كتاب > روايات ومقالات
مراجعة كتاب (عتبة الباب): زمن الحرب: الرحيل أم البقاء؟
(سندس برهوم) هي كاتبة سورية، نالت إجازة في علم الاجتماع، ثم حازت على دبلوم علم نفس أطفال ودبلوم حماية طفل مُعنَّف، بالإضافة إلى ماستر في الرعاية النفسية الأولية في مناطق الكوارث والحروب، وتعمل اختصاصية اجتماعية في وزارة الصحة السورية منذ عام 2000، و(عتبة الباب) هو عملها الروائي الأول، و(سندس برهوم) هي زوجة الفنان السوري الراحل (نضال سيجري).
إنَّ (عتبة الباب) روايةٌ عن الحرب السورية تحكيها الكاتبة بلسان امرأة ثلاثينية هي (لور)؛ أمٌّ لطفلين (مانيا) و(كريم). وتروي (لور) يومياتها في الحرب، وتطلق العنان لأفكارها ومشاعرها تجاه كل ما يحدث في الحرب ولا يخطر في البال أيام السلام؛ كالذعر والقلق أيام كانت تختبئ وأطفالها تحت الدرج حينما يشتد القصف، أو الألم اللامتناهي الذي تصادفه في واجب عزاء لشابٍ فُجعت أمُّه به.
وتحتل الأمومة جزءًا كبيرًا من الرواية، ففيها تُعبِّر (لور) عن مكنونات قلبها تجاه طفليها مذ احتلا جزءًا من جسدها ومساحات قلبها كلها، ولا تنفك تُظهر كيف تنفجر مشاعرها حينما تستشعر خطرًا قريبًا أو مُحتملًا، فينتابها جنونُ الأمهات الخائفات على صغارها، فتسعى لحمايتهما بكلِّ ما أوتيت من قوةٍ وأدوات.
وكما كل الأشياء التي تتغير في الحرب، يتغير تعريف السعادة وأشكالها، فما كان مصدر إزعاجٍ البارحة، بات اليوم ترفًا يتندَّر عليه من يواجه احتمالية الموت كل يوم، فتقول (لور) في وصف صباحاتها: "أضحك من نفسي عندما أتذكر كيف يتعكر صباحنا إن أعاقه أي شيء كي يكون مثاليًّا وسعيدًا، أعود لأفكر من جديد بمقياس السعادة الذي تغير اليوم وأصبح مرتبطًا ببقائي على قيد الحياة أنا وأطفالي وأصدقائي".
وتتكرر الفكرة حينما تصف علاقتها بأبيها في زياراتها له: "قبل الحرب، كنت أصل من السفر وأقف على بابه لأريه كم أنا مرتاحة وسعيدة، الآن أقف لأريه أنِّي ما زلت حية برغم كل شيء. ليس مهمًّا كمُّ السَّعادة التي أعيشها، كلانا يعرف أن أحدًا منا لم يعد سعيدًا، أصلًا لم يعد ذلك هو المطلوب، المطلوب يا ابنتي أن نبقى أحياءً الآن، وإلى أن تنتهي اللعنة يحلُّها ألف حلال".
أما لحظات الفرح فهي كلمعة البرق الخاطف تُسرَق من ظلمة الأيام القاتمة العابقة برائحة الدمار والموت، فها هو زوجها (أنس)؛ مصمِّم بطاقات الأعراس والمناسبات، والذي لطالما كان شغوفًا بقصص العرسان الجدد، يتبدد شغفه اليوم ويضيع ما بين تضاؤل الإنتاج وندرة الفرح.
"الناس مكسورون يا لور.. تحوَّل الزواج إلى ذنب، يطلبون تصاميم بطاقاتهم بخجلِ من يرتكب العار، كمن يختلسُ بعض الفرح".
وتتأرجح (لور) في مواجهة التحديات ما بين الضعف والقوة، فتنكمش على ذاتها فترةً غير قصيرة، وتغرق في دوامة أفكارٍ سوداوية؛ ما ينعكس سلبًا على علاقاتها كلها، وترى بعدها (لور) أنَّ الرحيل عن البلاد هو الخلاص الذي سيخرجها من نفقٍ مظلم أُدخلت إليه قسرًا كي تستجمع قواها وتحافظ -على الأقل- على أمومتها: "أيُّ أمٍّ سيحظى بها مانيا وكريم؟ الرحيل أفضل، غربةٌ وأمٌّ عاقلة، أفضل من البقاء في وطنٍ مطعون مع نصف أمٍّ".
وتتصارع مشاعر (لور) ما بين ضرورة الرحيل ورغبةٍ غير مفهومة بالبقاء، ويشتد صراعها حين تواجه رموزًا بسيطة قد تختصر وطنًا بأكمله، فهل تتصور يومًا أن تشدَّك إلى وطنك عتبةُ باب؟ تقول (لور): "لم أعرف يومًا السلطة التي تمارسها عليَّ عتبة بابِ دارنا لأتسمَّر في مكاني عاجزةً عن الرحيل، ربما هي الوطن بمعناه المختصر، قبل أن يكون الوطن حفنة تراب وهواء... عتبة الباب قويةٌ كالهواء، كرائحةِ التراب، عتبة بيتي هي هويتي بمعنى أو بآخر، إنها علاقة سيطرةٍ لا فكاك منها".
فماذا اختارت (لور)؟ هل استسلمت لغواية عتبة الباب أم داستها بقدميها وخرجت؟
معلومات الكتاب:
برهوم سندس، عتبة الباب، نوفل هاشيت أنطوان، ط1، 2015.