته عن طريق تشاركاتٍ دوائيّةٍ مدروسة، والجدير ذكره أنًّ المتابعة الدوريّة عند الطبيب المعالج ضروريةٌ جدًّا لتفادي الآثار غير المرغوب فيها للـ "NSAIDS"، ونخصُّ بالذكر منها: الخلل في وظائف الكِلى وعمل الصفيحات، وخطر حدوث نزيف في الجهاز الهضمي.
2-الآلام المتوسّطة (Mild-Moderate Pain): (الدرجات الثلاثة الثانية 4-6):
تُستخدم المسكّنات الأفيونيّة الضعيفة (weak opioids) مثل دواء الترامادول والهيدروكودون لعلاج هذه الدرجة من الألم، ويمكن أن يُضاف البانادول أو بعض المسكّنات غير الستيروئيديّة (NSAIDS) للحصول على تأثير أقوى في تسكين الألم، وأيضاً يُمكن استخدام جرعاتٍ صغيرة من المسكّنات الأفيونيّة القويّة -مثل المورفين- لِعلاج الآلام المتوسّطة، تحت مراقبةٍ طبّيّةٍ محكمةٍ.
3- الآلام الشَّديدة (Moderate-Severe Pain): (الدرجات الأربعة المتبقية 7-10)
إذ تعدُّ المسكّنات الأفيونيّة قويّة الرّكيزة الأساسية لعلاج الآلام الشديدة، ومنها: المورفين والفينتانيل وغيرها.
أما الأساليب العلاجيّة غير الدوائيّة؛ فيكون ذلك عبر استخدام أجهزةٍ تتحكّم بالسّيّالات العصبيّة المرسلة عبر الأعصاب للدماغ والحبل الشّوكي. ويمكنكم الاطلاع على هذا الألبوم لمعرفة المزيد عن هذه الأجهزة. هنا
ويبقى التعاون المشترك والتّواصل الفعّال بين المريض والفريق الطّبي المسؤول عنه من أطباء وممرضين هما الركيزتين الأساسيّتين لتقييم آلام المريض وعلاجها على نحوٍ فعّالٍ؛ وذلك لأنّ غياب عنصر الألم من حياة مريض السّرطان يزيد من فُرَصِ شفائِه ويُحسِّن من همّته وقدرته على ممارسة حياته اليومية بطريقةٍ طبيعية.
المصادر:
1-هنا
2-هنا
3-هنا
4-هنا
5-هنا