الرياضيات > رياضيات في دقيقة
إشعاع هوكينغ
منذ رصد موجات الجاذبية (2) عام 2016 تأكدنا من وجود الثقوب السوداء في كوننا، علمًا أن هذه الأشياء الغريبة والمخيفة لم تكن جديدة على علماء الفيزياء فقد قضوا وقتًا طويلًا في دراستها والتفكير فيها من الناحية النظرية.
أول صورة التُقِطت لثقب أسود في عام 2019 (European Southern Observatory., CC BY 4.0.)
قدَّم ستيفن هوكينغ أكبر مُساهمة في نظرية الثقوب السوداء مستخدمًا الرياضيات فقط بدلًا من الرصد. إذ وضَّح هوكينغ وزملاؤه وعلى نحو مذهل أن الثقوب السوداء أجرام بسيطة؛ يُمكن وصفها بكتلتها، وباللف المغزلي الخاص بها، وبشحنتها الكهربائية. لا يهم ما يُقذف في الثقب الأسود، أو كيف نشأ الثقب الأسود – قد يكون نجمًا ميتًا، أو تصادم ثقبين أسودَين، وقد تقذف فيه أشخاص أو مكتبات العالم - من الخارج، كل ما تراه هو كتلة الثقب الأسود، ولـفُّـه المغزلي (أي: طريقة دورانه) وشحنته؛ أي ووفقًا لقول عالم الفيزياء John Wheeler جون ويلر "الثقوب السوداء صلعاء" (أي ليس لها شَعر)؛ المقصود بصلعاء؛ أي إذا دخلها جسم فلن نحصل منه على أية معلومات. (1)
وحسب نظرية الصَّلع السابقة الذكر - وهو ما أصبحت تُعرف به لاحقًا - روَّض هوكينغ وزملاؤه نظرية الثقوب السوداء. لكن بعد ذلك بقليل، أي عام 1974، أثبت هوكينغ نتيجة أخرى عن الثقوب السوداء، والتي فتحت آفاقًا جديدة للبحث، إذ بيَّن أن الثقوب السوداء ليست كلها سوداء، وبدلًا من ذلك هي تبعث إشعاعًا حراريًّا إلى بيئتها المحيطة - تمامًا مثل ترك كوب الشاي الساخن ليَبرُد.
إنَّ نتائج هوكينغ السابقة عن الثقوب السوداء، ونظريته عما أصبح يُدعى إشعاع هوكينغ لم تنتج عن الرصد والملاحظة، بل عن الرياضيات، ففي أثناء تأمل لغز محدد كان يُثير اهتمام علماء الفيزياء آنذاك، افترض هوكينغ وجود كونٍ يتكون من ثقب أسود واحدٍ فقط. طبعًا تُتيح نظرية النسبية العامة لآينشتاين دراسة مثل هذه العوالم الخيالية، لكن هوكينغ طبَّق عليها أيضًا الفيزياء التي تصف العالم وفق مقاييس صغيرة جدًّا، ميكانيكا الكم.
عند تطبيق ميكانيكا الكم على المادة خارج الثقب الأسود، اكتشف هوكينغ أن بعض الإشعاع الحراري يجب أن ينبعث من الثقب الأسود، وأن هذا ينبغي أن يكون صحيحًا بالنسبة للثقوب السوداء على نحو عام. (1)
من المسلَّمات أن درجة حرارة هذا الإشعاع المنبعث من الثقب الأسود، التي تُدعى الآن درجة حرارة هوكينغ، ليست قريبة من درجة فنجان الشاي الساخن، لا بل هي منخفضة بشكل لا يُعقل، هي كَسرٌ صغير جدًّا فوق الصفر المطلق ومن الصعب جدًّا علينا رصده. لكن حقيقة أنه ينبغي أن يكون هناك أي إشعاع على الاطلاق أذهل مجتمع الفيزياء. (1)
طرحت نتيجة هوكينغ على الفور مفارقة لم تُحلّ بعد – حقيقةً، كان هوكينغ لا يزال يعمل عليها في الأشهر الأخيرة من حياته، وتُدعى مُفارقة المعلومات. (3) إذ تتعلق هذه المفارقة بالثقوب السوداء، وما يحصل للمعلومات التي تدخل إليها، ولكن هذا موضوع لمقال آخر.
المصادر:
1- هنا
2- هنا
3- هنا