الفلسفة وعلم الاجتماع > علم الاجتماع
مفهوم الصور النمطية Stereotypes
الصور النمطية أو القوالب النمطية (Stereotypes) هي طريقةٌ لتصنيف مجموعة من الأشخاص وتوصيفها والحُكم عليها بمميزاتٍ ثابتةٍ وغير قابلةٍ للتغيير، ويُعدُّ مصطلح (التعميم) الأقرب للغتنا المتداولة لوصف هذه الظاهرة؛ إذ تُختَزَل جميع خصائص مجموعةٍ معينةٍ من الأشخاص -جماعيةً كانت أم فردية- في صور نمطية محددة، ويوسَم أي شخص ينتمي إلى هذه المجموعة بالخصائص التي أُطلِقت على المجموعة كليةً بدلًا من النظر إليهم بوصفهم أفرادًا مميزين لهم ميزاتهم الفردية وصفاتهم الشخصية (1).
مع أنَّ هذا النوع من الحكم المسبقِ والعداءِ تجاه الجماعات المختلفة حدث في عديد من المجتمعات والثقافات عبر التاريخ، فإنَّ اصطلاح هذه الظاهرة علميًّا ظهر منذ فترة قريبة نسبيًّا (1)؛ فقد طرح والتر ليبمان (Walter Lippmann) أول مرة مصطلح (الصورة النمطية) عام 1922 في كتابه (الرأي العام) (Public Opinion) للإشارة إلى معتقدات الناس عن الفئات الاجتماعية المختلفة (4)، ومنذ ذلك الطرح، أكَّد معظم علماء الاجتماع عدم دقة هذه الأحكام، وحدد علماء الاجتماع العمليات المعرفية الأساسية (Basic cognitive processes) التي تؤدي بالناس إلى المبالغة في الاختلافات الحقيقية بين المجموعات وتبنِّي معتقدات خاطئة عن الأشخاص.
وهذه العمليات المعرفية مهمَّة من الناحية العملية بسبب الدور الذي يمكن أن تؤديه الصور النمطية في الحفاظ على الفوارق الاجتماعية وتفاقمها، وهي مهمَّة من الناحية النظرية لأنها تُثبت أن تصوُّرات الناس وأحكامهم قد تنحرف عن الموضوعية والعقلانية (2).
الصور النمطية كغيرها من المفهومات لها خصائص معينة تعرّفها وتحدِّد ماهيتها، ويمكن تلخيص الخصائص المميِّزة للصورة النمطية بست نقاط أساسية:
- ليس شرطًا أَن يُعتقَد أنَّ جميع أعضاء المجموعة الاجتماعية لديهم السمة ذاتها من أجل أن تكون صورةً نمطية، ومن الممكن أن يُعتقَد أن معظم الأشخاص في المجموعة لديهم هذه السمة أكثر من الأشخاص في المجموعات الأُخرى؛ كأن يفترض أن معظم الآسيويين بارعون في الرياضيات أكثر من غيرهم.
- ليس شرطًا أن تكون الخاصية المرتبطة بمجموعة غير دقيقة حتى تكون صورةً نمطية، ومن الممكن أن تكون الصفة عمومًا صحيحة، ولكنها تُعدُّ في النهاية صورةً نمطية.
- من الممكن أن تكون الصور النمطية إيجابيةً أو سلبيةً أو تحتوي على عناصر إيجابية وسلبية في وقت واحد؛ فليس شرطًا أن تكون الصورة النمطية سلبية لتكون إشكالية؛ فعلى سبيل المثال: ربط الأفارقةِ بالرياضة ووصفهم بأنَّهم رياضيين جيدين من الممكن أن يَكون صورةً نمطيةً إيجابية، و لكن بعيداً عن كونه وصفاً يفرض على مجموعة من الأشخاص الاتّسام بصفة معينة (الأفارقة يجب أن يكونوا رياضيين جيدين)، فهو وصفٌ إشكاليٌ تمامًا، لأن وصف (الرياضيِّ) يُربَط بأوصاف سلبية ملازمةٍ له أيضًا؛ كافتراض أن الرياضيَّ عدوانيٌ أو غير ذكي مثلًا.
- يمكن أن تكون الصور النمطية واضحةً أو ضمنية؛ أي إنَّه من الممكن أن يُصرَّح علانيةً بعدم افتراض صورة نمطية عن مجموعة معينة واعتقاد شيء مغاير تمامًا ضمنيًّا في العقل اللاواعي.
- الصور النمطية التي تتكون ثقافيًّا أو مجتمعيًّا غالبًا ما تكون مصدرًا للصور النمطية الضمنية، أي إنّ المُجتمع الذي يَكبر الفرد ويعيش فيه له تأثيرٌ مباشرٌ على الأحكام غير الواعية التي يُطلِقها على الناس؛ فيُمكن مثلًا لفردٍ ترعرع في مدينةٍ مُحافظةٍ نسبيًّا أن يُطلق الأحكام على سُكان مدينةٍ أخرى بأنهم ليسوا على القدر نفسه من المُحافظة وتُطلق هذه الأحكام عادةً على الجميع وبغير وعي (3).
- تؤدي القوة والامتياز دورًا محوريًّا في تكوين الصورة النمطية؛ إذ تؤيِّد الصور النمطية التمييز وعدم المساواة، ولهذا السبب؛ عادةً ما يكون الأشخاص الذين يطلقون الصور النمطية على الآخرين في مراكز اجتماعية أو إدارية وغيرها تتمتّع بقوة أكبر من أولئك الذين تُعمَّم الصور النمطية عليهم، ولا تكتفي الصور النمطية بتلخيص الآخرين وافتراض أنهم أقل شأنًا فحسب؛ بل تُشرِّع و تسمح ضمنيًا لصانعي هذه القوالب النمطية بالاستمرار في مواقعهم ومراكز قُوَّتهم (1).
المعرفة بخصائص الصور النمطية يُمكن أنْ يُساعد المجتمع على تحديد الأفكار التي يمكن وَسمها بالتعميم ويَدفع الناس للتفكير مليًا بالأحكام التي يُصدرونها تِجاه المجموعات الأُخرى في المجتمع، ومن المهم أن لا يَفترض المجتمع أن إعادة التفكير بهذه الأحكام هي قيدٌ على حرية التعبير؛ بل يجب عدُّها أداةً للتواصل بين المجموعات المختلفة في المجتمع؛ فبالنظر إلى الخصائص التي ذكرت؛ يُمكن ملاحظة أنّ الفوارق بين الناس على اختلافاتهم العرقية والدينية والجنسية هي أصغر بكثير مما يُتداوَل واقعيًّا.
المصادر:
1- هنا
2- هنا
3- هنا
4- Lippmann, W. ed. (1922). Public Opinion. New York: Macmillan, pp: 79-94.