الآثار النفسية للحجر الصحي وكيفية التعامل معها

يُعرَّف الحجر الصحي بأنَّه فصل الأفراد -الذين قد تعرضوا لمرضٍ معدٍ- عن بقية السكان لتحديد ما إذا كانوا مرضى وتقليل خطر إصابتهم للآخرين ونقل العدوى إليهم.

استُخدِم الحجر الصحي في أثناء تفشي جائحة فيروس كورونا المستجد بوصفه إستراتيجيةً للصحة العامة للحدِّ من انتقال المرض، وقد تنوعت أشكال الحجر الصحي ما بين حجر صحي جماعي لمدنٍ بأكملها -كما في الصين- أو الحجر في أماكن تديرها الحكومات، أو الحجر الذاتي الطوعي في المنزل (3،1).

قد تظهر على الفرد في خلال فترة الحجر الصحي آثارٌ نفسيةٌ متعددةٌ بسبب هذا الوضع الجديد، وقد تؤدي هذه الآثار إلى نتائج نفسية حادة وطويلة الأمد؛ تتنوع ما بين ضغوط نفسية، وأعراض قلق واكتئاب، واضطراب ما بعد الصدمة (PTSD).

ومن أبرز الأعراض المُلاحظة على مَن في الحجر الصحي: الخوف والغضب والعصبية والتهيج والأرق وضعف التركيز وانخفاض أداء العمل، وهذه الآثار لا تقتصر على الأشخاص المعزولين صحيًّا فقط، بل تشمل من يعمل ضمن مجال الرعاية الصحية في أماكن الحجر الصحي والذين تُلاحظ عليهم آثار نفسية حادة وطويلة الأمد أيضًا (2).

في دراسات سابقة تناولت آثارَ الحجر الصحي النفسية في الأفراد بسبب أمراض وجائحات انتشرت سابقًا مثل الإيبولا وإنفلونزا الطيور؛ وجدوا فيها ارتباطًا بين أعراض تعاطي الكحول وبين الأفراد الذين كانوا يعملون في مجال الرعاية الصحية في أثناء الحجر الصحي، وقد ظهرت هذه الأعراض بعد ثلاث سنوات من عمل هؤلاء الأفراد في أثناء فترات الحجر الصحي (3).

وتشير بعض الدراسات إلى أنَّ فترة الحجر الصحي الطويلة مرتبطةٌ بتطور الأعراض النفسية وشدتها لدى الأفراد، كذلك تشير دراسات أخرى إلى أنَّ عدم كفايات الأفراد المادية وخسارتهم المالية في أثناء فترة الحجر الصحي شكلت سببًا لظهور أعراض نفسية طويلة الأمد عليهم كالغضب والقلق (3).

في حين أظهرت دراسات أخرى أنَّ الشعور بوصمة العار كان مُلاحظًا على نحو رئيسي وخاصة لدى الأفراد العاملين في مجال الرعاية الصحية في أثناء الحجر الصحي مقارنةً بأقرانهم الذين لم يكونوا في الحجر الصحي (3).

في أثناء تفشي الأمراض المعدية وإعلانها جائحة؛ يكون الحجر الصحي إجراءً وقائيًّا ضروريًّا، ومع هذا الإجراء سوف تترتب آثارٌ نفسيةٌ متعددة -قصيرة الأمد أو طويلة الأمد- وهذا ما لاحظناه فيما سبق، ولكن ما هي التدابير التي يمكن اتخاذها للتقليل من هذه الآثار في الأفراد؟

- جعل فترة الحجر الصحي قصيرة قدر الإمكان: كلما كانت فترة الحجر الصحي أطول؛ كانت الآثار النفسية السلبية أكبر، ولذلك يرى الباحثون أنَّ اعتماد نهج احترازي مفرط قد يؤدي إلى الشعور بالإحباط وضعف المعنويات، وقد تكون النتائج المترتبة على تمديد الحجر الصحي إلى أجلٍ غير مسمى ودون تحديد برنامج صحي زمني، أكثر سلبية.

- تقديم أكبر قدر من المعلومات: غالبًا ما يخشى الأشخاص الذين يخضعون للحجر الصحي من الإصابة؛ سواء بالمرض الذي قد حُجروا بسببه أو بأمراض جسدية أخرى؛ لذلك يجب توعية الأشخاص بالحجر الصحي ومدهم بالمعلومات الصحية الكافية عنه وأسبابه.

- توفير المساعدة والإمداد: يجب على المسؤولين القائمين على برامج الحجر الصحي التأكدُ من أن الأشخاص والأسر الموجودين في الحجر الصحي لديهم ما يكفي لسدِّ احتياجاتهم الأساسية والتأكد باستمرار من عدم نفاذ المواد الضرورية لديهم.

- تقليل الملل وتحسين التواصل: الملل والعزلة هما أكثر ما يسبب القلق والضيق والهم لدى الأفراد في الحجر الصحي، ولعلَّ امتلاك الأشخاص الموجودين في الحجر الصحي لأجهزة الهاتف الخلوي أمرٌ ضروريٌّ وليس بطرًا؛ وذلك لتنشيط آليات التواصل الاجتماعي الفعال وإن كان عن بُعد، ويقترح الباحثون توفيرَ خط هاتف تديره ممرضات نفسيات للتواصل الدائم مع الأفراد في الحجر الصحي، ويُقترح أيضًا توفر شبكات إنترنت واتصال (WIFI) على نحو دائم ضمن فترة  الحجر الصحي ومراكزه.

- الإيثار أفضل من الإكراه: وهذا يرجع إلى تقييم الأفراد ومعرفتهم بمخاطر الجائحة؛ عندئذٍ يكون للحجر الطوعي آثارٌ إيجابيةٌ أكثر من الحجر الصحي القسري، ويعود هذا إلى كفايات الأفراد المعرفية وتعزيز المسؤولين لهذه الخطوة التي يبادر إليها الأفراد طوعًا.

- الاهتمام بالعاملين في مجال الرعاية الصحية على نحو خاص: توصي عديدٌ من الدراسات بضرورة دعم من يعمل في مجال الرعاية الصحية في الحجر الصحي من قبل أقرانهم الذين هم خارج الحجر الصحي للتخفيف من الضغوطات التي يعانونها في أثناء وجودهم المستمر في الحجر الصحي (3).

إذًا، قد يكون الحجر الصحي للأفراد طويلًا نسبيًّا وقد يترك آثارًا نفسيةً شديدةً ربما تستمر إلى أمد طويل، وهذا لا يعني أن يُلغى الحجر الصحي؛ على العكس تمامًا، إذ قد يسبب إلغاؤه ضررًا بالغًا على حياة الأفراد والمجتمعات أكبر من الضرر النفسي بأضعاف مضاعفة، ولكنَّ اتخاذ القائمين والمشرفين على برامج الحجر الصحي تدابيرَ وقائيةً يمكنها أن تخفف من آثار الحجر الصحي النفسية في حياة الأفراد حتى إلى ما بعد انتهاء هذه الفترة.

المصادر:

1. Roy-Byrne p. Psychological Effects of Quarantine: A Qualitative “Rapid Review”. watch journal [Internet]. 2020 [cited 21 April 2020];. Available from: هنا

2. Psychological Effects of Quarantine During the Coronavirus Outbreak: What Public Health Leaders Need to Know [Internet]. mha.ohio.gov. 2020 [cited 22 April 2020]. Available from: هنا

3. Brooks S، Webster R، Smith L، Woodland L، Wessely S، Greenberg N et al. The psychological impact of quarantine and how to reduce it: rapid review of the evidence. The Lancet [Internet]. 2020 [cited 22 April 2020];395(10227):912-920. Available from: هنا