الغذاء والتغذية > التغذية والأمراض
هل يساعد شرب الكحول على علاج مرض الكورونا المستجد؟
انتشرت العديد من الأقاويل عن حول فائدة تناول المشروبات الكحولية - وخاصةً تلك ذات التراكيز العالية من الكحول - في منع أعراض مرض الكورونا المستجد COVID-19 أو تقليلها أو حتى علاجها! ولم يتوقف الأمر عند كونها مجرد أقاويل لا تأثير لها، بل وصل الأمر إلى التسبب بموت مئاتِ الأشخاص في إيران، فإشاعةٌ بسيطة مفادها أن شرب الكحول يفيد في الوقاية من هذا المرض أدت إلى وفاة عدة مئاتٍ من الأشخاص، وقد تحدثت عدة مصادر إخبارية مثل Independent وDailymail وMirror عن الوفيات، وسجلت أعدادًا متفاوتةً تراوحت بين 300 و600 شخص، إضافةً إلى نقل الآلاف إلى المشافي نتيجة الشرب المفرط للمشروبات الكحولي واستهلاكها دون تمديد؛ أو ما يُعرف بـ Neat alcohol، أو استهلاك أنواعٍ ضارة مثل الميثانول Methanol أو الكحول الميثيلي (1,2,3).
فما حقيقة العلاقة بين الكحول وڤيروس الكورونا المستجد؟ هذا ما ستعرفونه في مقالنا هذا المقال..
سبب الشائعة عن فائدة شرب الكحول:
ترافق انتشار جائحة الكورونا المستجد COVID-19 Pandemic مع وباء آخر هو وباء المعلومات الكاذبة التي انتشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي نتيجة جهل من ينشرها وقلة مسؤوليته والفهم الخاطئ للتعليمات الصحيحة! وقد يكون انتشار شائعة شرب الكحول نابعًا من الفهم الخاطئ للمعلومات التي تتحدث عن فعالية الكحول والمعقمات الكحولية Alcohol-based sanitizers في القضاء على ڤيروس SARS-COV-2 المسبب لمرض الكورونا المستجد (4,5,6,8).
لكن تلك الفعالية تنطبق على محاليل كحولية محددة وبتراكيز محددة، وتشترط التماس المباشر مع الڤيروس الموجود على الأسطح الخارجية مثل اليدين أو العبوات وما شابه (6)، علمًا أن استخدام المعقمات الكحولية على اليدين بهدف القضاء على الڤيروسات ليس بفعالية الماء والصابون (8)، فما بالكم بالڤيروسات الموجودة داخل خلايا الجسم! كيف يكون لشرب الكحول أي دور في القضاء عليها بعد مروره في الجهاز الهضمي وهضمه وتفككه فيه؟!
وفي الحقيقة، نفت عدة جهات رسمية، أهمها منظمة الصحة العالمية WHO، وجود أية فائدة لتناول المشروبات الكحولية في علاج مرض الكورونا المستجد (7).
ما آلية تأثير المحلول الكحولي في الڤيروسات؟
تقضي محاليل الكحول الإيثيلي Ethyl Alcohol وكحول الإيزوبروبيل Isopropyl Alcohol على البكتيريا والڤيروسات نتيجة تشويه Denaturation البروتينات الخارجية المكونة للمحفظة الڤيروسية أو الخلية البكتيرية والتي تكون مسؤولة عن حماية الڤيروس أو البكتيريا (9).
ويشير مصطلح "الكحول" في المجال الصحي إلى مركبين كيميائيين ذوَّابين في الماء، هما الكحول الإيثيلي وكحول الإيزوبروبيل، ولا يشمل أية مركبات أو مشروبات كحولية أخرى. وتتعلق فعالية هذين المركبين بزمن التماس الذي يجب ألا يقل عن 30 ثانية، وبتركيزِ المحلول الذي يجب أن يتراوح بين 60 و95%، علمًا أن الكحول يفقد فعاليته عند انخفاض التركيز إلى أقل من 50%، كذلك الأمر بالنسبة للكحول النقي (ذي التركيز 100%) الذي يتبخَّر سريعًا، مما يقلل فعاليته نتيجة قصر زمن التماس مع الڤيروس (6,9)؛ أي إن فعالية المحلول الكحولي تشترط أن يكون بتراكيز بين 60-95% وألا يقل زمن التماس المباشر مع الڤيروس (عند تعقيم الأسطح) عن 30 ثانية، وليس عبر شرب الكحول!
