الفنون البصرية > تقنيات فنية
تقنيّات وخامات العمل الفني في الرَّسم والتَّصوير.
المواد والتقنيّات التي يختارها الفنان هي أحد العوامل المهمّة التي تحدّد أشكال التعبير البصري، ومن خلالها يستطيع أنْ يطوّر الفنان عمله، فتعدّد المواد يكون إمّا قيودًا أو فرصًا للفنان؛ لهذا السبب يجب أنْْ يشاهد ويجرّب العديد من المواد التقليديّة ليفهم تطوّر هذه اللغة البصرية (2).
يمكننا التحدث في عدّة اتجاهات عند دراسة هذه المواد والتقنيّات، وأهمّها: تقنيّات التصوير(Painting)، الرسم (Drawing)، الطباعة (Printmaking)، المنسوجات (Textiles)، المعدن، الخشب، والسيراميك.
التَّصوير (Painting):
ويعني التَّصوير هنا التمثيل باللون، وهو يختلف عن مفهوم التصوير الفوتوغرافي (Photography). يشمل التصوير وضع اللون على السطح. كانت الألوان تُستخرج من الطبيعة من درجات البني؛ كالبنيّ المُحمرّ الأوكر والبنيّ المصفرّ (sienna, ochre and umber)، ثم تُطحن حتّى تصبح بودرة ناعمة وغالبًا تُخلط مع مواد سائلة -وهي مواد ربط المساحيق اللونية، وتكون ذات أساس زيتي أو مائي- حتّى تمدد وتُستخدم على السطح. اليوم يوجد مواد اصطناعيّة يُصنع منها الصبغات (الترابات الملونة)، ويوجد عدّة خيارات للمواد السائلة المذيبة. اختيار الفنان للمواد يؤثر على طريقة استخدامها وعلى خاصيّة الألوان لأنَّ له تأثير على العمل الفني فلكلّ مادة لديها محدّدات وإمكانيّات(2). أقدم مثال على التصوير (Painting) يعود لأكثر من 20,000 سنة قبل الميلاد، وهو موجود في كهوف في جنوب فرنسا. أفضلهم عُرِف في كهف (Lascaux لاسكو)، ومع وجود العديد غيره؛ إذ يمكننا إيجاد هذا النوع من التصوير (الفن الصخري) في أكثر من منطقة على الكرة الأرضية (2).
تصوير ثور وحصان ما قبل التاريخ في فرنسا، لاسكو.
الألوان الزيتية:
هي وسيطٌ يحتوي على مواد ملوّنة هي صبغاتٌ تُحلُّ وتُجمعُ في زيوتٍ قابلة للجفاف. تُعدُّ السهولة المتميزة في دمج الدرجات اللونية وإظهارها؛ إذ يمكن الحصول على خطٍّ مرضي، وكذلك ملمس واضح في اللوحة، كما يمكن الحصول على سطوح مصمتة، وكامدة، ونصف شفافة، وشفافة في هذا الوسيط اللوني(3). تُصنع الألوان الزيتية بخلط الترابات الملوّنة مع زيت الكتان المكرّر-صالح للاستخدام الفني- حتّى يصبح قوامه عجينة متناسقة ويُطحن بمطاحن هاون. كثافة اللون مهمّة، ويجب أن يكون قوامها ناعمًا كالزّبدة وليس لزجًا. إذا أرادَ الفنان أن يكون الأساس أكثر انسيابية عليه أن يخلط معه مادة تربنتين (هي مادّةٌ نباتيّة تُستخدم لمدِّ اللون الزيتي)، وفي بعض الأحيان يَستخدم مواد صناعية أُخرى لتجفيف الألوان بشكلٍ أسرع (3). استخدام الألوان الزيتية كوسيط في الفنون الجميلة يعود إلى الرسامين الأوروبيين في القرن الخامس عشر، مثل (جيوفاني بيليني Giovanni Bellini)، والأخوين (Van Eyck -فان إيك)؛ الذين استخدموا ألوان الزيت المصقولة على أرضيّة اللوحة التي اُستخدِمَ فيها الألوان الترابيّة مع الغراء كأساس لرسم اللوحةUnderpainting) (9).
أجودُ أنواعِ فرش الرَّسمِ هي نوعان (Red Sable-السمور الأحمر) وهو من عائلة ابن عرس Weasel، وريشٌ أُخرى تصنع من شعيرات الخنزير، يأتي كلاهما بأحجامٍ مختلفةٍ وقياساتٍ مرقمّةٍ وأربعة أشكالٍ أساسيّة: مستديرة، مسطّحة، مسطّحة لكن أقصر وأقل ليونة، وبيضويّة.
أشكال أخرى لفرشاة الرسم.
تُستخدم ريشُ السمور الأحمر (Red Sable) لضربات ريشة أكثر سلاسة، ويوجد نوعٌ آخرٌ، وهو الرسم بالسكين (سكين الطلاء) هي معدنيّة ورقيقة تأتي بعدّة أشكالٍ وأحجامٍ مختلفة المرونة ومناسبة لوضع كتلة اللون الزيتي على اللوحة(3).
*السمور الأحمر: من فصيلة ابن عرس، يعيش في غابات آسيا الشمالية، عُرف بفروه الفاخر(8).
الدَّاعمُ الأساسيّ للوحة الزيتية هو القُماش؛ يُصنعُ من نسيج كتّان أوروبيّ قوي، يُقصُّ هذا القُماش بالقياس المرغوب فيه، وحسب قياس إطار اللوحة، ويُشدُّ فوق الإطار المصنوع من الخشب غالبًا، ويكون مدعومًا بالمسامير. في القرن العشرين كانوا يدعمونه بالخرزات؛ لتجنّب امتصاصية الخشب لمواد القُماشِ (كالغراء)، وللحصول على سطحٍ أملسٍ يوضعُ أساسٌ على القُماش وينتظر حتى يَنشف ثم يبدأ بالرَّسم. أغلب مواد الأساس هي الغيسو (Gesso)، أو الجبص، غراء جلد الأرنب، وأبيض الرّصاص. و يمكن استخدام ورق الزّجاج لصقل سطح اللوحة بعد أنْ يجفّ الأساس إذا أراد الفنان أن يكون ملمس السطح ناعمًا(3).
عادةً توضع طبقة من الورنيش/الفرنيش Varnish على سطح اللوحة بعد الانتهاء من العمل؛ لحمايتها من العوامل الجويّة، أو الخدش، أو التآكل، أو من تراكم الغبار. يزيل الورنيش/الفرنيش بطريقة آمنة من قبل مُختَصّين وخُبراء باستخدام كحول (isopropyl-الأيزوبروبيل)، ومذيبات غيرها. ويجلب الورنيش/الفرنيش لمعانًا موحّدًا لسطح اللوحة ولونًا ظاهرًا أكثر. بعض الفنانين المعاصرين لا يفضّلون السطح اللامع في لوحاتهم، فتبقى بطبقة باهتة (matte) أو غير شفافة. معظم اللوحات الزيتية التي رُسِمت قبل القرن التاسع عشر بُنيت على عدّة طبقات، أول طبقة كانت فارغة (بيضاء)، يدهن طلاء رقيق على أول طبقة تسمّى الأساس. الأساس هادئ وأبيض ثم يوضع لون خفيف وموحّد فوق الأساس كقاعدة لبناء اللوحة، ثم يحصر الأشكال بظلال أبيض إلى جانب الرمادي أو الأخضر المحايد أو الأحمر أو البني. ينتج عن الكتل اللون الواحد(monochromatic) الظل والنور، تدعى (underpainting)؛ تعني الطبقة الأولى من رسم المساحات والتونات والألوان لتحديد كتلة الأشكال) (3).
في القرن السادس عشر ظهر اللون الزيتي كمادة رسم أساسيّة في البندقية. بحلول نهاية القرن، أصبح فنانو البندقية بارعون في استثمار الخصائص الأساسية للرسم الزيتي، خاصّة في تأسيس اللوحة. بعد فترة طويلة من تطوير قُماش الكتّان حتّى حلّت محلّها الألواح الخشبية كداعمٍ أكثر للوحات (3).
زيتي على قُماش للفنان (فرانس آن هوبكنز - Frances Anne Hopkins)، عام 1869، في مكتبة وأرشيف، كندا.
تيمبرا البيض Egg Tempra:
في هذه التقنيّة تُخلط الترابات الملوّنة مع صفار البيض أو بياض البيض أو كليهما، ثم يُخفف بالماء ويوضع على لوحٍ خشبيٍّ مؤسس بالجصِّ. يُستخدم أيضًا على برشمان (ورق من جلد الحيوان) أو الورق لتزيين الكتب في العصر قبل القرن الخامس عشر قبل تطوّر الطباعة. هذا النوعُ من الطلاء يجفّ بسرعة وينتج سطحًا غير شفاف وباهت (matte). عندما تجف تصبح قيمة درجات الألوان أفتح مما تكون عليه وهي رطبة، فتنتج ألوانًا مشرقةً ومشبعةً. اُستخدمت هذه الطريقة في التَّصوير على ألواح الخشب حتّى القرن الخامس عشر، مثال عن الفنانين الذين عملوا في هذه التقنيّة في القرن الرابع عشر (Cimabue - سيمابوي) و(Duccio - دوتشيو)، واستخدمها الفنان الأميريكي آندرو ويث (Andrew Wyeth) في القرن العشرين. من الجدير بالذّكر أنّ المنمنمات الإسلامية والكتب والمخطوطات في القرون الوسطى هي فئة مهمّة من لوحات التيمبرا (2).
مثال عن عمل بتقنية التمبرا.
الموزاييك:
يتكوّن التَّصميم من قطعٍ صغيرةٍ من الزّجاج الملوّن، أو الحجارةِ، أو السيراميك، ويمدّد على سطح إسمنت ثم يُزخرف. يشكّل مكان تلك القطع غير المتناسق بشكلٍ متكاملٍ سطحًا عاكسًا مليئًا بالحيوية إذا ما قمنا بالنَّظرِ من مسافة بعيدة. اُستخدم الموزاييك غالبًا لتزيين الحيطان أو الأرضيات أو الأسقف (2).
مثال عن تقنية الموزاييك.
الألوان المائية:
تُطحن الألوان المائية مع الصَّمغ وغالبًا الصَّمغ العربيّ. تُخلط بالفرشاة مع ماءٍ ويطبّق استخدامها بالرَّسم على سطحِ الورق أو الكرتون غالبًا. تُمنحُ الألوانُ المائية شفافيةَ اللمعانِ والنَّضارةِ. يوجدُ فرقٌ واحدٌ بين الألوان المائيّة وجميع وسائل الرَّسم الأُخرى، وهو الشفافية. بالتَّصوير الزيتي يُمكن للفنان أن يضعَ اللونَ الزيتيّ الأكمد أو السميك على عدّةِ طبقات؛ حتّى يحصل على النتيجة المرغوبة، أمّا بالألوانِ المائيّةِ لا يبني الفنان طبقات من اللونِ فقط بل على العكس يبني اللوحة من الفراغ والشفافية التي يقدّمُها اللونُ المائيّ. يمكن أن يضع الألوانَ مباشرةً من الماسورة، أو يمدّد مع القليل من الماء، غير ذلك، تُخفف الألوانُ مع الماء. إذا كثرت من الماء فتتأثر الورقة بالماء، مثال، اللون الأحمر عندما يجفّ يتحوّل إلى اللون الزهري إذا خُلط مع الكثير من الماء. (4)
تقنيّةُ الفرشاةِ الناشفة: تحتوي الريشة على اللون والقليل القليل من الماء، تُرسم على سطحِ الكرتون الخشن، فتعطي تأثيرات، مثل، الحبيبات ومشابهة لأقلام الشمع. تُستخدم هذه التقنية أيضًا كطبقات لإحياء الرسومات الباهتة. (4)
مثال عن تقنية الألوان المائية
الأكريليك:
طلاءٌ يُصنَعُ بمواد اصطناعية صمغيّة. يجف الأكريليك بسرعة، وينفع أن يكون كأي نوع من الصبغات، فهو قادرٌ على إعطاء شفافية كالألوان المائية، وسماكة كالألوان الزيتية. يُعدُّ أقل تأثّرًا بدرجات الحرارة والهجمات الجوية من الطلاء الزيتي، يفضّل هذا الوسيط الفنانون الذين يعانون من المخاطر الصحية التي تشكّلها الألوان الزيتية، مثل استنشاق بُخار المواد المذيبة للون الزيتي؛ بسبب كلّ هذه الخصائص المرغوبة أصبحت الأكريليك مشهورةً بين الفنانين عِندما رُوّجَ لها لأوّلِ مرة في الستينات من قِبل الفنانين البارزين في القرن العشرين الذين استخدموا الأكريليك مثل فناني البوب، وبعض منهم (أندي وارهول Andy Warhol) و(روي ليتشنستاين Roy Lichtenstein).
(5).
