شجرة النّارنج…أكثر من مجرد زينةٍ للبيوت الدمشقية

تُعدّ القارة الآسيوية الموطن الأصلي لفاكهة النّارنج (أو البرتقال المرّ)؛ وتُستخدَم أجزاؤها المتعددة من أزهار وأوراق وقشور وثمار وحتى عصير الثمار على نحو أساسيّ لتصنيع الأدوية، إضافة إلى ذلك يُستخلَص الزّيت من القشور والأزهار. تنحصر الاستخدامات الغذائية للنارنج في إضافة الزيت والقشور المجففة بوصفها محسّنات للطعم، إضافة إلى صناعة المربى وبعض أنواع الكحول من الثمرة. ومن النادر تناول الفاكهة مباشرةً -باستثناء كلّ من إيران والمكسيك- نظرًا إلى طعمها القابض شديد الحموضة (1). 

القيمة الغذائية للنّارنج: 

 تمتلئ ثمار النّارنج -بوصفها بقية الحمضيات- بالمركبات المفيدة مثل: الفيتامينات والمعادن والمركبات الفينولية وتربينويدات‏ والسّكريات الذوابة والليمونين والفلافونويدات والكاروتينات والألياف وبالذات السيللوز والهيميسيللوز والبكتين والبوليفينولات، إضافة إلى أنّها مصدر أساسيّ لحمض الأسكوربيك (فيتامين C). ويتركّز قسم كبير من تلك المواد في الأجزاء التي نتخلص منها عادةً مثل اللب والبذور، حتى إنّ قشور النّارنج غنية بعدة مواد مهمة مثل: التربينويدات والكومارين والفلافونويدات (2,3,4).

زيت النّارنج...الكنز الكامن بين أجزائه:

حظِيَت الزيوت العطرية المُستخلَصة من النارنج والحمضيات على نحو عام على اهتمام عالمي كبير؛ نظرًا إلى منافعها الاقتصادية على مستوى الصناعات الغذائية والعلاجية؛ إذ تُستخدَم بوصفها مواد حافظة آمنة بفضل احتوائها مضادات جراثيم ومضادات أكسدة مثل: الفلافونويدات والكومارين، وتدخل أيضًا في تصنيع ملطفات الجو ومواد التنظيف والعطور ومستحضرات التجميل والأدوية.

ويتبع التركيب الكيميائي للزيت عدّة عوامل مثل: مصدر الشّجرة وعمرها وأصلها الوراثي والفصل والمناخ ودرجة النّضج وطريقة الاستخلاص والجزء المُستخدَم من النبات. إذ يُلاحَظ أنّ الزيت المتسخلَص من الأوراق يحتوي على نحو أساسيّ على أسيتات اللينالين ولينالول في حين نجد في الزيوت المستخلصة من الأزهار مركب اللينالول بنسبة أكبر يليه الليمونين وأسيتات الليناليل.

وبغض النظر عن منشأ زيت النارنج فإنه يؤدي دورًا في علاج إصابات الجلد الفطرية مثل: القوباء الحلقية، والقدم الرياضي، وذلك عند تطبيقه مرة يوميًّا لمدة (1-3) أسابيع. قد يحسِّن أيضًا العلاج العطري باستخدام زيت أزهار النارنج الأعراض العاطفية والذهنية المرافقة لمتلازمة ما قبل الطمث (PMS) لدى الشابات صحيحات الجسم، لكنه لا يؤثر في الأعراض الجسدية. إضافةً إلى الوقاية من الاضطرابات الهضمية وعلاجها وعلاج حب الشباب وتسكين الألم ومقاومة الاكتئاب والاختلاج والصرع  ومحاربة الآلام المركزية والمحيطية ومقاومة الحساسية وتخفيف أعراض سن اليأس وتخفيف آلام الولادة والتوتر وتقليل التشنج وتخفيف آلام الركبة (1,3).

ما هي أفضل طريقة لحفظ زيت النّارنج؟ 

يجب أن يُحفَظ زيت النّارنج في مكان مغلق بعيدًاعن الضوء والهواء، تحت درجة حرارة 4 مْ، وذلك تجنبًا لأكسدة حمض الليمونين (3).

فوائد صحية محتمَلة للبرتقال المرّ: 

توجد مجموعة من الاستخدامات الشعبية لفاكهة النارنج، لكنها لم تُؤيَّد بعد بأدلة علمية كافية، مثل حالات:

- القلق: قد يخفف تناول أزهار النارنج أعراض القلق لدى النساء في فترة ما بعد انقطاع الطمث. 

الأداء الرياضي: تتضارب تأثيرات تناول النارنج على أداء الرياضيين؛ في حين أشارت بعض الأبحاث إلى قدرة النّارنج على تحسين الأداء عند ممارسة تمارين  القرفصاء السكوات (Squat) دون التخفيف من شعور الإجهاد وذلك عند تناوله منفردًا أو مع الكافيين، وتظهر دراسات أخرى أنّ تناول النّارنج لوحده أو مع أحد المكملات قبل التمرين لا يزيد القدرة على رفع الأثقال أو ركوب الدراجة أو الجري السريع عند البالغين الأصحاء. 

- السّكري: يقترح بحث مبكر أنّ تناول الشّاي المُحضَّر من أوراق جذر الثعبان (snakeroot) الهندي وفاكهة النّارنج لأربعة شهور قلل مستوى سكر الدم عند مرضى السكري. 

- خسارة الوزن: لا يزال تأثير النّارنج في الوزن غير واضح؛ إذ تقترح بعض الدراسات أنّ تناول مزيج النارنج مع الكافيين و St. John's wort ( نبتة العَرَن المثقوب)، قد يساعد في إنقاص الوزن عند إضافته إلى حمية منخفضة السعرات الحرارية وممارسة التمارين الرياضية، من جهة أخرى وجدت دراسة أنّ تناول مزيج النارنج مع الكافيين ومواد أخرى لم يساعد على خسارة الوزن. 

- التوتر قبل العمل الجراحي: قد يساعد تناول النارنج قبل العمل الجراحي بساعتين في تقليل التوتر. 

- اضطرابات صحية أخرى: قد يساهم تناول النارنج في علاج بعض الحالات الصحية مثل: الحساسية والكدمات ومتلازمة التعب المزمن ونزلات البرد وتورم العين وألم الرأس والغازات والقرحات المعوية ومشكلات الكبد والمرارة والأرق والاحتقان الأنفي والآلام العضلية والعصبية وتنظيم مستوى الكولسترول وزيادة الشّهية وتنشيط القلب والدورة الدموية وعلاج بعض أنواع السّرطانات (1,4).

إذًا هل تُعدّ فاكهة النارنج آمنة دائمًا لصحتنا، وماذا عن مكملاتها المشهورة بإنقاص الوزن؟ 

يُصنَّف البرتقال المرّ (النارنج) بحسب الجزء المُستعمَل منه وطريقة تحضيره إلى: 

- آمن: يُعدّ تناول ثمرة النّارنج آمنًا للصغار والكبار وحتى النساء الحوامل عند تناوله ضمن الطعام وضمن الكميات الطبيعية فقط، ويفضل تجنب المكملات الطبية دون استشارة الطبيب 

- آمن بنسبة منخفضة: عند استنشاق زيت النّارنج العطري أو استخدامه لدَهن الجلد، فقد يسبب نوعًا من الحساسية أو التهيج. 

- غير آمن: عند تناول مكملات دوائيّة لغرض طبي مثل: فقدان الوزن؛ إذ تحتوي فاكهة النارنج مادة فعّالة تدعى السينيفرين (p-synephrine)، وهي مشابه للمادة الكيميائية الرئيسيّة في مكملات الأعشاب الإيفيدرا (ma-huang) التي قد تتسبب في تسرع ضربات القلب وزيادة ضغط الدم إذ بُلِّغ عن حدوث سكتات دماغيّة ونوبات قلبية وغيرها من الآثار الجانبية الشديدة لدى الأشخاص الذين استخدموه لوحده أو مع الأعشاب التي تحتوي الكافيين، فضلًا عن أنّه قد يسبب الصداع والصداع النصفي والعنقودي لدى بعض الأشخاص

- تتداخل مركبات النّارنج مع العديد من الأدوية الموصوفة فتؤثر في فعاليتها وتزيد تأثيراتها الجانبية، مثل: أدوية الاكتئاب، وأدوية السكر والكبد والأدوية العصبية والمنشطة وخافضات الضغط والأدوية المؤثرة في انتظام ضربات القلب والعديد من الأدوية الأخرى،  لذلك يُفضَّل استشارة الطبيب قبل المزج بينهما (1,4,5).

بعد كلّ ما عرفته عن فوائد تلك الفاكهة المميزة؛ أدرِجها في حميتك بالطريقة المحببة إلى قلبك، لكن لا تنسَ استشارة طبيبك قبل البدء بتعاطي المكملات الدوائية فليس كل ما يأتي من مصدر طبيعي صحيٌّ بالضرورة!

المصادر: