"غلاديس ويست"; جندي مجهول وراء تطور نظام GPS

سواء كنت تحصل على اتجاهات القيادة من هاتفك الذكي أم تضع علامة لموقع على صورة إنستغرام، فإن استخدام GPS (نظام تحديد الموقع العالمي) هو ببساطة شيء أساسي في حياتنا اليومية، لكنْ قليل من الناس يعرفون أن GPS بدأ في عقل عالمة الرياضيات في سلاح الجو الأمريكي Gladys West غلاديس ويست، فمن هي؟

ولدت ويست عام 1930 في دينويد مقاطعة فيرجينيا، في مجتمع ريفي تمتلك فيه عائلتها مزرعة صغيرة، وكانت محاطة بالعمال المزارعين وعمال مصانع التبغ، فقررت على الفور أن البقاء والعمل في فرجينيا الريفية ليس المستقبل الذي تريده لنفسها وأيقنت أن التعلم هو مفتاحها للخلاص من المزرعة، درست بجد لتنال أعلى درجات في موادها في المدرسة. عائلتها لم تكن تملك المال الكافي لإرسالها إلى الجامعة إلا أن عملها بجد أرسلها وحصلت على منحة دراسية بجامعة فرجينيا بعد أن تخرجت في المدرسة كطالبة متفوقة عام 1948.(3)

قررت ويست التخصص في الرياضيات في جامعة مقاطعة فرجينيا، حيث كانت عضوًا في النادي النسائي ألفا كابا ألفا alpha kappa alpha، وبعد تخرجها بدرجة البكالوريوس، تعمقت في دراسة العلوم والرياضيات في مدينة ويفرلي "Waverly" سنتين (1) قبل عودتها إلى فرجينيا لنيل درجة الماجستير في الرياضيات والتي حصلت عليها عام 1955.

في العام التالي عُيِّنت ويست بمنصب عالمة رياضيات فيما يعرف اليوم بـ "Naval Surface Warfare Center" في دالغرين في فرجينيا، حيث عملت على تحليل بيانات الأقمار الصناعية (2)، في البداية كانت كالحاسوب تجري العمليات الحسابية بنفسها ولكن انتقلت إلى العمل باستخدام برامج حاسوبية.

في بداية الستينيات عملت على دراسة فلكية ضخمة أثبتت فيها أن هناك انتظامًا نسبيًّا بين حركة بلوتو ونبتون، فلكل حركتين مداريتيين يدورهما بلوتو، ثلاث حركات مدارية يدورها نبتون، وأطلقت على هذه الظاهرة اسم"الرنين المداري"(4).

شرح ديفيد مالكنز رئيس منظمة مينيسوتا الفلكية أن: حركة بلوتو المدارية هي انحرافية أو بيضوية الشكل. لذلك يدخل في مسار حركة بلوتو المدارية والتي تستمر لمدة ٢٤٨سنة كوكب نبتون التي تستمر حركته المدارية لمدة ٢٠ سنة.

على الرغم من هذا التداخل؛ فإن كلا المدارين لا يتقاطعان فعليًّا وتؤثر قطبية كل من الكوكبين الناتجة عن قوى الجاذبية كل منهما في الكوكب الآخر مسببة تغيرًا في مداره.

كما أن نبتون وبلوتو لا يقتربان من بعضهما بأكثر من 17 وحدة فلكية* والتي تعدُّ مستقرة نسبيًّا وهذا كله ناتج عن ما يدعى "نسبة الرنين".

لاحقًا انضمت ويست لمشروع رادار السيسات "Seasat" لقياس الارتفاع وشغلت منصب مدير المشروع(3).

قبل مشروع السيسات كانت القياسات الدقيقة للمسافات على سطح الأرض أو بين الأرض وعنصر آخر أمرًا شبه مستحيل وذلك لأن الأرض ليست كروية تمامًا مما يجعل حساب هذه المسافات بمثابة تحدٍ.

كان للمحيطات الدور الأكبر في عدم انتظامية شكل الأرض، ولهذا يعدُّ فهم التغيرات في مستوى البحر خطوة مهمة في نمذجة شكل الأرض.

تميَّز "السيسات" بكونه أول قمر صناعي يستطيع أن يتحسس المحيطات عن بُعد، مستخدمًا راداره لقياس المسافات بينه وبين سطح المحيطات على الأرض.

استخدمت ويست المعلومات المُرسلَة من السيسات ومن أقمار صناعية أخرى لتحسين التفاصيل المتراكمة عبر السنين والنماذج الرياضية الدقيقة لشكل الأرض الفعلي. هذا الأنموذج الحسابي والذي عُرِف باسم geoid حسّن لاحقًا وعلى نحو أساسي نظام تحديد المواقع الحديث GPS لأن التقنيات الحديثة تعتمد عليه في تحديد موقع جهاز الاستقبال.

تقاعدت ويست عام 1998، بعد 42 سنة قضتها في العمل في دالغرين، وعانت جلطة دماغية بعد خمسة أشهر من التقاعد، ولكنها لم تستسلم للمرض، وتعافت واستعادت ما خسرته من قدرتها الحركية عن طريق التحاقها بصفوف في الرقص العلاجي YMCA المحلية مع زوجها، وكان هدفها الكبير بعد ذلك هو الحصول على الدكتوراه في الإدارة العامة، وفعلًا حصلت عليها من جامعة فيرجينيا التقنية عام 2018.

على الرغم من إنجازاتها ومسيرتها المهنية الطويلة مع الجيش، فإن دورها في تطوير تكنولوجيا GPS بقي غير معروف حتى شاركت بسيرة ذاتية قصيرة لها في حدث مخصص لتكريم أعضاء النادي النسائي ألفا كابا ألفا، والتي تضمنت فقرة قصيرة عن كيفية انضمامها إلى فريق تطوير تكنولوجيا GPS ولفتت النظر نحو ذلك واحدة من أخواتها في النادي والتي كانت مصممة على مساعدة ويست.(3)

في بداية 2018 غطت الصحافة المحلية قصة ويست، وبعد ذلك اعترف جيش الولايات المتحدة الأمريكية رسميًّا بإنجازاتها، عبر بيان رسمي أصدرته إدارة القوات الجوية الأمريكية، واحتفلوا بويست لأنها كانت "الجندي المجهول" في تاريخ الجيش.

في شباط (فبراير) عام 2018،  أثنى مجلس الشيوخ في ولاية فرجينيا على ويست، وفي 6 كانون الثاني (يناير) كرَّمها البنتاغون ضمن حفل أقيم في قاعة مشاهير سلاح الجو والصواريخ.(4)

وإلى الآن تبقى ويست في صميمها عالمة رياضيات، وهي تفضل استخدام الخرائط الورقية بدلًا من تقنية GPS التي ساهمت بنفسها في تطويرها.

ملحق:

*) 1 وحدة فلكية وَتُرمز Au=93 مليون ميل.

المصادر:

1- هنا

2- هنا

3- هنا

4- هنا