كتاب > روايات ومقالات
مراجعة رواية (وحي): ثنائية العلم والدين
يمكنكم الاستماع إلى العمل عبر الرابط:
يقدِّم الروائي اليمني (حبيب عبد الرب سروري) ضمن إطارٍ فلسفي تحليلي روايته الجديدة (وحي) بصفتها واحدةً من رواياته في مشروعٍ تنويري أطلقه الكاتب عام (1998) مع روايته الأولى الصادرة بالفرنسية (الملكة المغدورة).
وتحكي رواية (وحي) قصة الكاتب اليمني الشهير (غسان) المُقيم في المغترب، والذي يأتيه إيميل من شخصية غامضة تُسمِّي نفسها (وحي)، ويقوم متن الرواية على المراسلات المستمرة بين الطرفين، وتدهشنا (وحي) كيف تجعل الكاتب ينساق وراء أسئلتها وغموضها لتنتقل بالقارئ على جسورٍ من الحوار المتين تجاه ماضي الكاتب في اليمن وحوادث (جامع العيدروس) حيث كانت تصدمه منذ الطفولة مواقفُ التلاعب بعقول البشر من المؤمنين المستسلمين كليًّا لكلمة الشيخ ورأيه وفكره.
إنَّ حادثة (جامع العيدروس) تنقل القارئ أيضًا إلى حيِّز التفكير الواعي بين التديُّن والإلحاد ودور (الوحي) في المتلقِّي، ثمَّ إلى علاقة الأرض بالسماء ودور المجدِّدين والمُصلحين في إنتاج وعي عربي جديد فيما لو تعارض الوحي والعلم.
ويسافر بطل الرواية بصحبة زوجته (شهد) إلى جزيرة (غالاباغوس) حيث أقام العالم تشارلز داروين (Charles Robert Darwin 1809-1882) مدة سنين أمضاها في البحث والتقصِّي، وخرج إلى العالم بكتابه الشهير (أصل الأنواع)، والذي وضع فيه نظريته عن تطور الكائنات، ويلمِّح الكاتب هنا تلميحًا غير مباشر إلى تفسير موازٍ لكلمة (وحي)، وذلك بعدِّ العالم (داروين) نبيًّا من نوعٍ آخر طالما أنَّه قدَّم نظريةً عن كيفية النشوء والانتقاء كما يقدِّم الأنبياء نظرياتهم عن بدء الخلق عن طريق (الوحي السماوي) تمامًا.
ويعرض الكاتب أفكاره بطريقة تنأى عن الوعظية ودون إدانة أو تجريح، بل يقابل الأسئلة بالإجابات ويترك للقارئ الحُكم والتحليل المُقنع، فهو خطابٌ تنويري ينحاز إلى العلم على طريقة الغرب دون أن يحارب الدين، فالعلم عند الكاتب: "يسعى إلى إلغاء كل ما يحد أفق الإنسان ليضعه في حضن الصيرورة وإمكانات الترقِّي".
بالإضافة إلى أنَّ الكاتب يركز في روايته على دور اليمن تاريخيًّا وجغرافيًّا، وتحولاته من كونه (اليمن السعيد) ليبكي حاضره الذي يكاد يخرجه من خريطة العالم.
"عالمٌ سال بين أصابع الجغرافيا والتاريخ وضاع إلى الأبد، تعيده هذه الغريبة العجيبة إليَّ وهي تسأل عن تداعيات يوم جامع العيدروس، وما حدث في منظّمةٍ قاعدية لم تعد موجودة، في زمنٍ تهاوى مهزوماً في يمنٍ تحوَّل إلى مقبرةٍ جماعية. يحتضر ويوشك على الإمحاء من الكرة الأرضية".
ولا يبتعد الكاتب في روايته عن (الرياضيات التطبيقية) التي درسها ويدرِّسها في حياته العملية، وهنا نكتشف انحيازه المُطلق إلى العلم وإلى مستقبل التكنولوجيا وتأثيرها الجوهري في حياة البشر.
"لا يشك أحدٌ أنَّه في حدود 2050 سيندمج الكومبيوتر والإنسان في كائنٍ جديد، "هومو زيوس، الإنسان الإله" وستكون الجسور العضوية المباشرة التي تربط الإنسان بالكومبيوتر بلا عد، جسور تربط ذكريات الدماغ ومعارفه ببرمجيات الكومبيوتر مباشرةً ذهاب وإياب بينهما في الإتجاهين دون توقُّف، بإمكانك حينئذٍ أن تنزِّل كتاباً من الكومبيوتر إلى دماغك مباشرةً دون الحاجة لقراءته، وبإمكانك أن تمحو ذكريات لاتروق لك من دماغك مباشرةً بوضعها في سلة مهملات الكومبيوتر المرتبط بدماغك".
فالكاتب يطرح في روايته أسئلةً ملحَّة عن العلم والدين والتاريخ والوطن والغربة وسقوط المُسلَّمات عند جيلٍ لم يعد يرى في الماضي ضرورةً بقدر ما يسعى إلى بناء حاضره في غُربةٍ كادت تكون مُعادلًا للوطن.
إنَّ (حبيب عبد الرب السروري) كاتبٌ يمني ولد في عدن (1956)، وتتلمذ على يد والده وأخذ منه العلم الشرعي، وقرأ بين يديه كتب التصوُّف والتفسير، ثمَّ انتقل إلى إكمال دراسته الجامعية في فرنسا، وهناك تخصَّص في علوم الكومبيوتر، وهو يشرف -حاليًّا- على قيادة الأبحاث والفرق العلمية وعديدٍ من أطروحات الدكتوراه في علوم الكومبيوتر والرياضيات التطبيقية.
معلومات الكتاب:
سروري، حبيب. (2018). وحي. (ط.1). بيروت: دار الساقي. عدد الصفحات: 293