منوعات علمية > العلم الزائف
التخاطر (الجزء الثاني): كيف يرى العلماء التخاطر؟
وضحنا في المقال السابق عجز من يدعون أنهم يملكون قدرات تخاطرية في إثبات وجود هذه القدرات، وسنكمل معكم في مقالنا هذا أسباب رفض العلماء لوجود التخاطر.
لا بُدَّ أنَّك في إحدى المرات فكرت في أمر معين لتتفاجأ فيما بعد أنَّ أحد معارفك فكر في الموضوع نفسه في الفترة ذاتها، من منا لم يحصل معه هذا الموقف؟ ولكن هل هذا دليلٌ كافٍ للقول أنَّ التخاطر حقيقي؟
لماذا يرفض العلم والمجتمع العلمي الاعتراف بهذا الاحتمال؟
بدأت الأبحاث والتجارب في حقل التخاطر في نهاية القرن التاسع عشر بالتزامن مع ظهور ثوري لمفهوم الأشعة الكهرومغناطيسية في الفترة نفسها، في ذلك الوقت رأى المجتمع العلمي مستقبلاً باهراً لكلا المفهومين، لكننا اليوم نرى نتائج الأبحاث في المجال الكهرومغناطيسي في كل مكان فلِمَ لم تظهر القدرات التخاطرية بعد؟!
الحقيقة أنَّ ما يبدو لنا بصفته قدرة تخاطرية ليس إلا صدفة تابعة لمبدأ الاحتمالات، إذ تشبه الحالات التي تظهر على أنَّها تخاطر مراقبة إشارة الضجيج الكهرومغناطيسي لفترة طويلة، فترميز هذه الإشارات على أنها نوتات موسيقية والاستماع لها لفترات طويلة قد ينتج لفترة معينة ضمن الضجيج لحناً شبيهاً بمقطوعة موسيقية عالمية، لكن هذا اللحن ليس دليلاً كافياً على عبقرية الكون الموسيقية فنحن نرصد فقط ضجيجاً عشوائياً، كذلك الأمر مع التخاطر فإن تقارب الأفكار مرة أو مرتين بين شخصين متقاربين ليس إلا حالة من العشوائية ذات احتمال حدوث معين (1).
فالعلم الحقيقي كما في حالة الأمواج الكهرومغناطيسية يتطور ويخطو نحو الأمام بخطى متسارعة في حين يبقى العلم الزائف كما في حالة التخاطر والقدرات الذهنية الخارقة موضع شك دون وجود دلائل عليه سوى بعض الحالات العشوائية مهما طالت فترة اختباره (1).
ينفي العلماء اليوم وجود القدرة على التخاطر لدى البشر؛ وقد يعود ذلك إلى أحد الأسباب الآتية أو جميعها:
-عدم القدرة على إرسال البيانات: لا يوجد في الدماغ البشري عضو فعال قادر على إرسال الرسائل أو تشكيلها أو حتى ترتيبها على نحوٍ ملائم للإرسال.
-عدم القدرة على استقبال البيانات: كما في حالة الإرسال فلا يوجد أي جزء من الدماغ قادر على استقبال البيانات أو حتى تفسير بيانات قد نكون قد استقبلناها ولكننا لا نملك القدرة على تحليلها.
-عدم القدرة على الكشف عن البيانات: إنَّ المشكلة الرئيسية تكمن في عدم امتلاك الدماغ القدرة الكافية للبث أو التحسس للإشارات (على فرض تمكن البشر من إرسال واستقبال البيانات بطريقةٍ ما) وفي هذه الحالة فإن إضافة وسيط (مقوي إشارة) قد يمكِّن البشر من التواصل تخاطرياً.
وقد لا تكون المشكلة في طريقة الإرسال أساساً إنما في الرسالة بحد ذاتها، فهل سيكون مضمون الرسالة لغوياً (كلمات وأحرف وأرقام) أم أنها ستكون إشارات دماغية نقية (مثل الإشارات العصبية المنتقلة بين الخلايا العصبية)؟ (2)
إن نصف البالغين تقريباً في الولايات المتحدة يعتقدون بوجود قدرات ذهنية خارقة (تخاطر، حدس، تنبؤ....) وغالباً ما يُبلَّغ الناس عن حالات معرفية غريبة مثل توقع موت أحدهم أو معرفة هوية المتصل بهم مسبقاً وينسبون هذه المعلومات إلى القوى الذهنية الخارقة، تقول أيمي لافوا Amy Lavoie الباحثة في كلية العلوم والفن في هارفارد أيضاً: "إنَّ من أعطى المصداقية لهذه الإشاعات والأخبار الكاذبة هي الحكومة الأميركية ذاتها وذلك بعد إعلانها إنفاق ملايين الدولارات في تجنيد الجواسيس ذوي القدرات الذهنية الخارقة وتدريبهم للطبيعة في خلال الحرب الباردة، ودعم الفكرة الباحث داريل بيم Daryl Bem من جامعة كورنيل الأمريكية Cornell University الذي أكد وجود نوع من القدرات الخارقة عبر مجموعة من التجارب، لكن أبحاثه وآلية عمله لم تكن واضحة على نحوٍ كافٍ، وإعادة التجارب لم تؤدِّ إلى الحصول على نتائج متماثلة، لذلك لم يتقبل المجتمع العلمي هذه التجارب (4).
يتساءل القارئ لمِ كل هذه الأبحاث عن العوائق بوجه التخاطر وقد أُثبِتت سابقاً أنه خارج عن قدرة البشر؟
تشرح كاتلين شور Caitlin Shure الباحثة في علم الأعصاب والتواصل في جامعة Columbia University بأنَّه قد يكون هناك إجماع علمي على عدم وجود قدرة على تخاطر بشري صرف، ولكن ربما يكشف المستقبل عن أدوات قادرة على إتمام النقص وتجاوز العوائق السابقة، ليس عن طريق القدرات الخارقة والإعجازية، إنما عن طريق التعاون العلمي بين التقنيات الحديثة وعلوم الأعصاب، وذلك عن طريق تحويل البيانات العصبية إلى بيانات رقمية، ثم إرسالها وتحقيق أحد أقدم الأحلام البشرية (3).
يدَّعي كثيرون امتلاكهم قدرة التخاطر أو أنهم يستطيعون التواصل مع أشخاص محددين دوناً عن غيرهم، وهذه الإدعاءات خاطئة وغير علمية، لكن العلم اليوم يسعى إلى تطوير القدرة البشرية كما طورنا سابقاً الهاتف المحمول والطائرة من قبله، والعديد من الأحلام أصبحت واقعاً بفضل العلم، فهل تتوقع الوصول في أحد الأيام للتقنية اللازمة للتخاطب الذهني؟
المصادر:
2- Extraterrestrial Linguistics [Internet]. Personal.bgsu.edu. 2020 [cited 17 April 2020]. Available from: هنا
3- Shure C. Brain Waves, A Cultural History: Oscillations of Neuroscience, Technology, Telepathy, and Transcendence [Internet]. Academic Commons. 2020 [cited 17 April 2020]. Available from: هنا
4- Neuroimaging fails to demonstrate ESP is real [Internet]. Harvard Gazette. 2020 [cited 17 April 2020]. Available from: هنا