العمارة والتشييد > التصميم العمراني وتخطيط المدن
الفرق بين المدينة والميتروبوليتان
بلغت نسبة سكان المناطق الحضرية في الوطن العربي 58% في العام 2018، ويعيش اليوم أكثر من 4 مليارات نسمة ضمن المدن في العالم؛ وهو ما يشكِّل أكثر من نصف عدد سكان الأرض، ويستمر هذا التوجه بالزيادة؛ إذ من المتوقع أن يتضاعف هذا العدد بحلول العام 2050 ليقطن قرابة 70% من سكان العالم حينها في المدن (7، 8).
مع الازدياد الكبير لعدد سكان المدن والتكتلات العمرانية الكبرى، ومع بزوغ ظاهرة العولمة وما رافقها من تطور وسائل التواصل والانتقال المكاني وتزايد تنوع وتعقيد الأنشطة الاقتصادية وأنماط التفاعل الاجتماعي، لم يعد من المجدي التعامل مع المدن بوصفها مناطق منفصلة عن جوارها، وأصبح من الضروري تطوير أفكار وحلول تخطيطية مناسبة، فهل سيكون الميتروبوليتان أحد هذه الحلول؟
فما هي المدينة وما هو الميتروبوليتان؟
أولاً: المدينة City:
تُعرَّف المدينة بأنها مركزٌ سكانيٌّ دائم وعالي التنظيم (مجتمع حضري)، ولا توجد معايير موحَّدة لتعريف المدينة وتمييزها عن باقي التجمعات السكانية كالبلدات والقرى، وتختلف هذه المعايير بين الدول والأقاليم المتنوعة تبعًا لاعتباراتٍ قانونيةٍ أو اصطلاحيةٍ متنوعة لا تعكس بالضرورة الدور الوظيفي أو الاقتصادي للمدينة، لكنَّ الثابت أنها -أي المدينة- تتمتَّع بأهميةٍ وحجمٍ أكبر من البلدات أو القرى.
يعتمد تعريف المدينة على عدد السكان والكثافة السكانية للوحدة الإدارية عادةً، وهو ما قد يؤدي إلى نتائج مغلوطة لسببين؛ السبب الأول هو في حال وجود مدينةٍ كبيرةٍ ضمن وحدةٍ إداريةٍ كبيرة المساحة فستمتلك عندها كثافةً سكانيةً منخفضة قد تقارب تلك الموجودة في المناطق الريفية. على سبيل المثال يبلغ عدد سكان مدينة أولان باتور Ulaanbaatar عاصمة منغوليا 1.4 مليون نسمة ولكنَّ كثافتها السكانية منخفضة وتبلغ 270 نسمة /كم2. والسبب الثاني هو صعوبة تحديد عدد سكان المدينة إذا كانت موزعة على وحدات إدارية متعددة كما هو الحال في باريس عاصمة فرنسا (3).
تتمتع المدن ممثلةً بالبلدية بسلطةٍ تنفيذيةٍ تنظِّمها قوانين وتشريعات الإدارة المحلية، وتمارس سلطاتها ضمن نطاق حدود المدينة الإدارية، وقد يمتد نطاق سلطة الإدارة المركزية (بلدية المدينة) ليشمل الإشراف على المناطق التابعة لها عن طريق نظام تسلسلٍ هرميٍّ للإدارات المحلية (4).
ولكنَّ تحديد المدن مكانيًّا استنادًا إلى حدودها الإدارية غير كافٍ لمعالجة مشكلاتها وتنميتها وتنمية المناطق المحيطة بها، لأنَّ تأثير هذه المدن يتعدى في كثير من الأحيان الحيز المكاني المخصص لها. وهنا ظهرت الحاجة إلى إيجاد وحدةٍ تخطيطيةٍ جديدةٍ يمكنها التعامل مع هذا المقياس؛ المدينة والمناطق المتفاعلة معها، فظهر مفهوم الميتروبوليتان (2).
ثانياً: الميتروبوليتان Metropolitan:
مصطلحٌ مشتقٌّ من اللغة الإغريقية ويعني المدينة الأم، وهو مصطلحٌ تخطيطيٌّ يشير إلى منطقة (إقليم) تضم مدينةً كبرى على الأقل مع ضواحيها والمدن والبلدات والمناطق المحيطة بها التي تؤثر فيها المدينة الكبرى اقتصاديًّا واجتماعيًّا على نحوٍ كبير.
قد توجد في بعض الأحيان ضمن نطاق الميتروبوليتان مدينتان كُبريان أو أكثر، كما هو الحال في ميتروبوليتان طوكيو يوكوهاما Tokyo–Yokohama Metropolitan Area في اليابان (1).
ما هي حدود الميتروبوليتان؟
للوصول إلى تحديدٍ دقيقٍ للمدينة ونطاق تأثيرها أي الميتروبوليتان طوَّر الخبراء مناهج مختلفة اعتمدت على مصادر بيانات وأساليب تحليلية متنوعة، ومن أبرز هذه المناهج:
1- منهج تدفق التنقُّل Commuting flow approach:
يُعرَّف الميتروبوليتان بأنه مجموعة من المناطق ذات روابط التنقُّل القوية التي تشكِّل سوق عملٍ فعَّال.
2- مؤشر التكتُّل Agglomeration index:
يُعرَّف الميتروبوليتان بأنَّه شبكةٌ من الخلايا المكتظَّة بالسكان نسبيًّا (150 نسمة/ كم2) تقع ضمن مسافة تنقُّل معقولة زمنيًّا (60 دقيقة) من المدينة الكبرى (المحورية).
3- خوارزمية التجمُّع Cluster algorithm:
يُعرَّف الميتروبوليتان بأنَّه شبكة من الخلايا المتجاورة مكانيًّا والمكتظَّة بالسكان نسبيًّا (1500 نسمة/ كم2)، ويتجاوز عدد سكانها 50 ألف نسمة.
4- عتبة الإضاءة الليلية Nighttime lights (NTL) thresholding:
يُعرَّف الميتروبوليتان بأنَّه شبكة من الخلايا المتجاورة مكانيًّا ذات الإضاءة الساطعة ليلًا.
يُعدُّ منهج تدفقات التنقُّل من أكثر المناهج تفضيلًا لتحديد إقليم الميتروبوليتان، ولكنَّ تبنيه غير عملي في العديد من الدول النامية بسبب عدم توفر بيانات تدفقات التنقل بسهولة، وهنا يضطر المخطِّطون إلى الاستعانة بمناهج بديلة تعتمد على مصادر بيانات أخرى كالصور الفضائية ومجموعات بيانات السكان الشبكية.
إنَّ تبني منهج تدفقات التنقُّل يتطلَّب تحديد قيمة عتبة تدفُّقات التنقل؛ نسبة انتقال السكان من منطقة إلى أخرى بهدف العمل، لمعرفة إذا كان الارتباط بين منطقتين إداريتين أو أكثر قويًّا بما فيه الكفاية لتشكيل ميتروبوليتان، والذي يتشكَّل في هذه الحالة من الحدود الإدارية لهذه المناطق.
أمَّا المناهج الثلاثة الأخرى فتُعرِّف المدن بوصفها مجموعةً شبكيةً من الخلايا التي تبلغ مساحتها كيلومترًا مربعًا واحدًا أو أقل، والتي تحتاج في هذه الحالة إلى خطوةٍ إضافيةٍ لرسم حدود المدن والميتروبوليتان مكانيًّا.
إنَّ استخدام شبكة الخلايا المكانية عالية الدقة لتحديد المدن يشكِّل ميزةً تفضيليةً للمناهج الثلاثة؛ مؤشر التكتُّل وخوارزمية التجمُّع وعتبة الإضاءة الليلية مقارنةً مع منهج تدفُّق التنقُّل، إذ تنتج عنها خرائط واضحة ومفصلة مزودة بإحصاءات سكانية ومكانية عامة، لكنَّ معظم البيانات وخصوصًا اللازمة لتقدير التجمُّعات الاقتصادية agglomeration economies لا يمكن تمثيلها على هذا المقياس المكاني الكبير (التفصيلي)، وهو ما يحدُّ عمليًّا من تعريف الميتروبوليتان باستعمال شبكة الخلايا المكانية (2).
المنطقة العمرانية الوظيفية (الميتروبوليتان):
للوصول إلى آلية تعريف موحدة للتجمعات العمرانية الكبرى والتمييز بين المدينة والميتروبوليتان، طرحت منظَّمة التعاون الاقتصادي والتنمية منهجية جديدة لتحديد المنطقة العمرانية الوظيفية functional urban area هدفها قياس درجة التحضر degree of urbanization.
استُخدم ضمن هذه المنهجية منهجان اثنان من مناهج تعريف الميتروبوليتان وهما منهج تدفقات التنقُّل ومنهج خوارزمية التجمع، للحد من سلبيات كلٍّ منهما والوصول إلى تعريفٍ أدق للميتروبوليتان وحدوده.
تُحدَّد المنطقة العمرانية الوظيفية وفق 4 خطوات متسلسلة تتبنى مفهومًا مكانيًّا يعتمد على تقسيم المكان (التجمع العمراني أو الحدود الإدارية) إلى شبكةٍ من الخلايا متنوعة الكثافة السكانية، وتُطبَّق عليها الخطوات الآتية:
1- تحديد المركز العمراني:
يعتمد تحديده على رسم شبكة الخلايا متنوعة الكثافة السكانية، فأبسط سمات تعريف المدينة هي كونها مكانًا ذا تركُّزٍ سكاني مرتفع:
(أ)- تُحدَّد جميع خلايا الشبكة التي تتمتع بكثافة سكانية تتجاوز 1500 نسمة /كم2 بوصفها منطقةً مؤهلةً لتشكل حدود المركز العمراني.
(ب)- تُجمَع الخلايا المتماسة عالية الكثافة السكانية التي ينطبق عليها الشرط السابق مُشكِّلةً حدود المركز العمراني الرئيسي، وفي حال وجود تجمعين أو أكثر، يُقصى أيُّ تجمعٍ لا يتجاوز عدد سكانه حاجز الـ50 ألف نسمة.
(ج)- تُضم إلى المركز السابق أي خلية لا تحقق الشرط (أ) إن كانت تشكل فجوة ضمنه وفق مبدأ الأكثرية، وينص المبدأ على أن أية خلية تحيط بها 5 خلايا ينطبق عليها الشرط (أ) من أصل 8 تُضَم إلى التجمع العمراني، وتتكرَّر هذه العملية على باقي الخلايا تباعًا طالما انطبق عليها مبدأ الأكثرية.
2- تحديد المدينة:
تتألف المدينة من جميع الوحدات المحلية (إدارية أو إحصائية) التي يقطن 50% من سكان أي منها على الأقل ضمن المركز العمراني، ومن أمثلة الوحدات الإدارية المجاورة والمنطقة والبلدية وحتى المناطق الانتخابية، أما الوحدات الإحصائية فتشمل مناطق التعداد السكاني.
3- تحديد نطاق التنقل:
بعد تحديد جميع المدن ضمن منطقة ما، يُحدَّد نطاق التنقل الخاص بها وفق الآتي:
(أ)- إذا كان 15% من سكان مدينةٍ ما على الأقل يعملون في مدينةٍ أخرى (مجاورة)، تعامل المدينتان بوصفهما مدينةً واحدة.
(ب)- تُحدَّد جميع البلديات (الوحدات الإدارية) التي يعمل 15% من سكانها على الأقل ضمن المدينة مشكلة نطاق التنقل.
(ج)- تُضاف إلى هذا النطاق جميع البلديات التي لا تحقِّق الشرط السابق والتي تشكِّل فجوات ضمنه، وتُقصى البلديات المنفردة التي تحقِّق الشرط دون أن تكون على تماس مع نطاق التنقل.
4- تتألف المنطقة العمرانية الوظيفية من مجموع المدينة ونطاق التنقل الخاص بها:
تُعد المنطقة العمرانية الوظيفية ميتروبوليتانًا عندما يتجاوز عدد سكانها حاجز الـ 250 ألف نسمة، ويُسمَّى الميتروبوليتان باسم أكبر تجمع عمراني يقع ضمنه، وتوجد ثلاثة تصنيفات مختلفة لأقاليم الميتروبوليتان:
أقاليم الميتروبوليتان العاصمية capital metro regions ومثلما يتَّضح من اسمها، تحيط هذه الأقاليم بعواصم الدول المختلفة.
أقاليم الميتروبوليتان من الدرجة الثانية second-tier metro regions، وتحيط بمدن الدولة الكبرى باستثناء العاصمة ولا تُستخدم العتبة السكانية للتمييز بين التصنيفين السابقين، فليس بالضرورة أن يكون عدد سكان إقليم ميتروبوليتان العاصمة الأكبر بين جميع أقاليم الميتروبوليتان في الدولة.
أقاليم الميتروبوليتان الصغيرة smaller metro regions.
يحتاج تطبيق المنهجية السابقة إلى توفر البيانات الآتية:
1- وضع شبكة خلايا مساحة كل منها 1 كم2 لتعداد السكان وكثافتها السكانية ونسبة الأراضي في كل خلية.
2- حدود وحدات الإدارة المحلية الحالية.
3- تدفقات تنقل العمال بين الوحدات الإدارية وعدد السكان العاملين في كل وحدة إدارية (3، 5، 6).
إنَّ وضع الإستراتيجيات والخطط التنموية لمختلف التجمعات العمرانية يتطلب استخدام مناهج تخطيطية متجددة ومرنة تستوعب وتستفيد من مختلف الأنشطة الاقتصادية والتفاعلات الاجتماعية القائمة والعابرة لحدود التجمعات العمرانية الإدارية، ومع التحضر المتزايد في المنطقة العربية والعالم عمومًا، أصبح من الضروري تطوير المفاهيم والأساليب التخطيطية التي تتعامل مع المناطق العمرانية عالية الكثافة السكانية، ووضع تعاريف جديدة لهرمية التجمعات العمرانية والمستويات التخطيطية المكانية مع مراعاة طبيعة كل منطقة واتجاهات التحضر الخاصة بها.
المصادر:
1- هنا
2- هنا
3- هنا
4- هنا
5- هنا
6- هنا
7- هنا;
8- هنا