الطب > فيروس كورونا COVID-19
أوبئة (SARS) و(MERS) و(COVID-19)؛ ما الدروس التي لقنتها للعالم؟
تميز القرن الحادي والعشرون بظهور عدة أوبئة كان سببها فيروسات كورونا (الفيروسات التاجية Coronavirus) التي هزّت العالم صحيًّا بالدرجة الأولى، واجتماعيًّا واقتصاديًّا بالدرجة الثانية. وأول هذه الأوبئة كان المتلازمة التنفُّسية الحادة الوخيمة أو الـ (SARS)، ثم متلازمة الشرق الأوسط التنفِّسية أو الـ (MERS)، وأخيرًا داء فيروس كورونا المستجد الحالي (COVID-19).
تشترك الفيروسات المُسبِّبة بعددٍ من المظاهر السريرية كإحداثها ذات رئة شديدة وغير أنموذجية، كذلك يبدو أن جميعها حيوانية المصدر، ولكن تنتقل من إنسان إلى إنسان عن طريق مفرزات الجهاز التنفُّسي، وإضافة إلى ذلك؛ فقد تظاهرت هذه الفيروسات لدى البشر دون أن يوجد أية توصيات بلقاح أو علاج محدد (1,2).
في 8 كانون الأول (ديسمبر) 2019؛ ظهر فيروس كورونا المستجد في مدينة ووهان في الصين، وذلك من خلال مجموعة من المرضى يعانون شكلًا غريبًا من ذات الرئة الفيروسية، واشترك العديد منهم بوجود سوابق تربطهم بسوق كبير للمأكولات البحرية يبيع بعض أنواع الحيوانات الحية. وفي 8 كانون الثاني (يناير) من عام 2020؛ أعلنت الحكومة الصينية رسميًّا عن فيروس كورونا المستجد، لكن الفيروس كان قد انتشر على نحو انفجاري في خلال شهر واحد في أنحاء العالم بَدءًا بالحالات الأولى؛ حتى أعلنت منظمة الصحة العالمية في 1 شباط (فبراير) عام 2020 حالة الطوارئ الصحية العامة (2).
كثُرت الأبحاث المتعلقة بفيروس كورونا المستجد، لكن اتجهت بعضُ الدراسات نحو مراجعة أوبئة الـ (SARS) و(MERS)، وذلك من أجل المقارنة لمعرفة مجالات الاستجابة التي تحتاج إلى المزيد من التحسين، وتقييم عوامل الخطر وتحديد ما يمكن فعله في وجه انتشار هذه الفيروسات؛ لذا سنعرض لكم لمحةً تاريخيةً عن كل منهما.
في عام 2012؛ ظهر نمطٌ غريبٌ من فيروسات كورونا في بلغم رجل سعودي يبلغ من العمر ستين عامًا، ثم توفي هذا الرجل بسبب فشل في الجهاز التنفسي، أُطلِقَ على الفيروس المُسَبِّب حينها اسم (MERS-CoV)، لكنه لم يتفشَّ في وقتها، بل بدأت جائحة الـ (MERS) في عام 2014 وأدَّت إلى إصابة 2494 شخص ووفاة 858 آخرين في 27 دولة. لم يكتسب الفيروس صفة الانتشار المجتمعي لكنه أدى إلى حدوث عداوى مشفوية واسعة، وكان معدل إماتة الحالات المُشخَّصة به (Case fatality rate*) قرابة 34.4٪ (1,2).
سبق ذلك في تشرين الثاني (نوفمبر) من عام 2002 حالات من ذات الرئة الشديدة اللانموذجية في مقاطعة (Guangdong) في الصين، وبعد إعلام منظمة الصحة العالمية بالمرض في آذار (مارس) عام 2003، عُرِفَ المرض باسم المتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة (SARS)، تلا ذلك بأسبوعين تحديد العامل المسبب لها؛ وهو أحد فيروسات كورونا/الفيروسات التاجية الذي أُطلِقَ عليه اسم (SARS-CoV). لكن -وبجهود حثيثة- سرعان ما جرى احتواء المرض في خلال أقل من 4 أشهر، ومنذ عام 2004 لم يُبلغ عن أية حالة (SARS).
كانت نتائج هذا الوباء أكثر من 8000 إصابة وقرابة 774 وفاة في 29 دولة، بمعدل إماتة للحالات المُشخَّصة به (Case fatality rate) تبلغ 11% (1,2,3).
مما سبق نجد أنه على الرغم من أنّ عدد حالات الوفاة الناتجة عن أوبئة (SARS) و(MERS) كانت أقلّ من عدد حالات الوفاة الناجمة عن (COVID-19)، إلا أن انتشار العدوى للجائحة الحالية لـ (COVID-19) هي الأسرع مقارنةً بهما، ويرجع ذلك جزئيًّا إلى زيادة العولمة وأثر البؤرة التي ظهر منها الوباء في ذلك؛ إذ تُعدُّ مدينة ووهان في الصين مركزًا كبيرًا يربط كلًّا من شمال الصين وجنوبها وشرقها وغربها عبر السكك الحديدية ومطار دولي رئيسي.
من الجدير بالذكر أن الـ (SARS) بدأت في الصين أيضًا كما حال داء فيروس كورونا المستجد الحالي، وتشابه الفيروسان المُسبِّبان ببعض الخصائص كفترة بقائهما في عدد من الأوساط؛ مما يوجه إلى أن الاختلافات في الخصائص الوبائية لهما ربما تنشأ من عوامل أخرى، متضمنة التركيز العالي لفيروس كورونا المستجد في القسم العلوي من السبيل التنفسي وإمكانية انتقال العدوى من المصابين به دون أن تظهر عليهم أعراض. في حين يملك الـ (SARS) فترةَ حضانة أقصر.
بالمقابل فقد كان الانتقال من إنسان إلى إنسان عند المصابين بـ (MERS) هو الأقل، وربما يعود ذلك جزئيًّا إلى ارتفاع نسبة حالات الوفاة بين أولئك الذين شُخِّصوا بالمرض (2,5).
علاوةً على ذلك؛ يتميّز فيروس كورونا المستجدّ بأنه نادرًا ما يسبب سيلان الأنف أو أعراض الجهاز الهضمي لدى المصابين، في حين تُعدُّ شائعة في حالات الإصابة بكل من (MERS) و(SARS) (1،2).
تتشابه هذه الفيروسات الثلاثة في طرائق التشخيص؛ إذ يُؤكَّد تشخيصها عن طريق زراعة الخلايا الموجودة في مفرزات الجهاز التنفسي، وتحليل الأجسام المضادة في المصل أو إجراء تفاعل البلمرة التسلسلي للنسخ العكسي (RT-PCR) للمفرزات التنفسية المأخوذة من المرضى، كذلك يعدُّ التصوير الشعاعي للرئتين أداة تشخيصية مهمة من أجل تحديد شدة المرض مبدئيًّا (2).
في الختام؛ نذكر أن ممارسات الإنسان الخاطئة هي التي قد تودي بحياته، فربما قد حان الوقت للتعلم من دروس الماضي؛ إذ نجد مما سبق أن التعاون بين العلماء والمختبرات في أنحاء العالم، والانفتاح والاستعداد لتبادل المعلومات العلمية المهمة، قد ساعد على تحديد الفيروس المسؤول عن وباء (SARS) والكشف عن تكوينه الجيني في غضون أسابيع.
إضافة إلى ذلك؛ فقد توضَّحت أهمية الإجراءات الصحية العامة التقليدية المتمثلة بالترصد، والتحكم بالعدوى، والعزل والحجر (4)، وأنّ مفتاح السيطرة على أيِّ وباء يتجسَّد في توعية مقدمي الرعاية الصحية وتثقيفهم وتدريبهم فيما يتعلق بالمرض سريريًّا ووبائيًّا، كذلك في تطوير أنظمة للتواصل وتبادل المعلومات المهمة عن المرض، وأنظمة أخرى للتعرُّف السريع إلى الحالات وتقييمها ومراقبتها، وتوفر وسائل لربط البيانات السريرية والوبائية والمخبرية ونشر هذه المعلومات محليًّا ووطنيًّا وعالميًّا (3).
إن الاستعداد للجائحة القادمة يعني الاستعداد للمجهول، ولا سيما أن البشر في تغيير مستمر أيضًا، فتزايُد تعداد السكان في العالم، والتوسع الحضري، والتغير البيئي، وغياب التنوُّع الحيوي، وحركة الناس بحرية وسرعة؛ هي العوامل التي قد تسهِّل انتشار فيروس ربما كان يقتصر على مجتمع صغير معزول. نحن مترابطون جدًّا الآن.. لدرجة أنّ تفشي مرض في جزء واحد من العالم يُشكِّل على الفور مصدرَ قلق في كل مكان (6).
في الختام نذكر أنه يجري الآن العمل على إيجاد لقاح لداء فيروس كورونا المستجد (COVID-19)، ولكن الوقاية في الوقت الحالي هي سلاحنا الوحيد ضد هذا الوباء.
دمتم سالمين.. الزموا بيوتكم.
* معدل إماتة الحالات (Case fatality rate) هو نسبة الوفيات الناتجة عن سبب معين إلى الحاصل الكلي لعدد الحالات المشخصة ضمن جمهرة معينة في زمن معين.
في حين أن معدل حالات الوفاة (mortality rate) هو نسبة حالات الوفاة الجديدة الحاصلة في فترة زمنية محددة -لسبب معين- إلى التعداد الكامل للجمهرة في بداية الفترة الزمنية (7).
مثال: في جمهرة مؤلفة من 1000 شخص، هناك 300 مصاب بمرض معين، توفي من هؤلاء المصابين 100 شخص: فيكون معدل الوفيات Mortality rate هو 100/1000 =0.1 أو 1%
و يكون معدل إماتة الحالات Case fatality rate هو 100/300 = 0.33 أو 33%
المصادر: