كتاب > روايات ومقالات
مراجعة كتاب (كتاب الرمل): جموح الخيال وغرائبه
يُعد الأديب (خورخي لويس بورخيس) من أبرز كُتَّاب القصص القصيرة، وقد كتب المقالات والشعر أيضًا، وتُعد مؤلفاته من أثرى المؤلفات خيالًا ومن أعمقها أثرًا وأشدها إثارة لمكنونات النفس البشرية، وقد تحدَّث بورخيس عن تأثره بكتاب (ألف ليلة وليلة) وكتب التاريخ العربي، وكان مُلهمه في كتاباته تراث الإنسانية كافة، ويراه النقاد أحد أهم المؤثرين في أدب أمريكا اللاتينية.
وقد حظي أدبه باهتمام وتقدير كبيرين من مختلف الشعوب، فقد تقاسم مع صموئيل بيكيت جائزة الناشرين الدولية عام 1961، ومُنِح درجة الدكتوراه في الآداب في عام 1970 من جامعتي كولومبيا وأكسفورد، وكذلك منحته جامعة السوربون الفرنسية دكتوراه فخرية، وقد حصل على أرفع جائزة ثقافية في العالم الناطق بالإسبانية وهي جائزة سرفنتيس للآداب.
ونرى تأثره بكتاب (ألف ليلة وليلة) بالإضافة إلى خياله الجامح في قصص (كتاب الرمل) موضوع مقالنا هذا، فيروي في قصة (الآخر) أنَّه قد التقى بنفسه في عمر أصغر وجلسا سويًّا على المقعد نفسه في حديقة، وقد حكى لنفسه الأصغر بعضًا مما سيحدث له في حياته القادمة، وقد صوَّر في القصة ارتيابهما من هذا الموقف الغريب، ولا يعرف إن كان ذلك قد حدث في الحقيقة أم في الأحلام، وإن كان حلمًا فمن منهما الذي يحلم بالآخر؟
ثم يروي في قصة (المجلس) عن شخص انضم إلى مجموعة يطلقون على أنفسهم اسم (مجلس العالم) وينشئون مكتبة تضم الكتب المهمة والنفيسة كلها، ويبحثون في اللغات عن لغة تصلح لأن تكون لغة عالمية يتحدث بها الجميع أملًا في توحيد العالم كله، ثم يدرك ممول ذلك المجلس -وهو رئيسه في الوقت نفسه- عدم جدوى تلك الفكرة وأنَّ الاستمرار فيها هو إهدار لأمواله لاستحالة تطبيق ما يريد في الواقع؛ إذ إنَّ الاختلاف هو سنَّة الكون ومن المستحيل أن يجتمع البشر كافة على كل شيء في الحياة.
ومما يدل على خياله الجامح أيضًا، قصة (ثمة أشياء أخرى)، فيروي حكاية عن شخص غريب الأطوار يشتري بيت عم بطل القصة؛ مما يدفع البطل إلى رؤية البيت بعد التعديلات التي أجراها عليه ذلك الشخص، فيراه قد تحول إلى بيت يناسب عملاق أو وَحش، ولكن كيف سيتصرف بطل تلك القصة عقب اكتشافه ذلك؟ هل سيهرب أم سيكمل اكتشافه لذلك البيت الذي أصبح غريبًا عنه؟
ثم ماذا لو جاءك من يبيع لك كتاب لا نهائي الصفحات وفي كل مرة تفتحه لا ترى الصفحة التي فتحتها سابقًا أبدًا؟ هل ستشتريه أم ستخاف من اقتناء كتاب كهذا الكتاب؟ هذا ما يحدث في قصة (كتاب الرمل)، فقد دفع الفضول بطل القصة إلى التضحية بكتاب نادر عنده مقابل ذلك الكتاب الغريب، ولكن؛ ماذا سيفعل بذلك الكتاب؟
ونرى في قصة (المرآة والقناع) أنَّ للكلمة أثرها في النفس البشرية، وقد يكون أثرًا طيبًا أو يكون العكس، وقد تدفع الكلمة سامعها إلى الجنون، ولكن؛ كيف يعرض بورخيس تلك الفكرة في القصة؟
تفتقد بعض قصص بورخيس الزمن، فالزمن عنده لانهائي ومتكرر، وذلك كما يوجد في قصة الآخر وقصة كتاب الرمل يوجد في قصص أخرى في الكتاب مثل قصة (يوتوبيا رجل متعب).
وتنطوي قصص بورخيس على الارتياب واللايقين والتكرار والمتاهة بصفتها قيمًا ثابتة وليس بصفتها أشكالًا فنية لذلك؛ فهي تتسم بالغرابة التي تثير أسئلة عديدة لدى القارئ بعد الانتهاء من قراءة كل قصة من مثل؛ ماذا سيفعل لو امتلك كتاب ككتاب الرمل؟ أو ماذا سيحدث لو رأى نفسه في عمر أصغر يجلس إلى جانبه في حديقة؟ أو ما تلك الكلمة التي قالها الشاعر فأثارت جنون الملك وجعلته يترك مُلكه ويهيم على وجهه؟
نتمنى لكم رحلة ممتعة في التنقيب عن إجابات تلك الأسئلة.
معلومات الكتاب:
بورخيس، خورخي لويس. (1999). كتاب الرمل. ترجمة: الغانمي، سعيد. (ط.2). الأردن: أزمنة. عدد الصفحات: 87.