كتاب > الكتب الأدبية والفكرية
مراجعة كتاب (أثقل من رضوى): عن حياة الأديبة الراحلة رضوى عاشور
رضوى عاشور (1946-2014) كاتبةٌ وروائية مصرية وأستاذة جامعية، وإنتاجها قد توزَّع بين الرواية والقصة القصيرة والنقد الأدبي والثقافي، وكتبت باللغتين؛ العربية والإنجليزية، وتُرجِمت بعض أعمالها إلى الإنجليزية والإسبانية والإيطالية.
وحازت على عديد من الجوائز منها: جائزة قسطنطين كفافيس الدولية للأدب في اليونان (2007)، وجائزة تركوينيا كارداريللي في النقد الأدبي في إيطاليا (2009)، وجائزة سلطان العويس للرواية والقصة (2012).
ورضوى عاشور زوجة الشاعر الفلسطيني مريد البرغوثي، وابنهما هو الشاعر تميم البرغوثي.
(أثقل من رضوى) عبارةٌ عن مقاطع من سيرة ذاتية للكاتبة رضوى عاشور، وهو يختلف عن كتب السير الذاتية الكلاسيكية التي عادةً ما تتبع التسلسل الزمني للأحداث من الطفولة والشباب، ثم الكهولة والشيخوخة، بكونه لا يتناول سوى مشاهد محددة من حياتها، وهي تصفه بكلماتها: "أعي منذ بدأت في كتابة هذا النص أنني أجمع فيه بين السيرة الذاتية والمذكرات، وهما نوعان مختلفان من الكتابة، وإن اشتركا في التأريخ للذات وتقديم التجربة الشخصية وتصنيفها وتأملها والتعليق عليها، باسترجاع مراحل العمر بشكل متسلسل زمنيًا أو يخلط بين الأزمنة."
ويحضر المرض واحدًا من أبرز ثيمات السيرة؛ إذ يعجُّ الكتاب بمشاهد المستشفى والأطباء والصور والأشعة.. فقد فاجأ الدكتورة رضوى في أيام عمرها الستين تورمٌ في الدماغ، ما عكر صفو حياتها وأجبرها أن تأخذ إجازة من التدريس في جامعة عين شمس حتى تسافر إلى الولايات المتحدة بغرض إجراء جراحة لاستئصاله، وطالت الإجازة بعد أن تطلب استئصال الورم جراحات متعددة يليها علاجٌ بالأشعة، عانت في أثنائها رضوى الأمرَّين: إنهاك الآلام الجسدية ومرارة وجودها في أميركا للعلاج في الوقت الذي شهدت فيه بلدها مصر أحداثًا تاريخية، عُرفت بثورة 25 يناير 2011.
وتستعجل عاشور الخروجَ من مرحلة العلاج في ربيع 2011 لتعود سريعًا إلى بلدها فترى المتغيرات بأمِّ العين، وتشارك عن كثب في هذا الحدث الضخم، وتستحضر كثيرًا من معاني الثورة وتشاركنا يومياتها من ميدان التحرير، ثم تضيف على الأحداث آراءها السياسية وتأملاتها الثاقبة، وتعرِّج عاشور على الفنون التي انتشرت في تلك الفترة، مبدية فرحةً عارمةً في انتشار "الجرافيتي" واحدًا من أبرز فنون الشارع، والذي يُعدُّ منبرًا وهدفًا -في آنٍ واحد- للناس جميعهم بمختلف مستوياتهم العلمية والثقافية، فتقول: "إن غالبية أهل مصر العامرة بالآثار والرسوم والنقوش لم يتح لهم دخول متحف ولا قاعة عرض فني ولا زيارة معابد الأقصر ولا مقابر وادي الملوك والملكات في برّها الغربي. وأن رسوم الجرافيتي المَشَاع في الشارع كانت تجربة جديدة لمعظمهم، تستوقفهم وتثير فيهم البهجة والأسئلة."
وتسهب عاشور في سرد التفاصيل، فتراها تارة كمن يؤرشف ذكرياته محاولًا تخليد أجملها، وطورًا كمن يحاور نفسه ويؤاخذها على مرأى من القارئ ومسمعه.
وتحكي تجربتها في التعليم الجامعي، فتصف علاقتها بطلابها وشغفها اللامتناهي بالتدريس والعطاء.
وتقيِّم نفسها بصفتها كاتبةً أيضًا؛ روائية وقاصة وناقدة، فتتأمل تجربتها، وتعيد صياغة رؤيتها لفعل الكتابة وهدفها منه، فتقول في أحد أجمل المقاطع: "الكتابة فعلٌ أنانيٌ وطارد يفرض درجة من العزلة الداخلية، ينفيك عمن حولك، أو ينفي من حولك، يضعهم على الرَّف إلى حين... لا تفوتني المفارقة، لأنها فعلٌ ينفي الآخرين ليخاطبهم ويصيغ علاقته بهم، ويشكِّل ما يشكّل بلغتهم. ينفيهم ليكتب حكايتهم. يقصيهم ليراهم أكثر. يبتعد ليقترب، ويعزلك ليتيح لك تبديد وجودك المفرد وإذابته في وجودهم ومكانهم وزمانهم. عجيب!"
وفي الختام، يشكِّل كتاب (أثقل من رضوى) تجربةً مختلفةً من السيرة الذاتية، ومن أبرز ما يميزه قدرةُ كاتبته على جمع أشياء متباعدة في الظاهر، ولكنَّها تحمل معانٍ متقاربة أو ذات مغزى.
فهي لثقتها بذكاء القارئ وسرعة بديهته، تخبأ تلك الروابط وتترك لك مهمة البحث عنها بنفسك، وإن سألتها لماذا، فإليك الجواب: "لتبق الشذرات تفلت من أيّ محاولة لربطها لأن الرباط قيدٌ يلجم المعنى ويدفع به في اتجاهٍ محكوم، وهذا ما لا أريده."
معلومات الكتاب:
عاشور، رضوى. أثقل من رضوى (2013). مصر: دار الشروق. عدد الصفحات: 393.