الكولاج:
تعني بالفرنسية (اللصق)؛ وهي تقنيّةٌ فنيّةٌ لتطبيق المواد المطبوعة أو قصاصات من الجرائد أو القماش، أو ورق الحائط على لوحة. في القرن التاسع عشر أُنشئَ الورقُ الملصق من قصاصات الورق وجُمعت معًا لتأليف أشكالٍ زخرفيّة. في حوالي عامي 1912-1913 قام الفنانان (بابلو بيكاسو Pablo Picasso)، و(جورج براك Georges Braque) بتوسيع هذه التقنيّة -بالدمج بين أجزاء من الورق والمشمع (Oil Cloth) والصحف مع الألوان الزيتية على القماش- لتكوين تركيبات مجرّدة أو شبه مجرّدة. ساهم (بيكاسو) و(براك) بتطوير هذه التقنية تطويرًا كبيرًا؛ مما أدّى إلى الانتقال من المدرسة التحليلية التكعيبية إلى التركيبية التكعيبية.
كلمة (كولاج - Collage) اُستخدمت أول مرة للإشارة إلى أعمال حركة (الدادا - Dada)، والفنانين السرياليين وخاصّة الفنان (ماكس أرنست Max Ernst)؛ إذ كانت أعمال الكولاج تتكون من نقوش وطباعات قديمة قد قصّها ولصقها بمهارة ليكوّن صورًا غير منطقية. وصلت تقنيّة (كولاج البوب أرت) إلى ذروتها عام 1960 من قِبل الفنان (روبرت روشينبيرغ -Robert Rauschenberg)، الذي دمجَ ورق المجلّات مع الطباعة الحريرية لإنتاج مزيجًا من التاريخ والثقافة الشعبية. (6)
صورة للفنان بيكاسو,1912, زيتي ومشمع على لوحة قماش مبروظة بحبل, 29x37cm, في متحف بيكاسو.
فحم:
وهو عصي متفحّمة من الخشب تُستخدم كمادةٍ لانتاجِ اللوحات أو للدراساتِ (Sketch) فقط. أثرُ الفحمِ غير ثابت يُمسح ويزول بسهولة. هذه الخاصّيَّةُ تُستخدمُ كوسيلةٍ لرسمِ الخطوط الخارجيّة أو للوحات الجداريّة أو على الكرتون، ويُستخدم كوسيلةٍ لتخطيط الخطوط الخارجية لعناصر اللوحات، ولإنهائها لاحقًا على لوحة قُماشيّة كبيرة لتكتمل بوساطة وسيط لونيّ ذو ديمومة، مثل الألوان الزيتية، بسبب نعومة قلم الفحم يميل إلى التركيز على الكتلة والحركة بدلًا من الخط. ويستخدمه الفنانون لسرعته في إنشاء الدراسات الصغيرة التي قد يعملون عليها لاحقًا. العديد من الأعمال التي أُنهيت بالفحم قد بقيت حتى الآن، و منها أعمال مهمّة للفنان (ألبريخت ديورر- Albrecht Durer)، وبعض أعمال الفنانين الإيطاليين من القرنين السادس عشر والسابع عشر. استمرَّ استخدام الفحم طوال القرنين التاسع عشر والعشرين حتى القرن الحادي والعشرين. هناك العديد من الفنانين الفرنسيين الجديرين بالذِّكر، مثل إدوار مانيه (Edouard Manet)، إدغار ديغا (Edgar Degas) وهنري دو تولوز-لوتريك (Henri de Toulouse-Lautrec)، وأيضًا فنانين ألمانيين، مثل إرنست بارلاش (Ernst Barlach)، وكاثي كولويتز(Kathe Kollwitz). المصدر (7).
مثال عن الرسم بالفحم للفنان (ألبريخت ديورر- Albrecht Durer).
بورتريه لوالدة الفنان, عام 1514, برلين.
المصادر:
2- Media [Internet]. Char.txa.cornell.edu. 2020 [cited 8 April 2020]. Available from: هنا
3- oil painting | Description, History, & Facts [Internet]. Encyclopedia Britannica. 2020 [cited 8 April 2020]. Available from: هنا
4- Watercolour | art [Internet]. Encyclopedia Britannica. 2020 [cited 8 April 2020]. Available from: هنا
5- Acrylic painting [Internet]. Encyclopedia Britannica. 2020 [cited 8 April 2020]. Available from: هنا
6- Collage | art [Internet]. Encyclopedia Britannica. 2020 [cited 8 April 2020]. Available from: هنا
7- Charcoal drawing [Internet]. Encyclopedia Britannica. 2020 [cited 8 April 2020]. Available from: هنا
8- sable | Color, Fur, & Facts [Internet]. Encyclopedia Britannica. 2020 [cited 8 April 2020]. Available from: هنا
9- Painting - Fresco [Internet]. Encyclopedia Britannica. 2020 [cited 8 April 2020]. Available from: هنا