ماذا يحدث للنظام المناعي بتأثير الشرب المفرط للكحول؟
إن مشكلة شرب الكحول لا تتوقف عند عدم فائدته في الوقاية من مرض الكورونا المستجد، بل تتعداها إلى التأثير الضار في الصحة:
الشرب المفرط للكحول والنظام المناعي: قد تكون المناعة والنظام المناعي أكثر ما يهم البشرية الآن، فجهازنا المناعي هو خط الدفاع الأول أمام هذه الجائحة، والشرب المفرط للكحول بغرض الحماية من ڤيروس الكورونا المستجد ومرض COVID-19 يعطي في الحقيقة نتيجةً عكسيةً، وقد لاحظ العلماء منذ وقت طويل (10) وجود علاقة بين الاستهلاك المفرط للكحول والتأثيرات الصحية الضارة المرتبطة بالمناعة، وإحداها زيادة قابلية الإصابة بالالتهاب الرئوي Pneumonia! لاحظ معنا عزيزي القارئ، إضعاف المناعة، والتهاب رئوي؛ هل يذكرك هذا بشيء؟ نعم أصبت؛ إنها مصطلحات ترتبط بالكورونا المستجد؛ أي إن الإفراط في شرب الكحول سيجعل دفاعاتنا ضد الكورونا المستجد أضعف وأعراضه أقسى!
أضرار أخرى: تبين أيضًا وجود ارتباطٍ أكبر بين الشرب المفرط للكحول وكلٍّ من متلازمة الإجهاد التنفسي الحاد (ARDS)، وتعفن الدم Sepsis، وأمراض الكبد الكحولية (ALD)، وبعض أنواع السرطان، وارتفاع معدل حدوث مضاعفات ما بعد الجراحة، وتباطؤ التعافي من العدوى والصدمات الجسدية، وضعف التئام الجروح (10).
ويُعرَّف الشرب المفرط للكحول (أو نهم الشرب Binge Drinking) من قبل المعهد الوطني لتعاطي الكحول وإدمان الكحول (NIAAA) بأنه نمط الشرب الذي يرفع تركيز الكحول في الدم (BAC) إلى 0.08 غ/ديسيلتر فما فوق. واعتمادًا على وزن الجسم، يقابل ذلك استهلاك خمسة مشروبات فما فوق للرجال، وأربعة مشروبات فما فوق للنساء في غضون ساعتين (11,12).
ما هي المشروبات الكحولية العالية التركيز Neat Alcohol؟
تكرر مصطلح Neat Alcohol في المصادر الإخبارية في الإشارة إلى سبب التسمم والوفيات، ويشير إلى تناول المشروبات الكحولية مباشرةً دون خلطها أو تمديدها، مما يزيد الجرعة الكحولية ويسبب استهلاك كمياتٍ كبيرةً من الكحول وبتراكيز عالية؛ وعلى سبيل المثال يصل تركيز الكحول في الويسكي بعد التقطير إلى 70% ABV (الكحول حسب الحجم) ومن ثم يُخفَّف إلى قرابة 40% ABV عند الاستهلاك؛ وبذلك فإن شرب كأس واحد دون تمديد يعني استهلاك المحتوى الكحولي كاملًا، في حين يعادل ذلك ثلاثة كؤوس عند استهلاكها مُمددةً بنسبة ثلث ويسكي إلى ثلثين من الماء أو الثلج (13).
التسمم الكحولي Alcohol Poisoning:
يسبب استهلاك الكحول المفرط في فترةٍ زمنية قصيرة (نهم الشرب Binge Drinking) تسممًا كحوليًا قد يكون السببَ في الحالات التي سمعنا عنها، ويسبب أضرارًا صحية قد تصل إلى الموت، ومن علاماته وأعراضه الارتباك، والكلام المشوش، وفقدان التركيز، والتقيؤ، والتنفس غير المنتظم أو البطيء، والبشرة الشاحبة أو الزرقاء اللون (بسبب انخفاض درجة حرارة الجسم)، والذهول (كأن تكون واعيًا ولكنك لا تستجيب)، وفقدان الوعي، وصولًا إلى الغيبوبة وتلف الدماغ والموت في الحالات الشديدة (14,15).
التسمم بالكحول الميثيلي Methanol Toxicity:
أشارت المصادر الإخبارية إلى أن الحالات المذكورة قد تعود إلى التسمم بالميثانول (الكحول الميثيلي)، فما هي هذه الحالة الصحية؟
الميثانول Methanol أو الكحول الميثيلي Methyl Alcohol هو أحد المركبات الكحولية المتاحة على نطاق واسع، ويستخدم مذيبًا ووقودًا، وينتج أيضًا من تخمر المشروبات المخمرة الكحولية وغير الكحولية، ويوجد بكميات ضئيلة غير سامة في عصائر الفاكهة والبيرة والمشروبات الكحولية غير المغشوشة، لكن المشكلات تحدث عند تشكُّل تراكيز عالية من الميثانول إما في أثناء عمليات التقطير التي تأخذ مسارًا خاطئًا أو عندما يضاف إلى المشروبات على نحو متعمَّد وغير مشروع (16,17)، إذ يتَّصف هذا الكحول بكونه أرخص من الإيثانول (الكحول الإيثيلي)، الأمر الذي يسهل استخدامه لغشِّ بعض المشروبات الكحولية الرخيصة Methanol-Tainted Alcohol وخصوصًا المحضرة يدويًا، كما حدث في كوستاريكا عام 2019 (16) وفي بعض الدول الأخرى أيضًا.
ويصبح الميثانول سامًا عندما يُستقلب في الجسم إلى مركبّي الفورمالديهايد Formaldehyde وحمض الفورميك Formic Acid اللذان يسببان شعورًا بالنعاس وعدم الاستقرار عند تراكمِهما في الدم، وقد تتطور الأعراض لاحقًا إلى التقيؤ والصداع وآلام البطن ومشكلات الرؤية والعمى وصولًا إلى التشنجات والغيبوبة والاضطرابات الأيضية التي قد تؤدي إلى الموت (16,19). وتتراوح الجرعة المميتة المحتملة من الميثانول بين 30 و240 مل، أو 1 غرام لكل كيلوغرام (18).
وكما ذكرنا في مقالٍ سابق هنا لا يمكننا استخدام جميع أنواع الكحوليات على البشرة، وبسبب المركبات السامة التي تتشكل بعد استقلاب الكحول الميثيلي (الميثانول)، فإن استخدامه لتعقيم البشرة ممنوع، ولهذا لا يُنصَح باستخدامه حتى صناعيًّا إلا من قبل المختصين (19).
ختامًا
يجب أن نتذكر أن الاجتهاد في الأمور العلمية والصحية ليس صحيحًا وقد تكون له نتائج مدمرة، وأن كل إجراءٍ صحي وكلَّ مادةٍ مستخدمةٍ لها شروط تتعلق بنوعها ونقاوتها وجرعتها وطريقة تطبيقها. وفيما يخصُّ الكحول، فهو معقمٌ خارجي ضمن شروط وتراكيز محددة، وليس لشربه أية فائدةٍ سواء كان ذلك لمقاومة ڤيروس الكورونا المستجد أم غيره من الڤيروسات، بل على العكس، قد يضعف الكحول الجهاز المناعي ويسبب أمراضًا وأعراضًا قد تصل للموت.
احذروا المعلومات الزائفة واحرصوا دائمًا على اتباع التعليمات من مصادرها الموثوقة.