صوت العلم; فيروس كورونا المستجد يتحول إلى قطعة موسيقية!

هنا

الرجاء الاستماع في أثناء قراءة المقال.

هذه الأصوات التي نسمعها -وقد ترجمها Markus Buehler مع فريق من العلماء من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا MIT- والتي تعطي إحساسًا بالراحة والهدوء ما هي إلا تعبير واضح لكيفية خداع هذا الفيروس لخلايا الجسم مستغلًا إياها من أجل التضاعف على غرار مقدرة هذه الموسيقا على أن توهم آذاننا بالراحة على عكس طبيعته المؤذية (1,4).

لكن نحن في الحقيقة نستمع الآن لجزء صغير من فيروس sars-cov-2، وهو الجزء الشوكي (the spike) البروتيني الموجود على غلاف هذا الفيروس، ونُلاحظ طول هذا الملف الصوتي (ساعة و50 دقيقة تقريباً) مما يُعطينا نظرة عن الحجم الكبير لهذا البروتين.

والسؤال الذي يتبادر إلى أذهاننا حالياً؛ كيف استطاع Buehler أن يحول بروتين إلى قطعة موسيقية؟!

حلّلَ Buehler طيفَ الاهتزازات النانوكيميائية لهذا البروتين الفيروسي، واستخدم تقنية الصوتنة sonification؛ وهي آلية تحول البيانات البنيوية إلى إشارات صوتية من أجل استخدامها في نقل المعلومات.

وهنا استُخدمت مقاربة محددة من الsonification وهي الmateriomusic أي موسيقا المادة.

ويعني هذا المصطلح (materiomusic) استخدام الاهتزازات والبنى الفعلية للجزيئات وتحويلها إلى مادة صوتية.

وقد استُخدمت هذه الآلية سابقا لتحويل المادة إلى موسيقا، والموسيقا إلى مادة بهدف التحليل والتصميم(4).

نرى في هذه الصورة بنية البروتين المؤلفة من 1288 حمضا أمينيا، والموجودة على شكل ثلاث سلاسل من عديد الببتيد(4).

هنا

وفي هذا الملف الصوتي نستمع لأصوات الأحماض الأمينية (أي البنية الأولية للبروتين) مجردةً من الأصوات الأخرى التي سمعناها في الملف السابق، والناتجة عن ارتباط الأحماض الأمينية في بنى ثلاثية الأبعاد؛

إذ تنقسم بنية البروتينات إلى أربع مستويات بنيوية رئيسية:

البنية الأولية؛ وهي بنية خطيّة تتألف من تسلسل الأحماض الأمينية التي تربط بينها روابط ببتيدية. ويوجد في الطبيعة 22 حمضا أمينيا، ولكل حمض أميني طيف اهتزازي فريد، وقد نميز كل واحد منهم بصوت أو جَرس مختلف مما يسمح بتخصيص نغمة موسيقية محددة لكل حمض أميني، ووضِعت هذه النغمات ضمن dorian mode (وهو أحد السلالم الدياتونية القديمة).

 TYR, ASN, LEU, MET, GLU, PRO, TRP, ARG, GLN, HIS, PHE, SER, LYS, VAL, ASP, THR, ILE, CYS, ALA, GLY, Sec, Pyl

البنية الثانويّة؛ التي تعكس الشكل الفراغي لسلسة الأحماض الأمينية سواء كانت حلزون ألفا  α-helix, أو صحيفة بيتا β-sheet 

ويُعبّر عنها عن طريق الأشكال الإيقاعية المختلفة وأيضا عن طريق الdynamics (أي بطول العلامة الموسيقية أو قصرها وحجم الصوت وكميته ).

والبنية الثالثيّة والرابعيّة؛ تعبّر على نحو عام عن التطويّ folding ضمن عديد الببتيد وبين عديدات الببتيد المجاورة(4,3,2, 5).

وبالعودة إلى الملف الصوتي الأول، نرى الاعتماد على الطباق counterpoint للتعبير عن الأصوات المختلفة، ونسمع بوضوح مجموعة من الأربيجات المستخدمة (chord progression)، ومجموعة من الألحان التي تؤديها مجموعة من الآلات المختلفة؛ إذ كان الاعتماد الأساسي في هذه القطعة الموسيقية يُجرى على آلة الkoto (وهي آلة يابانية شبيهة بالقيثارة)

وقد استُخدمت 19 آلة أخرى غير الkoto وهي: القيثارة، والوتريات(كمان، فيولا، تشيللو) وقد استُخدِم نوعان من التصويت إما باستخدام القوس وإما pizzicato (استخدام الأصابع للنقر على الأوتار)، الكلارينت، أوبوا، فلوت، ترومبيت، فلوغل هورن fluegelhorn، ومجموعة من الآلات الإيقاعية أيضا(4).

آلة الkoto

فما الهدف من تحويل هذا البروتين إلى قطعة موسيقية؟

تكمن الغاية من ذلك في العثور على مواقع الارتباط بين البروتين والأدوية أو الأجسام المضادة لها على نحوٍ أسهل وأسرع، وعلى المدى البعيد نستطيع مقارنة الspike بروتين مع بروتينات أخرى مما يتيح لنا الحصول على بروتين آخر مضاد له قادر على الالتصاق به مانعا الفيروس من مهاجمة الخلايا.

أما من الناحية الفنية فمقاربة الmateriomusic تعطي إلهامًا للموسيقيين، فاتحةً مجالا حديثًا لتقديم ألحانٍ جديدة بأسلوب فريد.

ومن جهة أخرى، تؤدي اهتزازات البروتينات دوراً مهماً في فهم آلية استقرار الفيروس مع زيادة درجات الحرارة. في حين أنه يخبرنا طيف الاهتزاز أيضاً عن سبب انجذاب السارس CoV-2 إلى الخلايا البشرية.(1,2,3,4)

المصادر: