(Review) مقالات المراجعة

تزداد أهمية مقالات المراجعة (Review) يومًا بعد يوم في تحديث معرفة الباحثين في مجال تخصُّصهم، فيستخدمون هذه المقالات كنقطة بداية لصياغة المبادئ التوجيهية في موضوعٍ ما، وتلجأ المؤسسات التي تُقدِّم الدعمَ المالي إلى هذه المراجعات للكشف عن الحاجة إلى هذه الأبحاث (1). إذ تُعدُّ مقالات المراجعة عرضًا للتقدُّم الأخير المُنجَز في موضوعٍ معيّن، وتُلخِّص عمومًا المعرفةَ الحاليّةَ بموضوعِ الدراسة؛ الأمر الذي يُحقّق إدراكًا له من القارئ عن طريق مناقشة النتائج الواردة في الأوراق البحثيّة الأخيرة (2). ولا يقتصرُ دور مقال المراجعة على جمع المراجع المتعلّقة بموضوع الدراسة واستعراضها، بل تُجمَع النتائجُ من العديد من المراجعات الأولية بهدفِ إنتاج حجَّة متماسكة عن هذا الموضوع أو صياغةِ وصفٍ مركَّز ضمن مجال الدراسة. ويتمثَّل أحد الجوانب الرئيسة للمراجعة في توفيرها الدليل على وجهة نظرٍ محدّدة في اختصاصٍ معيّن؛ ممّا يحتِّم التركيز الكبير ضمنها على وصف البيانات التي تدعم أو تدحض وجهة النظر هذه، إضافة إلى ضرورة إبلاغ القارئ بالتقنيّات التجريبية المُستخدَمة لإنشاء البيانات، دون إغفال تركيزها على تفسير المراجعاتِ الأوليّة المتعلّقة بموضوع الدراسة التي يحتاج المؤلف إلى قراءة العديد منها وصياغة نتائج كل تلك الأوراق البحثية المرتبطة بمراجعته الحالية (2).

وترتبط قيمة المراجعة بما أُنجِز، وما عُثِر عليه، وكيفية تقديم النتائج. ويُعدُّ الغرض الرئيس لكتابتها هو إنشاء بنية قابلة للقراءة لأفضل الموارد المتاحة من المراجعات السابقة لسؤالٍ بحثيٍّ مهم أو مجالِ بحثٍ حالي. وعلى الرغم من جاذبية فكرة كتابة المراجعة، ولكن من المهم قضاء بعض الوقت في تحديد الأسئلة المهمة (سبب كتابة هذه المراجعة)، وتحديد طرائق المراجعة الجيِّدة (كيفية كتابتها)، لأنها توفر للقارئ وجهة نظر غير متحيِّزة فيما يتعلّق بالمراجعات الحالية، إضافةً إلى ضرورة كتابتها بطريقة منهجيّة واضحة، إذ تُستخدم طريقة "الفلتر المنهجي" لتحديد أفضل أسلوبٍ لسؤال بحثي، فتُقلِّل بذلك من عبء العمل عند مسح المراجعات. ويُجرى فيما بعد الجزء الأساسي بتمييز البحث الجيد عن الأقل جودةً واعتماد نتائج الدراسات الأفضل وتجميع الدراسات بإجراء تحليل تلوي Meta Analysis.(1).

وفي عام 1996؛ وضعت مجموعة دولية بيان (QUOROM)؛ الذي ركز على التحليلات التلوية للمقالات، وحُدِّث هذا المبدأ لاحقًا، وأطلق عليه مصطلح (PRISMA) ويضم 27 بندًا يُفضّل اتباعها في أثناء إعداد مقال مراجعة أو تحليل تلَوي لضمان إعداد مقال مفهوم ذي محتوى علمي عالي الجودة قدر الإمكان. 

تُقسم مقالات المراجعة إلى مراجعاتٍ سردية ومراجعاتٍ منهجيّة، وتُعنى المراجعات السردية بكتابة ما يُمكن قراءته بسهولة، وتسمح بالنظر في الموضوع ضمن نطاقٍ واسع. في حين تختصُّ المراجعة المنهجية بإجراء مسحٍ شامل ومفصّلٍ للغاية لكل المراجعات المتعلّقة بالموضوع المُختار دون تحيُّز المؤلِّف. وتُقسم المراجعات المنهجيّة إلى مراجعات كميّة ونوعيّة، يُجرى مسحٌ شامل للمراجعات في كليهما، ولكن تُجمَع بيانات الدراسة وتُقيَّم إحصائيًّا في المراجعات الكميّة.

قبل البَدء لتحضير مقال المراجعة؛ يجبُ التحقُّق من دافع كتابته، ويُعدُّ الأساس المنطقي لكتابة مقال مراجعة هو كتابة تركيب قابل للقراءة لأفضل مصادر المراجعات المتوفِّرة عن استفسار بحثيِّ مهم أو موضوع ما، ويعدُّ استخدام المنهجيات المناسبة في مقالات المراجعة أمرًا مهمًّا من حيث أن القراء يتخذون موقفًا موضوعيًّا من المعلومات المحدثة. فيجب أن تسمح المنهجيات المستخدمة في المراجعة بتحديد واستخدام الأبحاث مع الحد الأدنى من التحيز، والجمع بين الأبحاث المتاحة لزيادة القوة الإحصائية للمقال؛ وذلك في حال أجريت معظم الأبحاث بأحجام عيِّنات صغيرة. 

ومن مراحل المراجعة المنهجية:

-صياغة الأسئلة القابلة للبحث. 

-الكشف عن قواعد بيانات الدراسات والكلمات الرئيسة.

-تقييم معايير الجودة في أثناء اختيار الدراسات.

-تفسير النتائج وصياغتها بأسلوبٍ منطقيٍّ.

كيف يُكتَب مقال المراجعة؟

بعد اختيار موضوع المراجعة؛ لا بُدّ من اختيار عنوانها الذي يعبّر عن محتواها بدقّة، ووضع أسماء المؤلِّفين  وتاريخ الكتابة.

ويتكون مقال المراجعة من الأقسام الآتية:

الملخّص (Abstract): ويضمُّ ملخّصًا موجَزًا لكاملِ المراجعة، ويجب أن يتضمن فقط نقاطها الرئيسة. ويُمكنُ القول أنّه فرصةٌ للقارئ لمعاينة مقال المراجعة وتحديد ما إذا كان يريدُ الاستمرار والقراءة للحصول على التفاصيل ضمن نص المراجعة كاملًا أم لا(3).

المقدمة أو الخلفية المرجعية (Introduction)(Background): تشرح أهميّة موضوع الدراسة بأسلوبٍ علميّ يجذب اهتمام القارئ (2) ويخاطب المجتمع الأكاديميّ في آنٍ معًا (3) ومُدعّم بكل المعلومات الأساسية المتعلقة بالموضوع (2) والمُستحدَمة في التقديم له (3) والتي يجب أن يعرفها القارئ، كذلك تحدّد المصطلحات التي قد تكون غير مألوفة عنده، ويُذكَر الهدف من كتابة المراجعة (3)، وعادةً ما تكون المقدمة موجزة (لا تزيد على خِمس حجم المقال كاملًا تقريبًا) (2). 

نص المقال (Body of the Paper): ويُعدّ القسم الأهم في المراجعة (3)، إذ يصف هذا القسم النتائجَ المهمة الواردة في المراجعات الأساسية الأخيرة، ويشرح كيف شكّلت هذه النتائج الفهمَ الحالي للموضوع، وتُذكر أنواع التجارب التي أجريَت والبيانات المقابلة لها (مثلًا: يمكن الإشارة إلى أي خلافات وجمعها في هذا المجال، كذلك يمكن استخدام الأشكال و/أو الجداول بما يُظهر بنية البيانات الأصلية أو يخدم إظهار البيانات الرئيسة المأخوذة مباشرة من الأوراق الأصليّة) (2)، إضافةً إلى مناقشة نتائج المراجعة من خلال تحليلها وتفسيرها بأسلوبٍ مركّز يربطها مع المراجعات السابقة أولًا ومع أهداف المراجعة ثانيًا (3).

الاستنتاجات (Conclusion): يُكتَب في هذا القسم خلاصة النتائج (وليس النتائج)؛ أي يجب إيجاز النقاط الرئيسة الواردة ضمن المراجعة، وتوضيح أهمية نتائجها (2)، والحذر من إدراج نتائج جديدة ضمن هذا القسم، واقتراح التوجهات المستقبلية إن أمكن (مثلًا: كيف يمكن الاستفادة من نتائج هذه المراجعة ضمن مجالٍ أوسع؟) (3).

المراجع: ويضمّ المراجع المُستخدمة والمُستشهَد بها ضمن المقال، ويُطلبُ على الأقل الاعتماد على 8-10 مراجع حدًّا أدنى (2)، وتُكتب اعتمادًا على تنسيق محدّد (3).

ويُنصح لكتابة مقالات المراجعة بقواعد عدة يمكن إيجازُها فيما يأتي:

-تحديد موضوع الدراسة الذي يهم الباحث ولديه خبرة به ويحاكي مشكلة محدّدة حالية، وتحديد الجمهور المستهدَف من القُرّاء المهتمّين بموضوع الدراسة (4)(5). 

-البحث على نحو شاملٍ ما أمكن عن كل المراجعات والأبحاث السابقة المتعلِّقة بموضوع المراجعة بمساعدة بعض قواعد البيانات، ومحاولة تغطية الزوايا التي لم تُغطَّ في مراجعاتٍ سابقة.

-تدوين كل الملاحظات التي تسترعي اهتمام الباحث في أثناء قراءته للمراجعات السابقة للاستفادة منها في أثناء كتابته.

-تحديد نوع المراجعة اعتمادًا على طبيعة الموضوع وتفضيل المجلة المستهدفة والوقت المتاح للمؤلِّف وعدد المؤلِّفين، بين: مراجعة مصغَّرة تركّز على بعض المراجعات القليلة الماضية وبعدد محدّد من الكلمات والمراجع، أم مراجعة كاملة تغطي كامل التفاصيل المتعلِّقة بحدث علمي معيّن وتعتمد عددًا كبيرًا من الأوراق البحثية المقروءة، مراجعة وصفيّة تركز على المنهجية والنتائج وتفسير كل دراسة جرت مراجعتها، أو مراجعة تكاملية تُعنى بإيجادِ أفكار ومفاهيم مشتركة من المواد التي جرت مراجعتها، أو مراجعة سرديّة نوعية أو مراجعة منهجيّة تحاول اختبار فرضية ما بناءً على الأدلة المنشورة، والتي جُمعت باستخدام بروتوكول محدد مسبقًا لتقليل التحيز.

-الحفاظ على تركيز المؤلِّف في أثناء كتابته المراجعة؛ إذ يُعدّ السمة الناجحة لكتابتها، ويمكِّن الباحث من توجيه مراجعته إلى جمهورٍ واسع.

- الكتابة بأسلوب علمي نقديّ متماسك لذكر سلبيات وإيجابيات كل ما جرت مراجعته على نحو متوازنٍ، وقد يشترك عدة مؤلفين في كتابة المراجعة لسد الثغرات في هذه النقطة.

- تخصيص وقت كافٍ لقراءة المراجعات السابقة، ووضع المنهجيّة السليمة والواضحة لكتابة المراجعة بموضوعيّة وبأسلوب منطقي نقديّ.

 -تتبُّع المقالات المنشورة حديثًا دون إغفال المقالات السابقة الأساسية المتعلِّقة بموضوع الدراسة، والاستفادة من التعليقات والآراء المقدمة لتحسين جودة المراجعة (4).

تعدُّ المراجعة مطلوبة كثيرًا في معظم المجالات العلمية، وتنبع الحاجة إليها من المخرجات المتزايدة باستمرار من المنشورات العلمية، وتتطلب قدرًا كبيرًا من العمل، والقدرة على التوفيق بين مَهامّ متعددة، من العثور على المواد ذات الصلة وتقييمها إلى تجميع المعلومات من مصادر مختلفة، من التفكير النقدي إلى إعادة الصياغة والتقييم والاستشهاد وتزدادُ أهميّتها يوميًّا لكونها خطوةً مهمّةً في التطور العلميّ بعرض أيّ تقدّمٍ علميٍّ جديد (4)،  لذلك؛ عند كتابة مراجعة، يُفضّلُ التركيز بوضوح على الأفكار الثابتة، واستخدام نهج إجرائي ونقدي للمراجعة والتعبير عن النتائج بطريقة جذابة (1).

المصادر: